مواقع التواصل.. واستسهال المعصية
فالنتقي الله فيما نرسله للآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ولنتقي الله أكثر في مشاهدة ما قد يُرسل إلينا؛ فإن استسهال المعاصي قد يورد المسلم المهالك عياذا بالله.
كثيرة هي برامج ما يسمى "التواصل الاجتماعي" التي اجتاحت حياة الإنسان المعاصر؛ وغزت بيوت وجيوب كثير من المسلمين في جميع أنحاء العالم؛ فما من فترة زمنية تمر طالت أو قصرت إلا وبرنامج تواصل جديد يشتهر و يتداول على شبكة الانترنت؛ حتى أضحت من كثرتها تثير حيرة المستخدم أيها يختار.
وبعبارة وجيزة ومبسطة يمكن القول بأن وسائل التواصل الاجتماعي هي: مجموعة من التقنيات المتاحة على الشبكة العنكبوتية التي تسهل على الناس التواصل فيما بينهم ضمن بيئة ما يسمى "العالم الافتراضي".
وكما أن لهذه الوسائل فوائد لا يمكن إنكارها أو عدم الاعتراف بها؛ كــ: تقريب المسافات؛ وتسهيل نقل المعلومات؛ وتبادل الأفكار والاطلاع على ثقافات الشعوب؛ بل وتيسير الكثير من المعاملات والإجراءات الحكومية والتجارية التي كانت من التعقيد والصعوبة بمكان.
إلا أنها بالمقابل تنطوي على سلبيات كثيرة وخطيرة:
لعل أبرزها: نشر العقائد الباطلة والأفكار الهدامة المخالفة لقيم ومبادئ دين الله الإسلام؛ والتأثير السلبي على أخلاق أبناء المجتمع المسلم من خلال ما ينشر على تلك المواقع من مواد إباحية وأخرى مخلة بالستر والحشمة التي أمر الإسلام بها الرجال والنساء؛ ناهيك عن إفساد تلك المواقع لحقيقة التواصل الاجتماعي الواقعي بين أبناء المجتمع والحي بل والعائلة الواحدة في البيت الواحد.
وإذا كانت المقولة المشهورة بين عامة الناس أن الشبكة العنكبوتية عموما ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص يجتمع فيها المتناقضات على صعيد القيم والمبادئ والأخلاق؛ فالخير موجود فيها وكذلك الشر؛ والغث والسمين من المعلومات؛ والفضيلة والرذيلة من الأخلاق.... فإنه لا يمكن إنكار تسهيل تلك المواقع للمعصية بشكل صارخ؛ وترويجها لكثير من المخالفات والتجاوزات التي تعتبر في دين الله معاصي وسيئات.
لا أتحدث هنا عن تلك الفئة من الناس التي اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لمزيد من الغرق في حمأة الرذيلة وظلمات المعصية؛ وللأمر فيما بينها بالمنكر والنهي عن المعروف.... وإنما أتحدث عن فئة المؤمنين العاملين من المسلمين؛ والملتزمين بأوامر دين الله الإسلام ونواهيه إن صح التعبير؛ الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي فيما بينهم كوسيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
فقد ظهرت ضمن رسائل تلك الفئة على مواقع التواصل الاجتماعي ما يشير إلى استسهال بعض المعاصي؛ واستمراء ما يُعتبر في دين الله من المنهيات؛ بعلم وإهمال واستسهال أحيانا؛ وعن جهل ودون عمد أو انتباه في كثير من الأحيان.
فتحت عناوين براقة ومثيرة للاهتمام؛ من قبيل: "مهم جدا لا يفوتك" أو ما شابه ذلك؛ وضمن ذرائع نقل معلومات خطيرة عن مخططات أعداء الأمة للمسلمين أو الترويح عن النفس ونشر ما يضحك .. تجد في رسائل بعض المسلمين الموسومين بالالتزام ما يخالف شرع الله وأوامر الإسلام.
من تلك المخالفات مثلا: ظهور بعض النساء بلباس فاضح أو غير متوافق مع شرع الله على أقل تقدير؛ بالإضافة لظهور بعض الرجال أيضا بلباس لا ينبغي أن تشاهده النساء أو حتى الرجال؛ ناهيك عن وجود بعض الكلمات النابية أو الفاحشة أو التي تخدش الحياء في تلك الرسائل.
كثيرمن تلك المشاهد قد يستسهل البعض إرسالها وتداولها؛ بل ومشاهدتها ورؤيتها وحده أحيانا وربما مع زوجته وأولاده.. بذريعة أنها للفكاهة والضحك والمزاح؛ أوأن فيها من المعلومات الضرورية التي تبيح من وجهة نظره مشاهدتها وغض الطرف عما تتضمنه من مخالفات شرعية.
والحقيقة أن كل تلك الذرائع لا أساس لها من الصحة؛ وغير معتبرة في دين الله الإسلام؛ فالمزاح والفكاهة والضحك لا تبيح استحلال ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا؛ وقد ورد في المعجم الصغير للطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد حسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إني لأمزح و لا أقول إلا حقا )؛ كما أن أهمية المعلومة التي يريد المسلم أن ينقلها إلى الآخرين لا تحل المحرم في الإسلام؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة في ديننا كما هو معلوم .
وبعيدا عن كل ما سبق يمكن تفادي المشاهد غير الشرعية في مقاطع الفيديو المراد تداولها بين المسلمين؛ من خلال استخدام بعض التقنيات والبرامج التي يمكن الحصول عليها وتعلم طريقة استخدامها بسهولة ويسر.
إن خطر تكرار مشاهدة المسلمين لتلك المشاهد غير الشرعية يتعدى حدود المعصية العابرة أو غير المقصودة؛ إذ إن تكرارها قد يجعلها مألوفة وغير مستهجنة؛ وهو ما قد يوقع المسلم في أمرين أحلاهما مر كما يقال: فهو إما أن يكون قد أحل ما حرم الله عياذا بالله إن كان يرى أنها مباحة لا شيء فيها؛ وإما أنه يصر على مشاهدتها رغم علمه بحرمة ذلك؛ وهو ما يعني أنه مصر على الذنب الذي يجعل من الصغيرة كبيرة كما هو معلوم.
فالنتقي الله فيما نرسله للآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ولنتقي الله أكثر في مشاهدة ما قد يُرسل إلينا؛ فإن استسهال المعاصي قد يورد المسلم المهالك عياذا بالله.
♦ د. عامر الهوشان
- التصنيف:
- المصدر: