ماذا ينقمون من السلفية..؟
من الأكاذيب هو التخوف الكبير من السلفيين وأنهم متشددون وجامدون في أفكارهم وليست لديهم مرونة في التعامل مع القضايا المختلفة وأنهم يُحرِّمون كل شيء ويكفّرون الآخر لمجرد الخلاف معه.
ذكرت في مقال سابق حين تكلمت عن مهمة السلفيين في مصر بعد التغيير أنه
ربما يتم عزل السلفيين وتحجيم دورهم وإقصائهم عن المشاركة الفاعلة في
صنع القرار وبناء مصر من جديد كما يقولون، وأن هذه العزلة ربما يفرضها
السلفيون على أنفسهم بعدم تفاعلهم مع الحدث والانزواء بعيدًا عنه
والانشغال في الخلاف حول شرعيته أو عدم شرعيته، وهذا ما تم تجاوزه
بفضل الله.
أما العزلة الأخرى التي يتم فرضها على السلفيين في الوقت الحالي هي ما
يجب أن نتنبه إليه بالفعل، حيث تُشن حملة شعواء على الدعوة السلفية في
مصر بصورة واضحة وعلى نطاق واسع، وللأسف الشديد أن هذه الحملة لا
تقودها جبهة واحدة فقط ولكنها تنطلق من جبهات كثيرة من علمانيين
وليبراليين وإعلاميين وحتى من بعض الإسلاميين وعلى رأس هؤلاء بالطبع
الكنيسة المصرية.
والمتابع للأحداث في الساحة المصرية يلاحظ أن هذه الحملة أخذت أبعادًا
ثلاثة:
• البعد الأول: وهو الهجوم المباشر.
• البعد الثاني: بث الأخبار الكاذبة والمهيجة للشارع المصري عن التيار
السلفي.
• وأخيرًا: الإقصاء المتعمد للسلفيين من كافة الحوارات الوطنية
والفكرية التي تعقدها الحكومة أو التيارات والقوى السياسية
المختلفة.
وأما عن البعد الأول فقد اشترك فيه أطراف عدة من إعلاميين وحقوقيين
وأطراف في الحكومة وبعض الإسلاميين.
ففي تصريح مُستفذّ للناشط القبطي نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد
المصري لحقوق الإنسان قال: ( الأقباط ليس لديهم خشية من جماعة الإخوان
لكن ما يشكل خطرًا كبيرًا على أقباط مصر هم السلفيّون، والتخوفات تأتي
من مدارسهم الفكريّة المنتشرة في أوساط الأمّيِّن، والتي قد تبدأ في
التطور إلى تكوين كيانات ضاغطة على المسيحيين وهذا يحتاج إلى وقفة
جادة ). [جريدة القبس: عدد13586].
وفي مقطع على اليوتيوب للشيخ وجدي غنيم وجهه لعلماء الدعوة في
الإسكندرية وللشيخ محمد حسان على وجه الخصوص وصف السلفيين بأنهم ربّوا
الناس على الخنوع، وأخذ يستهزئ بطريقته المعروفة بأن البعض منهم تبنى
الرأي القائل بأن تلك المظاهرات بدعة وأخذ يكيل الاتهامات للتيار
السلفي ورموزه بصورة تبدو وكأنه يحاول بطريقة أو بأخرى تشويه صورة
السلفيين بأي وسيلة وإن كان يدَّعي أنه يبتغي النصح لهم.
وبالطبع لم يُفوِّت الإعلامي عمرو أديب الفرصة حين علَّق على موقف
الشيخ محمد حسين يعقوب وموقفه من الاستفتاء وأخذ يثني بشكل لافت على
جماعة الإخوان التي كان يصفها من قبل بالمحظورة، حتى وصف الإخوان
بأنهم رحمة وأن التخوف القادم هو من السلفيين.
وأما البعد الثاني من أبعاد تلك الحملة وهو بث الأخبار الكاذبة وتعمد
إلصاقها بالسلفيين لتشويه صورتهم والهدف منها إثارة الرعب في قلوب
العوام وغيرهم واستخدام السلفيين كفزاعة لإقصاء الدين عن واقع الحياة
في مصر، ففي خبر نشرته الجرائد الرسمية عن قيام مجموعة من الشباب
السلفي بإقامة الحد على رجل قبطي بقنا بزعم أنه يقود شكة للدعارة تضم
فتيات مسلمات وقاموا بقطع أذنه.
وخبر آخر عن قيام مجموعة من الشباب السلفي بمهاجمة سيدة من محافظة
المنوفية وتهديدها بالقتل بحجة أنها تمارس أعمال منافية للآداب داخل
المنزل وقاموا بإلقاء جميع محتويات منزلها بالشارع، وطالبوها بمغادرة
المدينة وعدم السكن فيها وأعطوها مهلة لذلك.
و لا شك أن هذه الأخبار وغيرها تذكرنا بما فعلته ميليشيات النظام
البائد أثناء المواجهات مع الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في فترة
الثمانينات حيث كان يتنكر أفرادها في زي الشباب الملتزم ويقومون
بمهاجمة الناس والممتلكات، ولا شك أن هذه الوسائل وغيرها يعلم القاصي
والداني براءة التيار السلفي منها.
وأخيرًا يأتي إقصاء السلفيين من واقع الحياة السياسية في مصر كبعد
أخير من هذه المؤامرة التي تحاك بالسلفيين سواء عن قصد أو عن غير قصد،
فالمتابع لما يجري في الساحة من حوارات وسجالات ومؤتمرات يرى غياب
السلفيين عن تلك المؤتمرات بشكل لافت.
فالإخوان الذي عقدوا احتفالية ضخمة قبل عدة أيام بقاعة المؤتمرات
بالأزهر احتفاءًا بنجاح الثورة وحضرها ما يقارب من عشرة آلاف مشارك من
كبار رجالات الدولة بكافة أطيافهم الفكرية والثقافية والدينية وعلى
رأسهم بالطبع كبار رجال الكنيسة، يلاحظ أن هذه الاحتفالية غاب عنها أي
رمز من رموز التيار السلفي.
كما أن المرشد العام للجماعة والذي طلب زيارة الكنيسة وفتح حوار مع
البابا شنودة والشباب القبطي، لم يدر في خلده دعوة التيار السلفي لمثل
هذا الحوار على الأقل بافتراض أنهم كإسلاميين يشتركون في هدف واحد وهو
تطبيق شرع الله عز وجل.
وعلى صعيد آخر نجد أن الدعوى التي وجهها المجلس العسكري لكافة القوى
الوطنية والسياسية لبدء حوار وطني ستخلو بالطبع كما هو متوقع من أي
رمز سلفي مشارك في هذا الحوار ولا ندري ما السبب في ذلك هل لأنهم
ليسوا من القوى الوطنية؟ أم لاعتبار أن السلفيين ليس لهم وزن فبالتالي
لا يؤبه لهم كقوى مؤثرة في المجتمع.؟؟!! لا ندري..!!
ولا ننكر أن الواقع السلفي يمر في المرحلة ببعض الاضطرابات شأنه شأن
أي فصيل آخر من فصائل المجتمع فما كان أحد على وجه الأرض يتوقع ما حدث
- كما قال الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله- ؛ لذلك فإن هذه الأزمة
- إن صح التعبير - التي يتعرض لها السلفيون لها أسباب عدة من
أهمها:
• موقف التيار السلفي السابق من المشاركة السياسية في مصر مما أدى إلى
غياب السلفيين تمامًا عن واقع الممارسة السياسية خلال الحقبة الفائتة
وانشغالهم بتعليم الناس وتربيتهم وتزكيتهم وهذا بالطبع محمدة لهم وليس
بمذمة وهو ما فرضته السياسة الشرعية عليهم.
• التخوف الكبير من السلفيين وأنهم متشددون وجامدون في أفكارهم وليست
لديهم مرونة في التعامل مع القضايا المختلفة وأنهم يُحرِّمون كل شيء
ويكفّرون الآخر لمجرد الخلاف معه.
• التَرِكة المُثقلة التي تحملها السلفيّون من اتجاه بعض الطوائف
المحسوبة عليهم للعنف سواء في الداخل كالجماعة الإسلامية وجماعة
الجهاد والتكفير أو في الخارج كالقاعدة وغيرها من الجماعات
المسلحة.
• عدم وجود جبهة موحدة تتحدث باسم السلفيين ويكون عليها اتفاق وإجماع
من كافة التوجهات السلفية في مصر مما أدى إلى عدم وجود خطاب موحد
ومحدد المعالم يخرج باسم الدعوة السلفية، ولا شك أن هذا أدى إلى تضارب
كثير من البيانات الصادرة وتباين كثير من المواقف تجاه الأحداث
وبعدها.
هذه أهم الأسباب من وجهة نظري ولا شك أن هناك أسباب أخرى لدى المحللين
والباحثين في هذا الشأن: ونخلص مما سبق إلى عدة أمور:
• لا شك أن هناك أمواج عاتية سيواجهها السلفيون جَرَّاء هذا التغيير
وهذا أمر متوقع، ونقول أننا الحين في مرحلة الزرع والبناء ولسنا في
مرحلة جني الثمار ولا شك أنها مرحلة صعبة تحتاج إلى كثير من الجهد
والعرق والصبر.
• لابد للقائمين على رأس العمل السلفي من التخطيط الجيد لما يجب عليهم
القيام به في الفترة المقبلة وعدم التسرع في تقييم الواقع وعدم
الاعتماد على ردود الأفعال التي قد تضر بالدعوة أكثر مما تصلح، فليس
من الضروري أن ندلي بدلونا في كل مسألة تُطرح على الساحة في الفترة
الحالية بحجة عدم غيابنا عن الحدث والرغبة في تسجيل موقف ولو على حساب
أصول المنهج السلفي.
• لابد أن نتحرك من خلال عمل مؤسسي مُنظم ولا شك أن هناك بوادر بدأت
تلوح في الأفق لمثل هذا التوجه كالهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح وعلى
رأسها الدكتور محمد يسري وثلة من العلماء والدعاة المعتبرين، وكذلك
تأسيس مجلس إدارة الدعوة السلفية بالإسكندرية؛ والمهم هو آلية تفعيل
هذه المؤسسات ودعمها على كافة الأصعدة سواء الإعلامية أو
المجتمعية.
• عدم التسرع في إبداء المراجعات عما يظنه البعض خطأ في التصور وفي
الحركة وفي التعامل مع الواقع من قِبَل التيار السلفي في الفترة
الماضية، فإن هذا من شأنه زعزعة الثقة لدى الشباب السلفي في علماء
الدعوة؛ فإن ما تربى عليه الشباب سنوات طوال لا يتم التراجع عنه لمجرد
رأي شيخ أو عالم منفردًا لحدث نجح بتقدير الله عز وجل ؛ والسؤال الذي
يسأله الكثيرون: ماذا لو لم تنجح الثورة؟! هل كان موقف المشايخ كما هو
الآن؟؟!!
• عدم الانجرار لمعارك جانبية والانشغال بالرد على فلان أو الدفاع عن
فلان والاهتمام بما هو أهم من ذلك في تثبيت أصول المنهج ودراسة الواقع
الحالي وكيفية التعامل معه وفق هذه الأصول.
• أخيرًا لابد للشباب من التمسك بالمنهج الذي تربواْ عليه، والثقة
الكاملة في مشايخ وعلماء الدعوة، وليعلموا أن أعدائهم ومنافسيهم
أغاظهم كثيرًا ما حققوه من نتائج على المستوى الشعبي خلال السنوات
الفائتة وهو ما يحاولون اليوم هدمه، ولكن الأخطر من هذا هو هدم الثقة
وبث الفرقة بين شباب الدعوة ومشايخها وعلمائها الذين هم رأس الأمر
والمرجع في الأمن والخوف ومتى هدم الرأس لم يقم للجسد قائمة والله
المستعان.
31-03-2011 م
- التصنيف: