أمي.. لن أقدم لك ألما في ثوب السعادة ولا خطأ في ثوب الصواب!
إن ربنا سبحانه قد علّمنا أن احتفاءنا بأمهاتنا إنما هو كل يوم، بل في كل لحظة، حتى لو كنا في عمل أو عبادة.. علّمنا أن نهديها كل يوم كلمات السرور، وبسمات المحبة، وسلوكيات الرفق.. علّمنا أن نقدم لها كل يوم معاني العطاء المالي والسلوكي والمعنوي.. حتى لو رحلت عنا. علمنا أن برها قائم لم ينقطع.. ووصلنا لها دائم دوام الليل والنهار.
بالفعل هناك الكثيرون ممن يستغلونها فرصة للتعبير لأمهاتهم عن مشاعرهم، والكثيرات من الأمهات يسعدن باهتمام أبنائهن، وترى حالة واسعة من الاهتمام بهذا اليوم الذي صار الاحتفاء به يشمل عددا كبيرا من البلاد بعد أن كان قاصرا على بعضها فقط.
لكن تعال ننظر إلى الصورة الكاملة، فكم أدمعنا من طفل ماتت أمه، أو امرأة مسكينة لم يرزقها الله بالأولاد.. أو شخص كان محبا لأمه التي ماتت قريبا.
وكم حسّرنا من ثكلى رحل ابناؤها، وكم أدمينا من قلوب فقراء لا يستطيعون الاحتفال بأمهاتهم.. وكم طعَنّا في قلوب مغتربين عن أمهاتهم!
وكم آذينا مشاعر أم ولدها معاق ذهنيا أو جسديا.
وكم آلمنا من قلب أم قد عقها ابنها وأهملها وغفل عنها..، بل كم غطى هذا اليوم على عقوق عام بأكمله...!
وكم غلّف تاجر غشاش بضاعته الكاسدة في شكل هدية ل " ست الحبايب "!
لكأني اسمع آهات أم شهيد.. وأوجاع أم طريد شريد، هل علينا أن نوغل الكسر في قلوب كسيرة؟!، أو أن نعمق الوجع في صدور أكل منها الوجع أعماقها؟!
هل فكرتم في تلك السكاكين التي تضرب بها أغنية " يا ست الحبايب " في قلوب " ست الحبايب الصابرة المؤمنة في آلاف البيوت؟!
إن بر أمهاتنا يجب أن يكون ألف مرة في كل يوم.. وليس يوما كل ثلاثمائة يوم!
لكم أرى التناقض في ذلك اليوم.. فالأبناء يحرصون على هدية واحتفال.. ثم يستثقلون الإنفاق عليها طوال العام، أو تفريغ دقائق لزيارتها أو السؤال عنها.. أو تعليمها ما ينفعها من علم أو دين!
إنه وفاء مؤقت.. ناقص. لا يليق مع قيمة الأم ولا مكانتها ولا عطائها.. وفاء يبدأ بأغنيتين ودمعتين، ثم ينتهي في ساعتين... ويعود الإهمال والغفلة والعقوق من جديد ليبدأ مسيرته ككل عام..
أكثر ما يثير السخرية والألم. هذا الاحتفال الذي يقيمونه للأمهات في دور المسنين!!
لا أشك في إخلاص الابناء تجاه أمهاتهم رغبة في إسعادهن، وإن كنت أشك كثيرا فيما وراء دعم كل احتفال لا تدعمه دلائل التشريع..
لن اسهب في كون أعياد المؤمنين لا تقبل زيادة أو نقصانا، ولا تقبل اختراعا ولا إضافة ولا ابتداعا، لكن يكفينا أن نذكر أن الله سبحانه هو ارحم الراحمين بنا وبأمهاتنا وبمجتمعنا وبانه ما من خير إلا أمرنا به.
ربنا سبحانه لم يأمرنا بهكذا معاملة مع حق الأم، ولو علم أن هذه الرؤية الضيقة صالحة لأمهاتنا أو مجتمعاتنا أو أنفسنا لسنها لنا، ولعلمها نبيه.. أو لبينها أهل البصيرة لنا..
إن ربنا سبحانه قد علّمنا أن احتفاءنا بأمهاتنا إنما هو كل يوم، بل في كل لحظة، حتى لو كنا في عمل أو عبادة..
علّمنا أن نهديها كل يوم كلمات السرور، وبسمات المحبة، وسلوكيات الرفق..
علّمنا أن نقدم لها كل يوم معاني العطاء المالي والسلوكي والمعنوي..
حتى لو رحلت عنا. علمنا أن برها قائم لم ينقطع.. ووصلنا لها دائم دوام الليل والنهار..
خالد روشة
داعية و دكتور في التربية
- التصنيف:
- المصدر: