ما قاله الإمام الشافعي عن الإمام أحمد ابن حنبل

منذ 2017-04-13

أخواننا الكرام، الدعوة إلى الله دعوتان؛ دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله من خصائصها؛ الاتباع، وإنكار الذات...

1- عن ورعه:
قال حرملة، سمعت الشافعي، يقول:
((خرجت من بغداد، وما خلفت بها أفقه، ولا أزهد، ولا أورع، ولا أعلم من أحمد بن حنبل))


شيء في هذه المقولة يلفت النظر، يا ترى، هل دعاتنا يعرف بعضهم قدر بعض، أم يطعن بعضهم ببعض؟ هل هناك إنصاف؟ هل عندك الجرأة الأدبية أن تقول: فلان إنسان جيد، إنسان عالم، إنسان ورع، وأنت عالم مثله، أم توجد عداوة؟ إن لم ننصف بعضنا، إن لم نعرف قدر بعضنا، نسقط جميعاً من عين الله.

2- ما قاله المزني عن أحمد نقلاً عن الشافعي:
وقال المزني: قال لي الشافعي:
((رأيت ببغداد شاباً إذا قال: حدثنا، قال الناس: صدق، قلت: ومن هو؟ قال: أحمد بن حنبل))


أخواننا الكرام، الدعوة إلى الله دعوتان؛ دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله من خصائصها؛ الاتباع، وإنكار الذات، والتعاون، والاعتراف بالفضل، والدعوة إلى الذات المغلفة بالدعوة إلى الله من خصائصها؛ الابتداع، والتنافس، وإنكار الفضل، والطعن في الآخرين، فقبل أن تدعو إلى الله، يجب أن تتأكد ما إن كنت حقيقةً تدعو إلى الله، أم تدعو إلى ذاتك، وأنت لا تدري.



3- ما وصفه الشافعي:
قال الزعفراني: قال لي الشافعي: ((ما رأيت أعقل من أحمد))
بالمناسبة الإنسان لا يزيد عن أن يكون عقلاً يدرك، وقلباً يحب، والنبي عليه الصلاة والسلام بحكمةٍ بالغة، ربط العقل بالقلب، فقال: ((أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً))


ذات مرة ضربتُ مثلاً: لو وضعنا على طاولة قطعة الألماس، ثمنها ثمانية ملايين ليرة، هي بحجم حبة البندق، وكأس كريستال ثمنه ألف ليرة، وقلنا لك: اختَرْ، ألا أستطيع أن أكتشف عقلك من اختيارك؟


إذا كان عقلك أرجح، اخترت قطعة الألماس، ثمنها ثمانية ملايين، فعن أبي قتادة: ((أتمكم عقلا، أشدكم لله خوفا، وأحسنكم فيما أمركم به، ونهى عنه نظرا، وإن كان أقلكم تطوعا))


فإذا رأيت إنسانًا كل همه طاعة الله، كل همه التقرب إليه، كل همه موالاة أحبابه، معاداة أعدائه، كل عطائه لله، كل منعه لله، كل وقته لله، لا يرضى إلا إذا رضي الله، هذا الإنسان إذا قلت له: ما أعقلك! ففعلاً ليس هناك من هو أعقل منه.


يروى أن أبا سفيان لما فتح النبي مكة المكرمة، قال: ((يا محمد، ما أعقلك، وما أرحمك، وما أوصلك، وما أحكمك!))


لذلك لا يمكن أن يسمَّى العاصي عاقلاً، ولو كان يحمل شهادة بورد، أبداً، لا يمكن أن يسمى العاصي عاقلاً، لكن يسمى ذكياً في اختصاصه، في الاحتيال، في كسب المال، في الإيقاع بين الآخرين، هو ذكي جداً، ذكاء شيطاني، أمّا أن يسمى عاقلاً، فلا، إنما الدين هو العقل، وَمَن لا عقل له لا دين له، لمجرد أن تعصي الله، فأنت مدموغ بالغباء والكفر، لقول الإمام الغزالي:


((يا نفس، لو أن طبيباً منعكِ من أكلة تحبينها، لا شك أنكِ تمتنعين- مثل واقعي؛ رجل معه ضغط شرياني، يقول له الطبيب: اترك اللحم، يقول: حاضر طبيب-، يا نفس، أيكون الطبيب أصدق عندكِ من الله؟ -يقول له الطبيب: اترك الملح، فلا يذوق الملح شهرين، بع بيتك، يعرضه للبيع مباشرة- يا نفس، أيكون الطبيب أصدق عندكِ من الله؟ إذاً: ما أكفركِ!! أيكون وعيد الطبيب -يقول له الطبيب: يصبح معك جلطة انتبه- أشد عندك من وعيد الله جهنم؟ -إذًا: الجلطة أشد وأخوف عندك من جهنم-، قال: إذاً: ما أجهلكِ!))

 



4- الخصال التي كانت في الإمام أحمد:
وعن الشافعي قال: ((أحمد إمام في ثماني خصال؛ إمام في الحديث، إمام بالفقه، إمام في القرآن، إمام في اللغة، إمام في السنة، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في الفقر))


أما عند الفقر، فهناك تعليق جيد، يقول التجار: إذا لم تملك مكتبًا فخمًا، وسيارة غالية، فلا تستطيع أن تعمل، ولا بد لك من سمعة كبيرة، وهذه أثرها خاص بالتجارة، هذه الكلمات تشير إلى مظهر الغني، مكتب فخم، ومركبة فخمة، ومظاهر فخمة، فترى الناس يشترون، ويوكلونك وكالات، ويثقون بك، أما عند العلماء فبالعكس، كلما كان العالم أكثر زهداً، ارتفع عند الله، لأنه إذا انغمس في الرفاهية، لم يصدقه الناس، ولو ادعى الورع والزهد.


«يا محمد، أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً؟ قال: بل نبياً عبداً، أجوع يوماً فأذكره، وأشبع يوماً فأشكره»
فإذا رأيت عالمًا حياته خشنة، ووسط، فهذا وسام شرف له، لأنه الورع حسن، لكن في العلماء أحسن، والسخاء حسن، لكن في الأغنياء أحسن، والتوبة حسنةٌ، لكنها في الشباب أحسن، والحياء حسن، لكن في النساء أحسن، والصبر حسن لكن في الفقراء أحسن، والعدل حسن لكن في الأمراء أحسن.


ورد عن النبي أنه قال: «الفقر فخري، والزهد حرفتي، واليقين قوتي، والعلم سلاحي، والمعرفة رأس مالي، والرضى غنيمتي، وذكر الله أنيسي» [ورد في الأثر]
 



مناسبة هذا القول لمضمون الفقرة:
قال بعض العلماء: ((لو أحمد بن حنبل لم يبذل نفسه لِما بذلها له، لذهب الإسلام))
وهناك أمرٌ خطير وقع في عصر الإمام أحمد بن حنبل، فقد شاعت بدعة لا أصل لها، وهي أن القرآن مخلوق، وقد اعتنق هذه البدعة الخليفة، وأي عالم لا يقر أمام الناس بهذه البدعة، يُقتل، ويسجن، ويعذب، وأكثر علماء زمانه قالوا: القرآن، والإنجيل، والتوراة، والزبور، كلها مخلوقة، كما تريدون، والقائلُ منهم يقصد أصابعه عندما يَعُدُّ هذه الكتب، ومَن قال كذلك سلِم من العذاب، إلا الإمام أحمد بن حنبل، فقدْ رفض أن يقر بهذه البدعة، فدخل السجن، وضرب، وعذب سنوات عدة، إلى أن أكرمه الله، وأظهر الحق على يديه.

قال بعض العلماء: ((لو أحمد بن حنبل لم يبذل نفسه لِما بذلها له، لذهب الإسلام))
لذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى، رأى طفلاً صغيرًا أمامه حفرة، كاد أن يقع فيها، فقال له:
((إياك يا غلام أن تقع، فقال: بل إياك أنت يا إمام أن تقع، إني إن وقعتُ وقعتُ وحدي، ولكن إنك إنْ سقطتَ، سقطَ العالَمُ معك))


أحيانًا تكون الأنظار معقودة بعالم يسقط، فيسقط الناس معه، يخيب ظنهم، أحياناً تُعلِّق الآمال على عالم، فإذا تكلم بخلاف قناعته سقط، لذلك قال تعالى:


{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [ سورة الأحزاب الآية: 39]


لماذا ضَنَّ الله عز وجل على هؤلاء الدعاة بالصفات الكثيرة؟ أليسوا صادقين؟ ألم يذكر أنهم صادقون؟ ألا يصلُّون؟ ألا يصومون؟ أليسوا أمناء؟ لماذا ذكر ذلك؟ قال تعالى:


{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [ سورة الأحزاب الآية: 39]
يخشونه فقط، لأنّ هذه الصفة اسمها في البلاغة: صفة مترابطة مع الموصوف ترابطًا وجوديًّا، فإذا ألغينا الصفة، ألغينا الموصوف.


تقول: الطائرة كبيرة، والبيت كبير، صفة عادية، قل: غالية الثمن، واليخت أيضاً غالي الثمن، قل: فخمة، والباخرة فخمة، لكن قل: تطير، فهذه الصفة تنفرد بها الطائرة، فإذا ألغيناها ألغينا الطائرة، الطائرة التي وضعت قرب مسجد الشيخ رسلان، هل تطير؟ هذه مطعم، وليست طائرة، كانت طائرة قبل هذا، ما دامت أنها لا تطير، فإذاً ليست بطائرة، بل هيكل طائرة، وربنا عز وجل لما ذكر الذين يبلغون رسالات الله، ما ذكر من صفاتهم إلا صفة واحدة، هي أنهم يخشون الله، ولا يخشون أحداً إلا الله، فإذا تكلموا بالباطل إرضاءً لمن يخشونه، وسكتوا عن الحق إرضاءً لمن يخشونه، فماذا بقي من دعوتهم؟ انتهت، ليس لنا علاقة باستقامتهم، إنه صائم، ويصلي، صادق، أمين، يهمنا إن سكت عن الحق إرضاءً لمن يخشاه، أو نطق بالباطل إرضاءً له، انتهى أمره، فهذه صفة مترابطة مع الموصوف ترابطًا وجوديًّا، قال تعالى:


{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [ سورة الأحزاب الآية: 39].