الرأسمالية والوصية بالرحمة

منذ 2011-03-27

ما نراه الآن في بلاد المسلمين من تسلط الأعداء وانتهاك الحرمات، أو المصائب الكونية كالزلازل والفيضانات أو البرد القارص، كل ذلك من جّراء ذنوبنا...


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،


قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل: 112]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ». (رواه أحمد في مسنده وحسنه الألباني)، وقال علي رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة".

فما نراه الآن في بلاد المسلمين من تسلط الأعداء وانتهاك الحرمات، أو المصائب الكونية كالزلازل والفيضانات أو البرد القارص، كل ذلك من جّراء ذنوبنا، قال الله تعالى: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ } [النساء: 147]، وقال عز وجل: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30]، فإذا ظهر الفساد في قرية وانتشر الربا والسرقة والنهب والرشوة فقد استوجب عقاب الله عز وجل.

ولا شك أن من الفساد استيراد الأفكار الاقتصادية المخالفة لشرع الله عز وجل كالاشتراكية تارة، والرأسمالية تارة أخرى، فالنظام الرأسمالي يطحن الناس ويستنزف دماءهم.

ولا إصلاح لهذا الفساد إلا بصلاح النفوس واللجوء إلى الله عز وجل، والتحاكم إلى شرعه في السياسة والاقتصاد والاجتماع وكل نواحي الحياة، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام:162-163].


والمسلمون في وقت الضيق يجب أن يتواصوا بالصبر وبالمرحمة، لا أن يأكل بعضهم بعضاً كما يفعل المجرمون، « الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ». (رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).

وانظر إلى الأشعريين من أهل اليمن وقد تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من صنيعهم «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم ».( رواه البخاري)، كانوا إذا نزلت بهم ضائقة جمعوا ما عندهم في مكان واحد ثم اقتسموه بينهم -غنيهم وفقيرهم-، فما أحوجنا إلى التراحم والتواصل والشفقة على المسكين والصدقة على الفقير، ووالله بهذا تُفرج الكربات، دعك مما يدعيه أصحاب النظريات الإصلاحية في الاقتصاد فهؤلاء لهم عشرات السنين يجربون بين اشتراكية ورأسمالية وسوق مشتركة وغيرها، ولا زال الناس في ضنك وشقاء.

ألم تر إلى أصحاب الجنة في سورة القلم كيف مَـنعوا حق المسكين فأهلك الله حديقتهم، وعلى النقيض فقد ورد في الحديث(1) أن رجلاُ من الأمم السابقة سمع صوتاً يقول اسق حديقة فلان، فكان المطر ينزل من السحاب على حديقة هذا الرجل فقط لماذا؟ لأنه كان يتصدق بثلث ماله على الفقراء.

فما أحوجنا إلى رحمة الله عز وجل فإنها قريب من المحسنين، جعلنا الله منهم آمين.



7-صفر-1429هـ 14-فبراير-2008 م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) «بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها؟ قال أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه ،وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه ». رواه مسلم.

 
المصدر: السيد عبد الهادي - موقع صوت السلف