فوبيا أوروبية من تعديلات الدستور في تركيا

منذ 2017-04-20

توترت العلاقات مؤخراً بين كلا من ألمانيا وهولندا مع الحكومة التركية بعد قيام الحكومتين بأفعال مشابهة تؤكد وقوفهما ضد التعديلات الدستورية الجديدة التي يستعد الشعب التركي للاستفتاء عليها في منتصف إبريل المقبل بغرض تحويل النظام البرلماني إلى رئاسي لأسباب داخلية تتعلق بالوضع الداخلي التركي.

كشفت الأحداث الأخيرة التي جرت خلال الأربعة الأيام الماضية مدى حجم التناقض الصارخ في سياسات بعض الدول الأوروبية تجاه القضية التركية الداخلية، ولم يكن أحد يتوقع أن يصل بهم الجنون إلى إعلان موقفهم المضاد لقضية تعديل الدستور الذي يعد شأناً داخلياً تركياً بحتاً.

 

وتوترت العلاقات مؤخراً بين كلا من ألمانيا وهولندا مع الحكومة التركية بعد قيام الحكومتين بأفعال مشابهة تؤكد وقوفهما ضد التعديلات الدستورية الجديدة التي يستعد الشعب التركي للاستفتاء عليها في منتصف إبريل المقبل بغرض تحويل النظام البرلماني إلى رئاسي لأسباب داخلية تتعلق بالوضع الداخلي التركي.

 

وبدأت المشكلة من ألمانيا حيث تم منع الأتراك المقيمين على أراضيها من إقامة فعاليات تتعلق بالاستفتاء الجديد، وألغت ترخيصاً منحته لـ"اتحاد الديمقراطيين الأتراك الأوروبيين" لعقد اجتماع في مدينة غاغناو مع وزير العدل التركي الأمر الذي استدعى إلغاء زيارة الوزير التركي، كما تم منع تجمعاً مماثلاً كان من المفترض أن يلقي وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي كلمة خلاله بدعوى وجود مخاوف أمنية، وهو الأمر الذي جعل الخارجية التركية تستدعي السفير الألماني في أنقرة، الخميس 9مارس، لاستيضاح الأمر.

 

وقد تسببت هذه المواقف الألمانية بتصريحات واضحة من الأتراك، حيث وصف وزير الخارجية جاويش أوغلو الاجراءات الألمانية تجاه الأتراك بأنها "منحازة ومشينة"، في حين اعتبرها الرئيس أردوغان ممارسات "نازية".

 

واستطاع جاويش أوغلو أن يكسر هذا الحظر ويلتقي بالجالية التركية في مدينة هامبورغ الألمانية وصرح أمام الحشد الجماهيري بقوله أن "على برلين ألا تعطي دروساً لأنقرة في الديمقراطية وحقوق الإنسان"، كما أعتبر أن أروبا لديها مشاكل كبيرة بشأن العنصرية والخوف من الإسلام.

 

وفي الاتجاه نفسه منعت السلطات الهولندية، السبت، دخول وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو من دخول بلادها لغرض حضور تجمع مؤيد للاستفتاء حول التعديلات الدستورية الجديدة التي تنص على التحول إلى النظام الرئاسي.

 

وخلال ساعات وجيزة توجهت وزيرة شؤون الأسرة التركية فاطمة بتول سايان كايا عبر الحدود البرية إلى هولندا، لغرض اللقاء ذاته مع الجالية التركية في مقر القنصلية التركية في روتردام، لتتفاجئ بإيقاف الشرطة الهولندية لموكبها ومنعها من الدخول، وترحيلها إلى ألمانيا.

 

كما قامت الشرطة الهولندية بتفتيش طواقم صحفيي شبكة TRT التركية ووكالة الأناضول التي كانت مرافقة لوزير شؤون الأسرة وترحيلهم مع الوزيرة إلى ألمانيا.

 

واستخدمت الشرطة الهولندية القوة لتفريق مواطنين أتراك تجمعوا في مدينة روتردام، للتعبير عن رفضهم لمنع الوزيرة التركية من الوصول إلى مقر قنصلية بلادها.

 

وبسبب هذه التصرفات الهولندية تجاه مسؤولي تركيا، أعلنت الخارجية التركية إغلاق المداخل إلى مقر السفارة الهولندية وسكن الدبلوماسيين، مؤكدة عدم رغبتها في عودة السفير الهولندي الذي يقضي إجازة خارج البلاد بشكل "مؤقت".

 

وتعهد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بالرد على هولندا بأضعاف ما قامت به من ممارسات شملت منع زيارته للبلاد، والحيلولة دون عقد وزيرة الأسرة والسياسات الاجتماعية، فاطمة بتول صيان قايا، لقاءً مع الجالية التركية، بقنصلية بلادها في مدينة روتردام.

 

وقال جاويش أوغلو في تصريحاته "سنتخذ 10 أضعاف الخطوات التي يتخذونها (الهولنديون)"، واصفًا معاملة الحكومة الهولندية للوزيرة التركية بـ"غير الإنسانية".

 

وتابع في النقطة ذاتها بالقول "منع وزيرة من الدخول لقنصلية بلادها التي تعتبر أرضًا تركية، وصمة عار على جبين أوروبا لن ينساها شعبنا".

 

وعن ملابسات تلك الخطوات أشار الوزير أن لها خلفية سياسية ترجو من ورائها الحكومة الهولندية الحصول على تأييد الناخبين في الشارع على حساب اليمين المتطرف في البلاد، بحسب قوله.

 

هذه الفوبيا والحشد المضاد الذي مارسته كلاً من ألمانيا وهولندا ودول أوروبية أخرى بشكل خفي ضد وزراء أتراك حاولوا الالتقاء بمواطنيهم للحديث حول التعديلات الدستورية الجديدة تكشف عن مدى حنق الأنظمة الأوربية من مواصلة نفوذ أردوغان وصعود نجم تركيا الذي تزامن مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم.

 

ويبدو واضحاً حجم الضغوط ومحاولة لي ذراع تركيا تجنباً لثورة النفوذ والصعود المتنامي للدولة وحضورها الكبير على كافة المستويات السياسية والاقتصادية في المنطقة.

 

أضف إلى ذلك أن هناك محاولات لإعادة تركيا إلى بيت الطاعة للدول الغربية والأوروبية، ولذلك نرى صمتاً غريباً تجاه تلك الممارسات المنافية لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية التي تتغنى بها تلك الدول أمام قادة ومسؤولين أتراك.

 

وبقدر هذا الانفعال والغضب الأوروبي من التعديلات الجديدة للدستور التي تحول النظام إلى رئاسي بدلاً من البرلماني وتوسع صلاحيات الرئيس أردوغان، إلا أن الفرصة لا تزال سانحة أمام الشعب التركي لكي يختار الطريق الصحيح نحو صدارة تركيا، وبالتالي من المتوقع أن تستفيد الحكومة التركية من الانفعال الأوروبي وتوظفه في سبيل تحقيق أغلبية "نعم" للتعديل الجديد.

 

وبالتأكيد أن محاولة إيقاف تقدم تركيا نحو الصعود إلى القمة والخوف من نهضة بلد مسلم كتركيا ستستمر، وقدر تركيا أن تواجه هذا الانحياز والحملة المسعورة ضد التعديلات الجديدة، وضد محاولة إيقاف نهضتها وخروجها عن أسوار التبعية المطلقة للخارج.

 

الكاتب: أحمد الصباحي.