(أزمة تسليم لا أزمة فهم) حصة آل الشيخ (نموذجا)

منذ 2017-05-02

من كانت نفسيته المعرفية سوية.. أعني أنها تنظر في "جوهر البرهان" وليس في "شكليات الخطاب" فلن يحتاج إلا لقراءة القرآن بتجرد.. أما من كان يعاني من عاهات في شخصيته الفكرية.. بحيث أنه يقدم وهج الديكور اللغوي على جوهر البرهان.. فهذا النوع المريض من الناس قد يحتاج فعلاً بعض الكتابات الفكرية التي تخدعه ببعض الطلاء التسويقي..

كثيراً ماكنت أسمع عبارة متذمرة يكررها كثير من المفكرين والمثقفين والأدباء الذين اعتزلوا الكتابة، وتحولوا إلى كائنات منعزلة لا تظهر بالقرب من الأضواء.

يقولون: بأن الكتابة الصحفية بعد ما كانت مهنة محترمة صعبة المنال تحولت إلى " مهنة من لا مهنة له " فتحول لاعب البالوت والملاحق البارح أمنياً في قضايا أخلاقية إلى مناضل تنوير وأصبحت أعمدة المقالات هي أقرب إلى "كتالوج طرائف" لا يستطيع القارئ بعد أن ينتهي من قراءة المقالة إلا أن يحمل منديله ويمسح دموعة من شدة الضحك قائلاً " الله يوسع صدرهم " ولا أخفي احترامي الشديد إلى قائمة من الكتاب حرصوا على سلامة التصورات الإسلامية من الانحطاط المعرفي الحاصل في هذه الأيام فضحوا براحة أوقاتهم في سبيل مواصلتهم تأدية الرسالة وإعطاء القارئ المسلم أدق تصور تجاه أبرز القضايا الشائكة استشعاراً منهم بأهمية "الدور المعرفي" الذي يقومون به فمن واجب الوفاء أن نحفظ ذكرهم وأن ندعوا لهم فإلى تلك الرجال يعود الفضل بعد الله في حفظ تصور الشاب المسلم..

 

على أية حال.. طالعتنا صحيفة الوطن اليوم بمقالة للكاتبة حصة محمد آل الشيخ وماهي إلا حالة تؤكد أزمة الانحطاط المعرفي الذي تمر به صحفنا المحلية ولا ينتابك سوى تساؤل في داخل نفسك، يا ترى كيف سمح لمثل هذه الأقلام أن تكتب في مواضيع لم تتصدر لها معرفياً بل تقحم نفسها في قضايا هي من أعمق التخصصات ويفريك العجب بعدما تطالع مقالات الكاتبة السابقة وكيف تتوصل إلى النتائج النقدية القائمة على أهون البراهين.. فوآ عجباه.

 

بضرب عشوائي وبضجيج بالكاد تحدد مصدر صوته ما يؤكد لك ضعف القدرات وعدم تبلور الرؤية قدمت لنا الأخت " وبقفزات بهلوانية " منتج فكري جديد وهو يعتبر بالطبع سابقة تخلفيه للجريدة الحاضنة حيث توصلت الكاتبة إلى التشكيك في سلامة السنة النبوية والاعتماد عليها كمرجع يحتكم إليه عن طريق " المعادلة الذوقية "

 

فإذا لم يرق لك الحديث النبوي وترى انه يخالف ذوقك فقم بالمعادلة التالية:

بما أن الحديث لا يناسب ما أشتهي، إذا يكون الحديث = حديث ضعيف علماً بأن الحديث قد ينتمي إلى صحيح البخاري ومسلم حينها ستجد محدثة (الوطن) (الحافظة حصة) تزكي نقدك وتحكم على الحديث بالضعف.

 

وهكذا نقوم بدراسة السنة حاشا وكلا ونفتح أضخم موسوعة حديثية ونمارس عملية التصحيح والتضعيف وتصبح أقوالك في عداد أقوال أحمد بن حنبل وابن معين وابن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم والبخاري ومسلم والنسائي والترمذي والدار قطني.

 

واليوم قامت المحدثة بعدما خرجت الحديث " ناقصات عقل ودين " إلى التوصل بالحكم على الحديث بالضعف ضمنياً من خلال تطبيق منهاجيتها في تقويم نصوص السنة!

يا لله العجب.. جرأة وتجني على سنة المصطفى صلوات الله عليه..

يا ويلها لو وقفت بين يدي خالقها بأي جواب تدفع جرأتها في تكذيب نقلة هذا الحديث فلا برهان ولا حجة إلا الجرأة والسفه.. فيا ويلها ويا لغرورها.

 

وأخيراً:

ليست القضية والخلاف مع هذه الطغم هو خلاف علمي وإلا لاستطردت في النقاش حول ما جاء في المقالة وإن كان كل ما ورد في المقالة العشوائية اجترار وتكرار لا طروحات المستشرقين أمثال جولد زهير وشاخت ولكني على ثقة بأن الأزمة في حقيقتها ضعف إيمان وهشاشة في التسليم والانقياد.

 

يقول أحد الأساتذة الفضلاء:

لو أفلحنا في إقناع الشاب المسلم بالإقبال على القرآن بالتدبر الصادق المتجرد للبحث عن الحق.. فاعتبروا أن "الدور المعرفي" تقريباً انتهى.. وبقيت مرحلة الإيمان.. فمن كان معه إيمان وخوف من الله فسيحمله على الانقياد والانصياع لله سبحانه.. ومن أرخى لهواه العنان.. فسيتخبط في شُعب النفاق الفكري.. حيث سيبدأ في أن يعلن على الملأ –كما يعلن غيره أنه "يحترم ضوابط الشريعة".. لكنه في دخيلة نفسه يدرك أن كل ما يقوله مخالف للقرآن..!

 

بقي الاستثناء الوحيد هاهنا.. وهو أنني أقول أن من كانت نفسيته المعرفية سوية.. أعني أنها تنظر في "جوهر البرهان" وليس في "شكليات الخطاب" فلن يحتاج إلا لقراءة القرآن بتجرد.. أما من كان يعاني من عاهات في شخصيته الفكرية.. بحيث أنه يقدم وهج الديكور اللغوي على جوهر البرهان.. فهذا النوع المريض من الناس قد يحتاج فعلاً بعض الكتابات الفكرية التي تخدعه ببعض الطلاء التسويقي..

 

كما قال الامام ابن تيمية في حادثة مشابهة في كتابه "الرد على المنطقيين": (وبعض الناس: يكون الطريق كلما كان أدق وأخفى وأكثر مقدمات وأطول كان أنفع له، لأن نفسه اعتادت النظر الطويل في الأمور الدقيقة، فإذا كان الدليل قليل المقدمات، أو كانت جلية، لم تفرح نفسه به..، فإن من الناس من إذا عرف ما يعرفه جمهور الناس وعمومهم، أو ما يمكن غير الأذكياء معرفته، لم يكن عند نفسه قد امتاز عنهم بعلم، فيحب معرفة الأمور الخفية الدقيقة الكثيرة المقدمات).

انتهى كلامه حفظه الله وانتهى المقال.

الكاتب: فيصل الثنيان.