نصيحتي لشباب الثورة المصرية مع التحيَّة

منذ 2011-03-10

إنَّ خير ما يُعترف به في هذا الزمان أنَّ هذه الثورات المباركة كان الشباب وقودها، ومشعل نورها، ومحرك ضمير الشعوب من خلالها، ومُهيِّج الكثير من الوسائل الإعلامية لمتابعة اجتماعاتهم ومظاهراتهم واعتصاماتهم..


إنَّ خير ما يُعترف به في هذا الزمان أنَّ هذه الثورات المباركة كان الشباب وقودها، ومشعل نورها، ومحرك ضمير الشعوب من خلالها، ومُهيِّج الكثير من الوسائل الإعلامية لمتابعة اجتماعاتهم ومظاهراتهم واعتصاماتهم، ولقد كانوا بالفعل مثار اهتمام الجميع، ومحط أنظار الكثيرين من الساسة وأهل العلم والفكر والتربية، وكان لهم قصب السبق في إشعال نوَّار الثورة، وإطلاق تلك الهبَّات الاحتجاجيَّة الجماعية التي تطالب الأنظمة المستبدَّة بالتغيير والإصلاح، بعد عقود من أزمنة التردي والتخلف وأردية العفن السياسي التي غطَّت تلك الأنظمة البائسة ردحاً من الزمن.

ولقد كان الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- مستكشفاً للمستقبل، ومادحاً الشباب المسلم الحر الذي كان يتصدَّى لأهوال الطغاة؛ حيث قال: "وقد راقبنا الثورات التي اشتعلت في أرجاء الشرق ضد الغزاة المغيرين على بلاد الإسلام، فوجدنا جماهير الشباب هم الذين صلوا حرها، وحملوا عبئها، واندفعوا بحماستهم الملتهبة وإقدامهم الرائع يخطّون مصارع الأعداء، ويرسمون لأمتهم صور التضحية والفداء، ولا يزال الشباب من طلاب وعمال وقود الحركات الحرة، وطليعة الثائرين على الفساد والاستبداد، وقبلة المربين والمرشدين" من كتابه : في موكب الدعوة : ص38.


ما المطلوب من الشباب؟
لله درُّ الشباب الذين احتشدوا للمطالبة بحقوق الشعوب المهضومة، والمستلبة أموالها، والتي استخفَّها الطغيان لمدَّة ولكنَّه فشل في ذلك بهمَّة الشباب الذين طوَّحوا بنيان الطغيان بتكبيرات الإيمان.

 

وقفوا على هام الزمـان رجـالاً *** يتوثبـون تـطلعًا ونضالاً
وحي السماء يجيش في أعماقهـم *** ونداؤه من فوقهم يتعالـى
باعوا النفوس لربهم واستمسكـوا *** بكتابه واستقبلوا الأهـوالا
في وقدة الصحـراء في فلواتهـا *** حملوا تكاليف الجهاد ثقالاً
تُشوى على رمضائهـا أجسامهم *** لكنهـم لا يعرفون محالاً


على إخواني من الشباب المسلم في تلك الربوع الطاهرة عدَّة مُهمَّات، لتكون مساعدة لنجاح ثوراتهم من قبيل المتمِّمات لها والمُكَمِّلات لنجاحها، ومن ذلك:

1) إنَّ عليهم أن يدركوا أنَّ الفضل كل الفضل لنجاح ثوراتهم العادلة، هو بإذن الله تعالى، فإذا أراد الله شيئاً هيَّاً له الأسباب، وأتاح له الوسائل والسبل، كما قال الله تعالى: { ثمَّ جئت على قدر يا موسى }، وإنَّ من شكر النعمة الاعتراف للمنعم بأصلها، فعلى الناس جميعاً والشباب خصوصاً أن يشكروا الله تعالى على ما أولاهم من نعمة زوال الطغيان.

2) الاعتراف بالفضل والجميل لكل من كان مسانداً لهم من كبار السن، والحكماء، وذوي التجارب، وأصحاب العلم والفكر والدعوة والتربية، في انتفاضتهم المباركة، وكان معهم بقلبه وقالبه، بل شاركهم في الميدان حتى زوال الطغيان، وإذا كان الشباب قد بدؤوا في قدح شرارة هذه الثورة وكسروا حاجز الخوف، فإنَّ بقية الشعب كذلك شاركهم برجالهم ونسائهم وقدَّموا التضحيات وأذكوا روح الثورة، ومن المعلوم أنَّ أهل الفضل لا ينسون لأهل الفضل فضلهم عليهم، ولقد شاهد الشباب بعض كبار السن والعجائز وهم يقفون معهم في شدَّة البرد وتحت الأمطار، للمطالبة معهم بحقوقهم العادلة ومطالبهم السامية، فعلى الشباب ألاَّ ينسوا وقفة أولئك معهم.

3) عدم الإعجاب بالنفس ونسبة النصر إلى الأنفس فحسب، والنظر بعجب أو غرور أو كبر للآخرين، باعتبارهم الذين استطاعوا أن يحرّكوا الشعوب، ويزرعوا فيها الأمل في القدرة على إسقاط الأنظمة الطاغوتيَّة، بل لا بد من التواضع ونسيان الذات، فمن تواضع وُقِّر، ومن تكبر احتُقِرَ، ولا ننسى كيف كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ساعة النصر مطأطئ الرأس حتى إنَّ رأسه يكاد أن يصيب مورك رحله؛ خشوعاً وتواضعاً لله تبارك وتعالى.

4) ضرورة الاستفادة والإفادة والاستشارة لكل مكونات الشعب في تحقيق مزيد من نجاحات الثورة، وعدم الاستغناء إطلاقاً عن مشورة أهل العلم الربانيين، والحكماء المفكرين، والساسة المؤتمنين على دينهم ووطنهم، مع الاعتناء بخبرة أهل التجارب، فالتجربة فيها موعظة، والتجربة مرآة العقول كما يقال، فمن الضرورة بمكان توثيق صلة الشباب بهم فالعقول ينقّح بعضها بعضاً، ونعم المؤازرة المشاورة، وما أجمل الجمع بين حماسة الشباب وحكمة الشيوخ، والحذر من التسرع أو العجلة؛ ففي العجلة الندامة، والعجلة فرصة للعجزة، والأناة من الله، والعجلة من الشيطان.

5) الحذر من الفرقة والاختلاف والأَثَرَة بالرأي؛ فإنَّ هذا من الاستبداد المنهي عنه، بل الأخذ بمبدأ التشاور، وتلاقح الأفكار، وتقريب وجهات النظر، والحذر الحذر من التنازع الذي سيكون مآله المنافرة والخصومات وضغائن الأنفس واختلاف القلوب.

6) إنَّ من جميل ما رأته الشعوب -مسلمة وغير مسلمة- ذلك البعد الحضاري لدى الشباب الذي يقوم بتنظيف أماكن الجلوس، وتحسين الشوارع والسكك العامَّة، وتهيئة الجو العام لاستكمال المظاهرات والاعتصامات، والقيام بلجان شعبيَّة لحماية البيوت الآهلة بسكانها من بطش البلطجيَّة وإرهابهم وترويعهم، والتصدي لهم، وهذا يعطينا دلالة أنَّ الشباب يمتلكون بعداً حضارياً، واهتماماً بالبيئة، فما أجمل مواصلة ذلك، بقيام مجموعات شبابيَّة طوعية تأخذ على نفسها خدمة البلد والاهتمام به في كثير من الأوقات.

7) أن يكون لكل شاب من الشباب بعد هذه الثورات طموح وهدف لإنجاز عمل يخدم به دينه ووطنه وأمَّته، ويبني به دولته التي أكلها الفساد والجشع والطمع، ولم ينتبه كثيراً لجوانب إصلاحية فيها من قبل، سواء أكانت إصلاحات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو إعلامية وغيرها من الإصلاحات المهمة، فأمجاد الثورة والتغيير لا تكتمل إلاَّ بالإصلاح الميداني، وهذا ما يستلزم من الشباب، المواصلة في دراساتهم الجامعيَّة، والبحث الجاد عن وظائف أو أعمال حرَّة يقومون بها لاستكمال مسيرة الإنتاج وخدمة البلاد، وأن يكون لكل واحد منهم إنجازه الخاص به والذي يحتفل به يومياً بعد استكمال شيء منه.

8) يقال من صحَّت بدايته صحَّت نهايته، ومن صدقت لهجته ظهرت محبَّته، فجميل أن يكون الشباب صاحب بداية في الثورة، وصاحب عزيمة ومواصلة لها، فليست القضية ثورة وتغيير فحسب، وليس الأمر كامناً في تحريك الشعوب فقط، أو الوقوف لأيام أو أسابيع للمطالبة بالحقوق ثمَّ الركون والسكون والتواني، فهذا ما قد يراهن عليه الأعداء وخصوصاً من الشباب الذي لربما يتحمَّس في البداية ويفتر في النهاية، بل لا بدَّ من المواصلة في درب الإباء والثبات والعظمة حتَّى ينال المرء حريَّته، كما قال الشاعر الفرنسي (موسيه) : (لا شيء يجعلك عظيماً غير ألم عظيم)، وأعظم منه قوله تبارك وتعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً }، وإنَّ من أجلَّ الأهداف التي يجب أن يتكون في مخيلة الشباب ولو إلى وقت قادم أن تكون هنالك مطالبات حقوقيَّة لأن يسود حكم الله في الأرض، فجميع البلاد التي حصلت فيها تلك الثورات مسلمون، ولا يحق أن يحكمهم إلاَّ هذا الدين، فعلام الخجل من ذلك وأهل تلك البلاد يدينون بدين الإسلام؟!

صحيح أنَّه يجب الدراسة الشرعيَّة لوقت مطالبة التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية، وسياسة الدنيا بالدين، وتقدير ذلك في حدود الممكن والمتاح والمستطاع عليه، فإنَّ معرفة ذلك راجع لفقه السياسة الشرعيَّة، ولأهله الذين تخصًّصوا فيه وبرعوا، وليس مرجعه لآحاد الناس أو لمنتسبين للعلم ليس لديهم من العلم بالشرع والواقع كبير علم وفقه وفهم، فالمهم دراسة الواقع بشكل عميق، إذ المعرفة بالظروف الدوليَّة المحيطة ومآرب الساسة الغربيين ودسائسهم وكراهيتهم لقيام الدولة التي تطبق شرع الله مِمَّا هو معروف، ومن كان تحت هذه الضغوطات فإنَّ وضعه لا يُحسد عليه، وعموماً فأهل مكَّة أدرى بشعابها وصاحب البيت أدرى بما فيه، فإن رأى أهل العلم الربانيون وأهل الفضل والخير أنَّ فرصة المطالبة بتطبيق الشريعة قد لاحت، وساعتها قد آنت، ووقته قد حان فما المانع من إعلان ذلك إن كان ذلك كذلك؟!!

9) أن يحذر الشباب شدّة الحذر من مكر الطواغيت، واستدرار عواطفهم ببعض العبارات والوعود الكاذبة، والحذر من أن يلتف على هذه الثورات من ليس من أهلها الصادقين المؤمنين برب العالمين، أو أن يسرقوها أو يركبوا موجتها لغاية في أنفسهم، أو يتلونوا ويتحولوا لغاية في أنفسهم، ثمَّ ينقلبوا على البلد مرَّة أخرى، ويعيثوا في الأرض فساداً، أو أن يشقوا صفها ويحدثوا الاختلافات الكبيرة بين الشباب من أجهزة تتقصَّد ذلك وتتغيَّاه، فعلى الشباب أن ينتبهوا لهذه الجوانب وأن يواصلوا مسيرتهم لإسقاط فلول النظام السابق وأزلامه، ولا يرضوا بأي وجه كان بارزاً في إعانة الظالم، فالمؤمن كيِّس فُطِنٌ، وقناعتي أنَّه لا بدَّ من جلسات الوعي السياسي، واستبانة سبيل المجرمين وطرائق حرفهم لمسيرة الثورات والتغيرات إلى حيث الرجوع لمراحل سيئة أو للمربع الأول، وإدراك مآرب من يحتالون على الثورة بألاعيبهم وكيدهم ودجلهم، فيجب أن يعرفوا أنَّه لا مجال للكذب والدجل بعد هذه الثورات، وأنَّ الشباب مستعد للنزول للشارع مرة أخرى إن لم يوفِّ من امتلكوا ناصية البلاد عهودهم ومواثيقهم ووعودهم.

10) اعتراف الشباب بالفضل والجميل لجميع الحركات والجماعات والتيارات الإسلاميَّة، الذين خاضوا مع هذه الأنظمة الكثير من الصعوبات والبلاءات، وجنت عليهم هذه الأنظمة بجبروتها، وقتل بعض أنصارها، وتشريدهم وتفريقهم بدداً، وسجن الكثيرين منهم وما يزال كثير منهم في السجون، وإيذاء بعضهم بالمنع من السفر، ووضع بعضهم رهن الإقامة الجبريَّة، ومحاربة الكثيرين منهم، فكل أولئك خاضوا معارك مع الطغيان لعشرات السنين، وكانت لها نتائجها في ربط الناس بالإسلام، ونشر التدين، وانتشار اليقظة الإسلاميَّة، فلا بد أن يتذكر فضلهم وألاَّ يُنسى جهدهم وجهادهم المدني، بل من الجميل أن يعتبر أولئك الشباب المسلم الثائر على الظلم والطغيان ما قاموا به هدية وجائزة لما قامت به تلك التوجهات الإسلاميَّة بشتَّى ألوانها وتتويجاً لهم بالنصر، وإني لأجزم أنَّ كثيراً من أولئك الشباب الثائر على الطغاة قد تأثروا من خطبة عالم رباني لا يخاف في الله لومة لائم، وحديث مفكر يتحدث عن الطغيان والاستبداد، وهموم مجتمع المثقفين وهم ينادون بالحرية والعدالة والكرامة، فكلَّ هذا كان مختزناً في العقل الباطن لدى أولئك الشباب الحي الحر الأبي، وعلى كلٍّ فمعرفة الشباب لأهل الفضل فضلهم أمرٌ جميل وخلق نبيل، سواء أكانوا إسلاميين أو وطنيين أحرار شرفاء.

11) أن يحذر الشباب من المحاولات الغربية الرسمية الرامية إلى مديح فعالهم، ومحاولة كسبهم، والتحدث بلهجتهم من قبيل الثورة على الظلم، وضرورة نشر الحريات والاعتناء بحقوق الشعوب، فما تلك إلاَّ من ضمن محاولاتهم البائسة للتأثير على الشعوب وغالبيتهم من الشباب اليافع، لتحسين صورة الحكومات الغربية عمومًا والأمريكية خصوصًا.

12) هذه الثورات المباركة لا تقل خطراً على أعداء الدين من الجهاد في سبيل الله، ولقد رأيناهم يراقبونها عن كثب، ويتابعونها وبمرارة حينما يرون أزلامهم يسقطون على أيدي عموم الشعب المسلم، فإنَّ هذه الثورات المباركة تعطينا دلالة على أنَّ الأمَّة المسلمة لم تمت، وأنَّ فيها ماء الحياة، وأنَّها قد تُجرح وقد تتألَّم، ولكنَّها إن وثبت وثبة فإنَّها تأكل الأخضر واليابس، وكم كنت أتخيل منظر اليهود الصهاينة وقادتهم المحتلين لفلسطين، وهم يرون شباب الإسلام ورجالهم ونساءهم في ميدان التحرير وقد كانوا قرابة ثلاثة ملايين نسمة، وهم يصلون الجمعة ويقولون جميعاً (الله أكبر)، فإني وربي كنت أتخيل أولئك القادة الصهانية وهم يتلجلجون في أماكنهم وترتعد فرائصهم وتصطك رُكَبهم خوفاً وهلعاً من شباب الإسلام الذين ذللوا سبل المعالي وما عرفوا سوى الإسلام ديناً، إنَّ ذلك يعطينا سعادة غامرة أنَّ هناك روحاً جهاديَّة في الأمَّة المسلمة، يستحيل أن تنساها؛ حيث قامت هذه الأمَّة بتطويح الأصنام، وتكسير الأوثان، ومن هنا فإنَّ تربية الشباب على معاني الجهاد في سبيل الله، وأهميَّة الإعداد الكامل له، وذكر قصص المجاهدين، والاعتزاز بها، وتحديث النفس بالغزو، كلّ هذه الأمور ملحّ طرقها في زمن الصراع الديني والحضاري، وإنَّ من صفات هذه الأمَّة أنَّ راية الجهاد قائمة فوق سنامها، وأنَّه ماضٍ إلى قيام الساعة، وأنَّ من صفات الطائفة المنصورة مواصلة المقاومة للكفرة المحتليَّن، وجهاد أعداء الدين، ولو كره الكافرون.

13) جدير بأولئك الشباب المسلم الذين حطَّموا الطاغوت في بلادهم أن يكون لديهم ارتباط وثيق بالإيمان بالله عبادة والتزاماً وأداء للشعائر، وقياماً بالواجبات الدينيَّة؛ فإنَّ غاية الله من خلقه هي أن يكونوا أحراراً لا يعبدون إلاَّ الله، ولا يتحاكمون إلاَّ إليه، ولقد امتدح الله تعالى شباب الكهف، فقال عنهم : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى . وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } [سورة الكهف].

فهؤلاء هم الشباب الذين يرضى الله عنهم ويرضى عنهم الناس؛ إذ إنَّهم كانوا في خط المواجهة مع العدو الطاغوتي، وهم كذلك لا يلجؤون إلاَّ إلى الله تعالى في أزماتهم ووقت رخائهم، ونتذكر قوله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح المتفق عليه: « وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ»، فما أجمل الشباب أن يعيشوا حياتهم في طاعة الله تعالى وعبادته بتحقيق الشعائر الدينية، وإعمار الأرض بحضارة الإيمان، وحمل الأمانة التي كلَّفهم الله إيَّاها، وخدمة العباد والبلاد، والحذر من أهل الفسق والفجور والعصيان، وفي الحقيقة لقد رأيت من شباب ميدان التحرير في القاهرة معايير جميلة حينما قاموا بطرد أحد دعاة الفسق والمجون والحب والغرام الزائف، حينما هاجمهم وكان يتحدث وكأنه بوق للنظام، فحينما شعر بأنَّ الموجة بدأت تسير لصالح المتظاهرين في ميدان التحرير نزل إليهم لكي يركب الموجة، فما كان منهم إلاَّ أن طردوه شرّ طردة، فليس هو ولا أمثاله من الراقصين على جراح أمَّتنا يستحقون الاحتفال بالنصر، أو يقفون لكي يخطبوا في الناس خطباً ضدَّ الطغيان والاستبداد.

14) إنَّني على قناعة أنَّ ما وقع من أحداث في تلك البلدان ليس إلاَّ مفتاح البداية، وأعتقد أنَّ مآلاتها ستكون فتحاً عظيماً على جميع الأمَّة الإسلامية، وقد يأتي من خلالها ابتلاءات، ولكنَّ من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، ومن ركب الأهوال نال الآمال، ولن تدرك الراحة إلاَّ بترك الراحة، والنعيم لا يُدرك بالنعيم، ومن يطلب الحسناء لم يغلها المهر، ومن لم يُعانِ لم يدرك المعاني، وعلى الشباب أن يدرك أنَّ المسلم لا يتوانى ولا يكل ولا يعجز، بل يمتثل قوله تعالى: {ادخلوا عليهم الباب }، ويوقن بعدها بالغلبة كما قال تعالى: { فإذا دخلتموه فإنكم غالبون }، ولهذا فإنَّه يقتحم ويبادر ولا ينتظر الأوامر إلاَّ من عند الله -عزَّ وجل-، ويرى أنَّ هذه العوائق والعقبات التي تعترضه في طريقه أمر لا بدَّ منه، ولا مفر عنه، فيزمُّ نفسه بالعمل ويبذل الجهد والطاقة لينال رضا الرحمن، ومن ثمَّ رضا الذات، فيكون الشاب عصامياً، واثقاً من ربه، ملتزماً بالمنهج الإسلامي الذي يسير عليه، معتمداً على نفسه ومستعيناً برأي إخوانه، فيكون الشاب المسلم من صِغَره داعية إصلاح ومعلم تغيير، ومن أولئك الغرباء الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « فطوبى للغرباء الذين يُصلِحُون ما أفسد الناس، أو الذين يَصْلُحون إذا فسد الناس »، فهذه المعاني هي التي تتّقد في قلوب الشباب فتدفعهم للبذل في الدين وممارسة الدعوة إلى الله على بصيرة.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.


بقلم : خباب مروان الحمد
باحث وداعية فلسطيني، رئيس تحرير المركز العربي للدراسات والأبحاث.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام