سفول وتدنى عن بعض أحوال أهل الجاهلية

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلة وصحبه ومن والاه

أما بعد:

يحكى أن أبا جهل لطم أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما فقال لها اكتمي عنى لئلا تتحدث العرب أنى أضرب النساء.

رجل كافر دفعته الحمية الجاهلية إلى ضرب مسلمة، فيرى ذلك معيبا تنتقص به رجولته ومكانته، فيطلب من اسماء الستر والتكتم لهذا التهور الذي بدر منه والذي يتنافى مع حسن الأحدوثة، 

فكيف لو رأى أبو جهل قبحه الله ما يحدث مع المسلمين في سوريا ومصر والعراق. من انتهاك أعراض وبقر للبطون وقتل وتشريد. بكل وحشية وبلا شيء من الآدمية، ويحدث ذلك مع الرجال والنساء والكبار والصغار، ويتم ذلك على أيدي بعض المنسوبين للإسلام وكنا نتصور أن ذلك لا يفعله إلا يهودي أو نصراني كما حدث من الصرب مع أهل البوسنة وكما تم في محاكم التفتيش {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 10]

لا تصدر هذه الأفاعيل التي نسمع عنها في هذه الآونة إلا ممن انطمست فطرته وغاب عقله وختم الله على قلبه وجعل على سمعه وبصره غشاوة فتبدلت الموازين والمقاييس عنده، فغدا كالحيوان الشرس لا يرعى لله حرمة، أفعال ينأ أبو جهل بنفسه عنها رغم كفره وعداوته للإسلام وأهله. بقية من شهامة ونخوة ومروءة، غابت هذه المعاني رغم ادعاء الإسلام، فلا خوف من الله ولا حياء من المخلوقين وفى الحديث «إذا لَم تَسْتَحِ ، فاصنعْ ما شئتَ». (صحيح الجامع : 2)

واهم من يظن أن أهل الجاهلية كانوا شرا محضا من جميع الوجوه، نعم كانوا يعبدون الأصنام والأوثان ويكفرون بخالق الأرض والسماء، وتثور بينهم الحروب لأتفه الأسباب، والبغايا كان لهن رايات، كان عندهم حكم الجاهلية وتبرج الجاهلية وحميتها وظنها، وفى الوقت ذاته كان عندهم كرم ونخوة ومروءة وشجاعة.

والحق مقبول من كل من جاء به، والباطل مردود على صاحبه كائنا من كان، ياليت هذه الأخلاق الفاضلة كالشجاعة والكرم والتي حث عليها الإسلام اقترنت عند أهل الجاهلية بدين وإيمان حتى تكون مقبولة عند الله، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

نعلم هذا ونعلم أيضا أن المسلم أولى بكل خير، وقديما قالوا الشيطان فقيه في الشر ومن فقهه في الشر أن يرضى الإنسان ببعض أفعال البر وقد دل أبا هريرة على قراءة آية الكرسي، ونعلم أيضا أن الكافر أولى بكل شر، وأن الإسلام دين الكمالات والجمالات ومنبع الخيرات، فنحن لا نحتاج لأن نستورد الأخلاق الفاضلة من هنا أو هناك ولا أن ننظر إلى فعل أبى جهل وغيره، يكفى أن نراجع ما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا وخصوصا ونحن نزعم أن إسلامنا أفضل من غيرنا {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . [الأنبياء: 108]

رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا.

ما أبعد الهوة بيننا وبين إسلامنا، بل لقد صرنا حربا على الإسلام وأهله، ونكايتنا في الدين لا تقل عن نكاية اليهود والنصارى والملاحدة، أي أن الإسلام حورب بيد ابنائه بعد ما كان يحارب بيد اعدائه، وفى أحسن الأحوال نقول: الجهل مصيبة وما عصى الله بمعصية أعظم من الجهل بالدين.

ركبت السفينة مرة وأنا عائد من رحلة العمرة، وإذا بالأمواج تتلاعب بالسفينة، وأخذ الناس يتساقطون على ظهرها بسبب تمايلها وإذا بالبعض يقول مدد يا سيدى فلان أغثنا يا سيدى فلان، فقلت في نفسي هذه المصيبة الأشد فالمشركون كانوا إذا ركبوا في الفلك وخافوا الغرق دعوا الله مخلصين له الدين وألقوا بأصنامهم في البحر، واليوم بعض المسلمين إذا حدث لهم مثل ذلك دعوا المقبورين واستغاثوا بهم من دون الله.

حال بائس جدا، وغربة شديدة وجهالة فاضحة، ولذلك فالدعوة متأكدة حتى نرد الناس إلى دين الله ردا جميلا ـ وحتى لا يحدث هذا الافتراق وهذه الهوة بين الإسلام كدين وبين حال المسلمين كواقع.

إن الشيطان فقيه في الشر، ومن فقهه في الشر أن يرضى الإنسان ببعض صور البر، فقد أوقع أهل الجاهلية في الكفر والشرك ـ وأرضاهم بخصال تحلوا بها كالشجاعة والكرم والمروءة وقد تجد الرجل يصلى ويقرأ في المصحف وهو الذى يقتل وينتهك الأعراض ويفعل ما يفعله أهل الجاهلية من ظن وحمية وعصبية وحكم.. ويتذرع بأنه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأن إسلامه هو الإسلام!.

كان الإمام أحمد رحمه الله يقول من لم يردعه ذكر الموت والقبور والآخرة فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع، ونحن نقول من لم يتعلم من الكتاب والسنة فليتعلم من أبى جهل وليستحيي من سحل النساء وضربهن وانتهاك أعراضهن.

الله الله في النساء اتقوا الله في النساء، لقد كانت الكتابية من أهل الشام تأمن على نفسها مع صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منها مع أبيها 

أين الإيمان وأين المروءة *** فلا حياة بلا فضيلة

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.