طفلك وأسئلته المحرجة (1)
الطفل وصف لها بأدق التفاصيل ما الذي يحدث بين الرجل وامرأته وقت العَلاقة، وجاءت تسأل: ما العمل؟ وكيف تصلح براءته التي شعرت أنها قد سُرقت منه؟!
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على النبيِّ الأمين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بكلمات حزينة أخبرتْني أن ابنها ذا السبع السنوات قال لها: إن صديقًا له تحدَّث معه عن (الزواج)، وعندما حاولَتْ معرفة ما قاله له بالتحديد، كانت صدمتها؛ فالطفل وصف لها بأدق التفاصيل ما الذي يحدث بين الرجل وامرأته وقت العَلاقة، وجاءت تسأل: ما العمل؟ وكيف تصلح براءته التي شعرت أنها قد سُرقت منه؟!
لم تكن هي الأولى، ولن تكون الأخيرة. ففي نفس المجلس أخبرَتْنا إحدى الأمهات أنها وهي صغيرة قد تعرَّضت لهذا الأمر من إحدى صديقاتها. وثانية قالت: إن ابنًا لصديقة أمِّها أخبرها هي وأخاها عن تفاصيل العلاقة بين الزوجين، وهي في الثامنة من عمرها.
وأخرى ذكرت موقفًا حدث مع ابنتها التي تبلغ من العمر 6 سنوات، عندما سألت عن كيفية خروجها إلى الدنيا، فأجابتها بأنها خرجت عن طريق عملية بالبطن، وفوجئت بابنتها ترد: لا، هذا غير صحيح، فالأطفال يولدون بطريقة أخرى، وذكرت ما تعرفه عن طريقة الولادة، وأضافت أنها علمت بكل هذه التفاصيل من صديقة تكبرها سنًّا.
وبغضِّ النظر عن كيفية التصرف في تلك المواقف، إلا أن هذا الأمر قد لفت نظري لأمر مهم جدًّا، وهو إننا إذا لم نسبق الآخرين بخطوة، ونحصِّن أبناءنا بالمعلومات الصحيحة الموثوقة، وبالطريقة اللائقة، فهم سيقعون فريسة لمثل هذه النماذج من الأصدقاء، وحتى إذا لم تصل لهم تلك المعلومات من أصدقائهم، فربما يبحثون عنها في عالم الإنترنت المترامي الأطراف، وهو الأمر الذي أصبح سهلًا ومتاحًا في ظل التقدم الهائل في التكنولوجيا حاليًّا.
الكثيرات يُحجِمن عن التحدث في تلك الأمور مع أبنائهن؛ إما بحجة أنهم ما زالوا صغارًا، وأحيانًا أخرى بحجة الخجل من التحدث في تلك الأمور، وهذا ثبت خطؤه حاليًّا، فإذا لم تكوني أنت مصدر معلومات أبنائك، تأكَّدي أنه سيجد مصدرًا غيرك بسهولة، بل لا أبالغ إذا قلت: إن هذه المعلومات ستأتي إليه رغمًا عنه وعنك، ولكن حينها لن يكون بدقة معلوماتك وصحتها وأسلوبها الراقي.
وما دمنا لن نستطيع أن نحمي أبناءنا من تلك النماذج من الأصدقاء أو حتى من الإنترنت، فعلى الأقل يمكننا حمايتهم عن طريق الإجابة عن أسئلتهم، والتحدث معهم، وإفهامهم بطريقة تلائم سنَّهم، بحديث يشبع فضولهم، فلا يُلقُون آذانهم لأصدقائهم.
لماذا يسأل الطفل؟
عادةً ما تتضايق الأمهاتُ من أسئلة الأطفال الكثيرة، وتبدأ في التذمر والشكوى من ثرثرة الأبناء، وأحيانًا ترغم الطفل على التوقف عن سؤالها؛ بإهمال هذه الأسئلة وعدم الرد عليها، أو السخرية منها والاستهانة بها، ولا تعلم أن أسئلة الطفل وفضوله الشديد هو دليل واضح على نموِّه النفسي والعقلي، ورغبته في التعرف على العالم من حوله، واستكشاف كل ما هو غامض ومستور عنه، وخاصة تلك المواضيع الخاصة بالبلوغ أو الشهوة أو الجنس الآخر أو الزواج، وهو عندما يسأل يسعى للمعرفة بدافع التعلم، وليس للتسلية أو للفراغ، وأحيانًا ما تكون تلك الأسئلة سببها تطور مهاراته اللُّغوية، فيبدأ باستعمال هذه المهارات على هيئة أسئلة.
أسئلة طفلك، كيف تردين عليها؟
كثيرة هي الأسئلة التي يفاجئنا بها أبناؤنا منذ أن يتموا عامهم الثاني، وغالبًا ما نعرف إجابة الأسئلة، ولكننا نتحير في كيفية توصيل هذه المعلومة لهم، بحيث تُناسب سنَّهم ويستطيعون استيعابها بدون زيادة أو نقصان.
وحتى تردِّي على أسئلة طفلك بطريقة صحيحة ومنهجية، لا بد وأن تتبعي عدة إرشادات مهمة في الرد على أسئلتهم.
إرشادات مهمة في الرد على أسئلة طفلك المحرجة:
• لا يسأل الطفل إلا إذا كان مستعدًّا لسماع الإجابة، فلا تبادري طفلك بتلك المعلومات إلا إذا قام هو بالسؤال، أما فيما يخص مرحلة البلوغ، فهنا يستحسن للأم أن تبادر أبناءها لتوعيتهم وتهيئتهم حتى ولو لم يسألوا هم.
• لا تسْخري من أي سؤال من أبنائك، ضعي في الاعتبار أنه لا وجود لأسئلة غبية، ولا بأس أن تعترفي بعدم معرفتك الإجابة عن سؤال ما، وبهذه الطريقة يتعلم الطفل أن الجهل هو أساس اكتساب المعرفة.
• تعاملي مع الأسئلة ببساطة، واعلمي أن طفلك يسأل ليتعلم وليس ليحرجك، فلا تواجهي طفلك بعاصفة من الاتهامات، كيف وممن سمع هذا السؤال! وليكن همك هو معرفة قدر المعلومات التي عنده؛ حتى تستطيعي أن تصححي معلوماته وتضعيها في إطارها الصحيح.
• إذا سألك الطفل أسئلة محرجة، لا تغيِّري الموضوع كما يفعل كثير من الآباء والأمهات، بل انتهزي الفرصة لمناقشة الأمر وتوضيح كل المعلومات الخاطئة التي يحملها طفلك، وانقلي إليه قِيمك.
• قبل أن تردي على طفلك، اعرِفي أبعاد سؤاله أولًا، وتوقعه للإجابة، وقولي له: (لماذا تسأل هذا السؤال؟)؛ لأنه ربما يبحث عن إجابة أبسط كثيرًا مما تتوقعينه، وقد قرأت يومًا أن أحد الصغار سأل والده: من أين جئت؟ فقام الأب بالرد على سؤاله بالتفصيل وأجاد في الشرح، وبعد أن انتهى إذا بالطفل يقول له: الأمر معقد، لقد أتى صديقي من مدينة كذا!
• الرد على أسئلة الأطفال يكون بمعلومات صحيحة ودقيقة وواضحة بعيدة عن الغموض، بشكل علمي وشرعي معًا؛ فالشرعي يربطه بالدين ويجعله يعلم أن شرعَنا يتحدث عن كل شيء باختصار ورقي، والعلمي يشرح الأمر باستفاضة شديدة وتفاصيل، ونستفيد منه بتوضيح أكبر للمعلومة.
• مراعاة سن الطفل، فتكون الإجابة والمعلومات التي تتضمنها مناسبةً لعمره، فالإجابة على ابن الثالثة تختلف عن ابن السابعة، وكلاهما يختلف عن ابن العاشرة، وفي السن الصغيرة راعي في أجوبتِك أنها تكون كافية وليست شافية؛ أي: تكون مختصرة، وفي جملتين أو ثلاثة، ما دامت تلك الجُمَل تتضمن المعلومات التي يريدها، وكلما زاد عمرُ الطفل زادت كمية المعلومات الموجودة في الإجابة، وأنت هي مَن تحدد ذلك؛ لمعرفتك بابنك وطريقة تفكيره، وكم المعلومات التي عنده وثقافته، وأيضًا قدرته على الاستيعاب.
• عند الإجابة على أسئلة طفلك، لا تظهري خجلك أو ترددك وقلقك، فهو يصل سريعًا لطفلك، وإنما أجيبي بهدوء وثقة وبدون خجل.
• استخدام الأسماء الصحيحة والحقيقية للأعضاء، والابتعاد عن الأسماء الدارجة التي يستعملها البعض؛ حتى يأخذ الموضوع منحى طبيًّا ثقافيًّا، ولا يشعر الأهل بعدم الراحة أو الإحراج.
• سينفعك كثيرًا أن تشتري بعض الكتب والموسوعات العلمية المصورة والجذابة؛ بحيث يقرؤها الطفل أو يراها، وتساعدك على تقديم المعلومة بشكل موثَّق وجميل.
• بعض الأسئلة من طفلك تكون مهمة وتحتاج لبحث، عندها يمكنك التخلص من الموقف بأن تتبادلي معه الأدوار؛ كأن تقولي: هذا سؤال مهم، برأيك كيف يحدث هذا الأمر؟ ودَعِيه يفكر قليلًا ريثما تذهبين أنت أيضًا للبحث حتى تجدي إجابة صحيحة.
كانت هذه أهم الإرشادات في الرد على أسئلة الأبناء.
وفي المقال الثاني إن شاء الله سنتعرض لبعض تلك الأسئلة وكيفية الرد عليها بطريقة علمية ومناسبة لأعمارهم.
هبة بنت أحمد أبو شوشة
- التصنيف:
- المصدر: