اختيار محل ( اليوم أكملت لكم دينكم )
إننا نقبل أحكام الله وجملة شريعته في كل مجال خاطبنا تعالى بلا استثناء أو محاشاة، خُلقا وعبادة وعقيدة، وسياسة واجتماعا وأفكارا، قيما وسلوكا وعلاقات أسرة وبل وكافة العلاقات مع النفس والكون والخلق والخالق تعالى.
تجد هذه الجملة العظيمة{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: 3]، في ضمن آية كريمة تتكلم عن تفصيل الأحكام تبدأ بقوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}[المائدة: 3]وبعدها {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: 3]، ومحلها توقيفي أنزله الله ووضعه رسوله حيث أمره الله، وقرأه النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين كاملا في آخر عرضتين في رمضان الأخير الذي عاشه رسول الله.. فالمحل توقيفي مأمور به، وفيه حكمة ربانية في اختياره.
وعلى هذا فقد سُبقت هذه الجملة العظيمة بتفصيل لأحكام، وأُتبعت بتفاصيل أخرى للأحكام، ولله تعالى حكمته في هذا.. ولكننا نتلمس فيها أن اكتمال الدين تحقق من خلال تشريع يشمل الحياة، وأن اكتمال التشريعات وبيان ما أحل تعالى وما حرّم هو تحقيق لاكتمال الدين.. وأن الدين ليس مجرد لافتة أو شعارا أو مجرد انتساب؛ بل هو مأخذ تفصيلي ولازم للعبد.
إن الدين مشتق من الدينونة وهي غاية الذل والخضوع، وذلك بالانقياد والاستسلام وقبول الأحكام، واكتمال ذلك بإكمال العمل بالامتثال والقيام بما أمر الله تعالى وتمثُّله في النفس.
وقد وضعها تعالى في مجال تفصيل أحكام الذبائح والميتة في مجال المطعومات، فلا نستهين بأمر ولا نخرج عن مجال أمَر الله فيه بأمر.. وأن أمْره تعالى في تنظيم الدولة كأمره تعالى في شأن الذبيحة والمطاعم والمشارب، كأمره تعال في مجال العبادات.
وأنه لا مجال لأخذ الدين كاملا إلا إذا التزمه العبد المسلم كاملا بلا استثناء مجال ولا اعتراض ولا رفض ولا إهمال، بل أن يقبل الأمر على العموم والإطلاق ويخضع وينقاد بلا محاشاة ولا استثناء، وألا يستصغر شأنا أو مجالا، ولا يستقل عملا أو قولا، وألا يبتعد عن ربه تعالى في عمل أو قول طرفة عين، سواء كان شأن دولة أو ذبيحة أو ملبس رجل أو امرأة أو خُلق اجتماعي أو شأن سياسي أو مجال عسكري أو عبادة أو ذِكر، أو مجال فردي خاص أو جماعي عام.. إنه الاستسلام لله تعالى جملة وبإطلاق.
وأن اكتمال الدين جاء في سورة مدنية بها الأحكام الناسخة والأوضاع الأخيرة في شؤون كثيرة، وجاء مقترنا بعمق التفاصيل المنظمة لشأن المسلم في شأنه الفردي، والمجتمع المسلم في شأنه الجماعي العام.. بينما جاء أن الإسلام دين الأنبياء في سورة مكية متعددة.. فجاء الأصل في المكي، وجاء الاكتمال في المدني، وفي سياقه الموحى والمعلّم لنا وهو تفصيل أحكام ما أنزل.
وعلى هذا فمن (يتغزل!) في الإسلام ويمدحه لكنه يرفض أحكامه فهو كاذب لم يقبل ما أنزل الله كما أنزله الله بالصورة التي أرادها الله.
إننا نقبل أحكام الله وجملة شريعته في كل مجال خاطبنا تعالى بلا استثناء أو محاشاة، خُلقا وعبادة وعقيدة، وسياسة واجتماعا وأفكارا، قيما وسلوكا وعلاقات أسرة وبل وكافة العلاقات مع النفس والكون والخلق والخالق تعالى.
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}وهو كامل الى يوم القيامة ومَرضي الى يوم القيامة وقبِلْنا نعمة الله؛ فاللهم ثبتنا عليه حتى نلقاك.
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي