الرد على جملة ما ادعاه المهديون في الإمامة

منذ 2017-04-23

إن المَهْدِيِيِّن-أتباع أحمد الحسن- يريدون إثبات كل شئ للإمام، وإن استحال هذا الشئ، فغالوا حتى بلغ الغلو درجة أقرب إلى كونها خيالية، فوصل الأمر إلى أنهم أثبتوا لليماني علم كل شئ حتى اللغات، وإذا احتاج إلى شئ في أي لحظة أو أن يتعلم أي علم في أي وقت يسَّر الله له ذلك، بل رفعوه فوق الأنبياء فقد يعلم الغيب، وباسمه يبرأ المرضى ويحيا الأموات

إن المَهْدِيِيِّن-أتباع أحمد الحسن- يريدون إثبات كل شئ للإمام، وإن استحال هذا الشئ، فغالوا حتى بلغ الغلو درجة أقرب إلى كونها خيالية، فوصل الأمر إلى أنهم أثبتوا لليماني علم كل شئ حتى اللغات، وإذا احتاج إلى شئ في أي لحظة أو أن يتعلم أي علم في أي وقت يسَّر الله له ذلك، بل رفعوه فوق الأنبياء  فقد يعلم الغيب، وباسمه يبرأ المرضى ويحيا الأموات، وحاولوا بكل وسيلة أن يبرهنوا ويدللوا على ذلك من القرآن الكريم أو من السنة النبوية، ويفسروا آيات القرآن والأحاديث بما يناسب فكرهم، فإن لم يجدوا وضعوا أحاديث ونسبوها لآل البيت وإلى أئمتهم، وبنوا عليها مذهبهم.
إن الشِّيَعة الاثني عشرية ومنهم المهديين وكذا أهل السنة يرون وجوب الإمامة، وحاجة الناس إليه، فقد"اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة [1] وجميع المعتزلة [2] وجميع الشِّيَعة وجميع الخوارج [3] على وجوب الإمامة، وأن الأمة فرض واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حاشا النجدات [4] من الخوارج، فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم، وهذه فرقة ما نرى بقى منها أحد، وهم المنسوبون إلى نجدة بن الحنفي"[5].
فإذا كان أمر الإمامة متفق على وجوبه عند أهل السنة وكذا الشِّيَعة، إلا أن الاختلاف في حيثية الوجوب، هل الوجوب عقلاً أم شرعاً؟ والجواب هو: "أن أهل السنة والجماعة قالوا بوجوبها عن طريق الشرع، وكذا أكثر المعتزلة، وهناك من أوجبها عقلاً، بل وأوجبوها على الله تعالى، وهم الشِّيَعة"[6].
وبعد عرض اعتقاد المهديين لمسألة الإمامة، وسوقهم الأدلة لإثبات إمامة اليماني، يأتي دور أهل السنة، فقد أشار الإمام أبو زهرة[7] إلى منزلة الإمامة عند الإمامية، بداية بالسلطان الكامل للإمام، وأنه يكون معصوماً عن الخطأ والنسيان، وتجري على يده خوارق العادات، وأحاط علماً بكل شيء يتصل بالشريعة، وأن وجوده ضروري لحفظ الشريعة، وهو القوام عليها بعد رسول الله، ثم قال :"وإن القارئ لهذا الكلام الذي اشتمل على دعاوى واسعة كبيرة لشخص الإمام لم يقم دلي على صحته، والدليل قائم على بطلانه؛ لأن محمداً أتم بيان الشريعة فقد قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، ولو كان قد أخفى شيئاً فما بلغ رسالة ربه وذلك مستحيل"[8].
ويكفي ما قاله الإمام ابن تيمية عن الشِّيَعة على وجه العموم، أنهم من أضل الناس عن سواء السبيل، فقد قال: "إن الأدلة إما نقلية وإما عقلية، والقوم أي الشِّيَعة من أضل الناس في المنقول والمعقول، وهم من أكذب الناس في النقليات ومن أجهل الناس في العقليات"[9].
فإذا كان هذا هو رأي ابن تيمية في الشِّيَعة أنهم ضلوا عقلاً ونقلاً، فالمهديون صاروا أكثر
انحرافاً منهم، فهم انحرفوا انحرافاً فوق انحراف، ومراجع وعلماء الشِّيَعة أنفسهم يعبترون
اليماني المزعوم دجالاً وكذاباً، فإذا كان الشِّيَعة ضلوا فالمهديون أكثر ضلالاً.

---------------------------------
[1] سُموا مرجئة؛ لأنهم أخروا العمل عن الإيمان، والإرجاء بمعنى التأخير، أو إعطاء الرجاء، أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد، وأما بالمعنى الثاني فظاهر، فإنهم كانوا يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، فقد زعموا أن الإيمان هو الإقرار وحده دون غيره، وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا؛ من كون من أهل الجنة، أو من أهل النار، فعلى هذا: المرجئة، والوعيدية فرقتان متقابلتان، وقيل الإرجاء: تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان. انظر: الفَرْق بين الفِرَق، لعبدالقاهر بن طاهر بن محمد البغدادي، المتوفى: 429ه، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، ص203(باختصار)، ط:1416ه = 1995م، بدون رقم، المكتبة العصرية، بيروت-لبنان، وانظر: الملل والنحل، ج1/137بتصرف.
[2] أصحاب واصل بن عطاء الغزال لما اعتزل مجلس الحسن البصري، يقرر أن مرتكب الكبيرة ليس بؤمن ولا كافر ويثبت المنزلة بين المنزلتين فطرده، فاعتزله وتبعه جماعة سموا بالمعتزلة، ويسمون أصحاب العدل والتوحيد، ويلقبون بالقدرية، والعدلية، والذي يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد: القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلاً، فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته؛ لا بعلم وقدرة وحياة. هي صفات قديمة، واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه: جهة، ومكاناً، وصورة، وجسماً، وأوجبوا تأويل الآيات المتشابة فيها، وسموا هذا النمط: توحيداً، واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها، مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة، والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم، واتفقوا على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد. وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف. وسموا هذا النمط: عدلا، واتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة، استحق الثواب والعوض، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها، استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار، وسموا هذا النمط: وعدا ووعيدا، واتفقوا على أن أصول المعرفة، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. انظر: الملل والنحل، ج1/38و39 باختصار(مرجع سابق).
[3] أول من خرج على أمير المؤمنين عليرضي الله عنه  ممن كان معه في صفين، الأشعث بن قيس، ومسعر بن فدكي، وزيد بن حصن الطائي، حين قالوا: القوم يدعوننا إلى كتاب الله، وأنت تدعونا إلى السيف، فلما لجأوا إلى التحكيم، حملوا سيدنا علي على أبي موسى الأشعري، واختار أهل الشام عمرو بن العاص، على أن يحكما بكتاب الله، فجرى الأمر على خلاف ما رضي به، فلما لم يرض بذلك، خرجت الخوارج عليه، وقالوا: لم حَكَّمتَ الرجال، لا حكم إلا لله، وهم المارقة الذين اجتمعوا بالنهروان، ويجمعهم القول بالتبري من عثمان وعلي -رضي الله عنهما-، ويقدمون ذلك على كل طاعة، ولا يصححون المناكحات إلا على ذلك، ويكفرون أصحاب الكبائر ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة: حقاً واجباً. انظر: الملل والنحل، ص106و107 (بتصرف) (مرجع سابق).
[4] أصحاب نجدة بن عامر الحنفي، وقيل: عاصم، ومما قاله: من نظر نظرة أو كذب كذبة وأصر عليها فهو مشرك، ومن زنا وشرب وسرق غير مصر عليه فهو غير مشرك، وقيل لهم: النجدات العاذرية؛ لأنهم عذروا بالجهالات في أحكام الفروع، وجاء عن النجدات أن التقية جائزة في القول والعمل كله، وإن كان في قتل النفس، وأجمعوا على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط، وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن رأوا ان ذلك لا يتم إلا بإمام يحملهم عليه فأقاموه جاز. انظر: الملل والنحل، ج1/118و119(باختصار).
[5] الفصل في الملل والأهواء والنحل، الإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الظاهري، تحقيق: الدكتور محمد إبراهيم نصر، والدكتور  عبدالرحن عميرة، ج4/149، ط2/1416ه =  1996م، دار الجيل، بيروت-لبنان.
[6] الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي، ص46(بتصرف)، رسالة علمية تقدم بها المؤلف للحصول على درجة التخصص –الماجستير-، من جامعة أم القرى بمكة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، فرع العقيدة، بدون تاريخ، دار طيبة للنشر، الرياض-السعودية.
[7] هو: محمد بن أحمد أبو زهرة، ولد بمدينة المحلة الكبرى، محافظة الغربية بمصر، سنة 1898م، وبدأ اتجاهه إلى البحث العلمي في كلية أصول الدين سنة 1933م، وعين عضواً للمجلس الأعلى للبحوث العلمية، وكان وكيلاً لكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وصار أكبر علماء الشريعة الإسلامية في عصره، ومن تأليفه: الوحدة الإسلامية، تاريخ المذاهب الإسلامية، توفق بالقاهرة سنة 1974م. انظر: الأعلام للزركلي، ج6/25.
[8] تاريخ المذاهب الإسلامية، ص50(مرجع سابق).
[9] منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشِّيَعة القدرية، ابن تيمية، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، ج1/8، ط 1/1406ه = 1986م، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود.