الدين لله .. والوطن لله .. والجميع عبيد لله .. والأمر والملك كله لله
بيان لمقولة: "الدين لله، والوطن للجميع"
ورد سؤال من أخ من الولايات المتحدة الأمريكية، يستفسر عن حكم المقولة المشهورة: "الدين لله، والوطن للجميع"، ثم قال:
هل يجوز في السعودية تدريس المذهب الشيعي للطلبة الشيعة في الشرع والقانون؟ ولماذا لا يُجعل لهم الحق في دراسة ما يرغبون؟ ولماذا تُفرض المناهج السنِّيَّة عليهم؟ ألا يُعَدُّ هذا نوعـًا من سلب الحقوق؟ ألا يعد هذا نوعًا من الاضطهاد؟ أَوَلا يُعتبر الشيعةُ مسلمين؟ إن كنا نعتقد ذلك، فلماذا لا يتمُّ تدريس الشيعة ما يوافق مذهبهم، شريطةَ ألاَّ يوجد فيها ما يسبُّ الصحابة؟ ألا ترون أن حرمانهم الحقوق قد يُنْشِئ فجوة في المجتمع؟ لماذا لا يكون التسامح هو الديدن؟
ثم قال:
تَخَيَّل معي أناسًا تلاطفهم، وتتودَّد إليهم؛ من أجل شرح المذهب السنيِّ، وهم لا يوافقون عليه، هل تتوقع أنهم سيستفيدون منه، أو يَعْتَدُّون به قهرًا؟!
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقَبْلَ الخوضِ والدخولِ فيما ذكره الأخ الكريم، أحبُّ أن أبيِّن أولاً حكم مقولة: "الدين لله، والوطن للجميع"، التي اخترعها أعداء الأمة، هي وغيرَها من المقولات الكثيرة الرنانة الباطلة، والتي لا يلتزمها من وضعها ودندن بها؛ وإنما يُشَوشون بها على المسلمين، وقد راجت هذه المقولة على أبناء الإسلام، البعيدين عن تعاليم دينهم، أو المغيَّبين عن واقعهم، وعن مؤامرات الكفار ووسائلهم في إضلال المسلمين، حيث اغْتَرُّوا بالشعارات الجذابة والبراقة، ببراءة وغفلة وحسن نيَّة، ولم ينتبهوا للسُّمِّ الزعاف الطافح منها.
والواقعُ أن أعداء الإسلام لمَّا عجزوا عن محاربته بالسيف، وأيقنوا استحالة ردِّ المسلمين عن دينهم عسكريًّا- لجؤوا إلى غزو عقولهم ثقافيًا، غزوٍ بَذَلُوا فيه الغالي والرخيص؛ لإخراج أبناء الإسلام عن الدين القويم، وإعادتهم إلى ضروب الوَثَنِيَّة، وكل ذلك تحت مسميات شتَّى، من أخطرها الدعوة لتقديس الوطن، واستبدال حدود الوطن بحدود الله، فتتلاشى عقيدة الحب في الله ورسوله؛ بدعوى الوحدة الوطنية بين نسيج الأمة الواحدة، التي تجمع الفرق تحت اسم القومية بدلاً من الدين، واستبدال عقيدة الولاء والبراء بشعار المواطنة؛ حتى خرج من عباءتهم المقولة الآثمة: "إن الكلام في العقيدة يُفَرِّق ولا يُجَمِّع"، وقد صاغوا عباراتٍ رنانةً، تُرهف السمع وتخطف القلب، وينخدع بها الغِرُّ؛ مثل: إحلال الوئام محل الشقاق، والتعاون والتحاب محل الأنانية والانتهازية، وهكذا دواليك، فوقع في شركهم كل غِرِّيِّر غافل عن الكتاب والسنة؛ وصدق الله العظيم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 112، 113].
ولو كانت تلك الشعارات حقًّا، لالتزمها مَن أطلقها؛ ولكنَّهم يُغالطون ويخادعون؛ لتبرير خُطَّتِهم الأثيمة، وتغطية باطلهم وتمريره على الأغمار والسطحيين، فيَرْمون الدِّين بالطائفية، وهم بها أحقُّ وأهلُها.
أما هذه المقولة؛ فقد ظهرت في مصر مع ثورة 1919م المصرية، حيث نقلها عن الأعداء وأطلقها سعد زغلول؛ ليُثَبِّت النهج العلماني لمفهوم الدولة؛ بفصل الدين عن السياسة، وقد قامت على أسس فصل الدين عن الدولة، وقصْر الدين وأحكام القرآن الكريم على ما يتصل بتهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، وتحريك الهمم وحسب.
قال الشيخ عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني في كتابه: "كواشف زيوف المذاهب الفكرية المعاصرة": "إن الديمقراطية باعتبارها تنادي: بأن الدين لله والوطن للجميع، وأن شأن الأقليات في الدولة كشأن الأكثرية في الحقوق والواجبات - تُمَكِّن الأقليات من التكاتف والتناصر؛ لاستغلال الوضع الديمقراطي ضد الأكثرية ومبادئها وعقائدها ودينها، وتمكنها أيضًا من التسلل إلى مراكز القوة في البلاد، ثم إلى طرد عناصر الأكثرية رويدًا رويدًا من هذه المراكز، بوسائل الإغراء، وبالتساعد والتساند مع الدول الخارجية، المرتبطة بالأقليات ارتباطًا عقديًا أو مذهبيًا، أو سياسيًّا أو قوميًا، أو غير ذلك.
وتصحو الأكثرية من سباتها بعد حين؛ لتجد نفسها تحت براثن الأقلية، محكومة حكمًا ديكتاتوريًا ثوريًا مِن قِبَلها، مع أنها لم تصل إلى السلطة إلا عن طريق الديمقراطية.
لقد كانت الديمقراطية بَغْلةً ذلولاً، أوصلت أعداء الأكثرية وحسَّادها والمتربصين الدوائر بها، إلى عربة ثيران ديكتاتورية الأقلية".
وقال أيضًا: "وبالمفهوم المعاصر للوطنية، الذي روّجه الطامعون، بسلخ المسلمين من حقوقهم في السيادة على الأوطان الإسلامية، اتَّسع شعار الوطنية، حتى صار في المفهوم الشائع يضمُّ كل سكان الوطن الواحد، ولو كانوا في الأصل نزلاء، أو ضيوفه، أو مقيمين فيه بعهدٍ أو أمان أو ذمَّة، وبهذا التوسيع المقصود، الذي يراد به كيد المسلمين، مالكي الأوطان الحقيقيين، غدا هؤلاء النزلاءُ والضيوف المقيمون بعهد أو أمان أو ذمَّة - لهم في الملكية العامة للوطن حقوق متساوية لحقوق مالكيه الأصليين، وبمَكْرٍ مُدَبَّر انطلقت عبارة: "الدين لله والوطن للجميع"، وأطلق مروجو شعار الوطنية بين المسلمين حديثًا لا أصل له، نسبوه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - وهو: "حبُّ الوطن من الإيمان".
وهذا التوسيع في حق الملكية العامة المشاعة للوطن - جَرَّ إلى التسليم بحق الجميع في إدارته السياسية، ولما كان هؤلاء الجميع مختلفي الأديان والمبادئ والعقائد، وقد صار لهم جميعًا الحق في الإدارة السياسية للوطن الواحد، بمقتضى مكيدة الزحف الانتقالي من فكرة إلى فكرة - كان لا بد من اللجوء إلى مكيدة أخرى، هي المناداة بفصل الدين عن السياسة، والمناداة بعلمانية الدولة.
ثمّ لما تمكنت هذه الطوائف غير المسلمة من القوى الفعالة داخل بعض بلاد المسلمين، كَشفت الأقنعة عن وجوهها التي كانت تخادع بها، وتدّعي الإخاء الوطني، وصارت تدعي أن الوطن لها، وأخذت تنبش الدفائن؛ لتستخرج مزاعم تاريخية قديمة، سابقة للفتح الإسلامي، وهذه المزاعم لا أساس لها من الصحة.
ثمّ أخذت تفرض سلطانها بالقوة في هذه البلاد، مؤيَّدةً من الدول الكبرى المعادية للإسلام والمسلمين، وحاربت الأكثريةَ المسلمة بضراوةٍ، وأخذت تَحْرِمها من حقوقها في أوطانها، حتى جعلتها بمثابة أقليات مستضعفة.
وكانت لعبة شعار الوطنية مكيدةً، انخدع بها جمع غفير من المسلمين ببراءة وسلامة صدر، حتى استلّ أعداؤهم منهم معظم حقوقهم، ومعظم مقدّراتهم. اهـ. مختصرًا.
وقال الشيخ عبدالرحمن الدوسري في "الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة": "هذه المقالة انبثقت مما قبلها، وصاغها الحاقدون على الإسلام، الذين رَمَوْه بالطائفية بهذه الصيغة المزوقة، إفكًا وتضليلاً؛ ليبْعِدوا حكم الله ويفصلوه عن جميع القضايا والشؤون، بحجة الوطن الذي جعلوه ندًّا لله، وفصلوا بسببه الدين عن الدولة، وحصروه في أضيق نطاق.
فأعادوا بذلك الحكم القيصري والكِسْروي بألوان وأسماء جديدة - والعبرةُ بالمعاني لا بالأسماء والألقاب - من سوء التحكم، والأعمال المخالفة للشرع، وعدم العدل، فهي خطة شَرَكِيَّة قلَّ من انتبه لها، ولا يجوز للمسلمين إقرارها أبدًا، ولكن غلبت عليهم سلامة الصدر، فاغترُّوا بما يطلقه أولئك من الدجل والتهويل، ويخادعون به الله والمؤمنين، من دعوى تعظيم الدين، والارتفاع به عن مستوى السياسة التي هي غش وكذب؛ ليخدعوا به المسلمين ويخرسوهم.
والله لا يرضى من عباده أن يتهاونوا بالحكم، ويتنازلوا عن حدوده قيدَ شَعْرة، أو تنقُص فيهم الرغبة الصادقة في تنفيذه – بدلاً من أن تنعدم – لحب وطن أو عشيرة، بل ولا لحب ولد أو والد أو أخ قريب.
فالدين الذي لله يجب أن يسيطر على الجميع، ويكون أحب وأعز من الوطن، وأن لا يُتَّخذ الوطن أو العشيرة ندًّا من دون الله، ويعمل من أجله ما يخالف حكم الله، وتبذل النفوس والأموال دون كيان العصبية القومية.
فهذه وَثَنِيَّة جديدة، أفظع من كل وثنية سبقتها؛ إذ يعملون تحت هذا الشعار الوثني ما يشاؤون، ويخططون لحياتهم الوطنية تخطيط من ليس مقيدًا بشريعة ربه.
وكونها أفظع من كل وثنية هو لمزيد فِتْنَتها، وإخراجها للناس بهذا الأسلوب الذي صاغته أوروبا هروبًا من حكم الكنيسة؛ والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران: 149]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100].
فيا له من دين! جعلوه يتلاشى أمام مصالح الوطن وأوضاعه التي يَتَعَشَّقونها، فكأنهم قالوا: "الدين لله يطرح ظِهْرِيًّا، ليس له حق في شؤوننا الوطنية؛ من سياسة، وعلم، واقتصاد، وغيره، مرحى مرحى لهذا الدين المعطَّل المطروح على الرف". اهـ. مختصرًا.
أما محاولات التقريب والتعايش بين أهل السنَّة والشيعة؛ فمحالٌ عقلاً؛ لأن فيه جمعًا بين النقيضين، ويبينه رجوعُ أساطينِ التقريب إلى تلك الحقيقة، مثل الشيخين سعيد حوى – رحمه الله – والقرضاوي؛ فقد كانا من أشد الداعين والمناصرين، والمجادلين والمنظرين لفكرة التقريب، ثم انقلبا للنقيض الصرف - وبنفس القوة والحماس – بعدما أَفْنَوْا أعمارهم في سبيل تلك الدعوة، غافلين أو متغافلين، لما ظهر لهم بجلاء - لا شك فيه - يشهد له الواقع الأليم، والتاريخ الدامي للشيعة مع أهل السنة، فما من بليّة ولا رزيّة حلّت بالإسلام والمسلمين؛ إلا وللشيعة فيها يد ظاهرة أو خفية، فتاريخ الشيعة مع أهل السنة حالك السواد على مدى الأربعةَ عشرَ قرنًا الماضية: من المكر، والوقيعة بالمسلمين، والطعن في ثوابت الإسلام، والغلوِّ في أئمتهم، وتكفير عامة الصحابة، والذي يلزم منه ردُّ الشرع رأسًا، مع أنهم من أجهل الخلق، وأنهم ليس لهم عقل، ولا نقل، ولا دين صحيح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى: (8/57)": "ومذهبُ الرافضة شرٌّ من مذهب الخوارج المارقين؛ فإن الخوارج غايتُهم: تكفيرُ عثمان وعليٍّ وشيعتهما، والرافضة: تكفير أبي بكر وعمر، وعثمان وجمهور السابقين الأولين، وتجحد من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظمَ مما جحد به الخوارج، وفيهم من الكذب والافتراء والغلو والإلحاد ما ليس في الخوارج، وفيهم من معاونة الكفار على المسلمين ما ليس في الخوارج، والرافضة تحب التتار ودولتهم؛ لأنه يحصل لهم بها من العِزِّ ما لا يحصل بدولة المسلمين، والرافضة هم معاونون للمشركين واليهود والنصارى على قتال المسلمين، وهم كانوا من أعظم الأسباب في دخول التتار قبل إسلامهم إلى أرض المشرق، بخراسان والعراق والشام، وكانوا من أعظم الناس معاونةً لهم على أخذهم لبلاد الإسلام، وقتل المسلمين، وسبي حريمهم، وقضيةُ ابن العلقمي وأمثاله مع الخليفة، وقضيتهم في حلب مع صاحب حلب – مشهورةٌ، يعرفها عموم الناس، وكذلك في الحروب التي بين المسلمين وبين النصارى بسواحل الشام، قد عرف أهل الخبرة: أن الرافضة تكون مع النصارى على المسلمين، وأنهم عاونوهم على أخذ البلاد لمَّا جاء التتار، وعزَّ على الرافضة فتح عكَّة وغيرها من السواحل، وإذا غلب المسلمون النصارى والمشركين، كان ذلك غُصَّة عند الرافضة، وإذا غلب المشركون والنصارى المسلمين، كان ذلك عِيدًا ومَسَرَّةً عند الرافضة، ودخل في الرافضة أهل الزندقة والإلحاد من "النصيرية"، و"الإسماعيلية"، وأمثالهم من الملاحدة "القرامطة"، وغيرهم ممن كان بخراسان والعراق والشام وغير ذلك، والرافضة جَهْمِيَّة قَدَرِيَّة، وفيهم من الكذب والبدع والافتراء على الله ورسوله أعظمُ مما في الخوارج المارقين، الذين قاتلهم أمير المؤمنين عليٌّ وسائر الصحابة؛ بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل فيهم من الرِّدَّة عن شرائع الدين أعظمُ مما في مانعي الزكاة، الذين قاتلهم أبو بكر الصديق والصحابة، ومن أعظم ما ذَمَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - الخوارج قولُه فيهم: «يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعُون أهل الأوثان»، فهؤلاء الخوارج المارقون من أعظم ما ذمَّهم به النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنهم يقتلون أهل الإسلام، ويَدَعون أهل الأوثان، وذكر: أنهم يخرجون على حين فُرْقة من الناس، والخوارج مع هذا لم يكونوا يعاونون الكفار على قتال المسلمين، والرافضةُ يعاونون الكفار على قتال المسلمين، فلم يَكْفِهم أنهم لا يُقَاتلون الكفارَ مع المسلمين حتى قاتلوا المسلمين مع الكفار، فكانوا أعظمَ مروقًا عن الدين من أولئك المارقين بكثير كثير؛ وقد أجمع المسلمون على وجوب قتال الخوارج والروافض ونحوهم، إذا فارقوا جماعة المسلمين؛ كما قاتلهم علي - رضي الله عنه". اهـ. مختصرًا.
وقال أيضًا: "والشيعة من أجهل الطوائف وأضعفها عقلاً وعلمًا، وأبعدها عن دين الإسلام علمًا وعملاً؛ ولهذا دخلت الزنادقة على الإسلام من باب المتشيعة قديمًا وحديثًا، كما دخل الكفار المحاربون مدائن الإسلام بغداد بمعاونة الشيعة، كما جرى لهم في دولة الترك الكفار ببغداد وحلب وغيرهما؛ بل كما جرى بتغير المسلمين مع النصارى وغيرهم، فهم يُظْهِرون التشيع لمن يدعونه، وإذا استجاب لهم نقلوه إلى الرفض والقدح في الصحابة.
كانوا قد أظهروها بأرض مصر، وقتلوا طوائف من علماء المسلمين وشيوخهم، كما كان سلفهم قتلوا قبل ذلك بالمغرب طوائفَ وأَذَّنُوا على المنابر: "حيَّ على خير العمل"، حتى جاء الترك السلاجقة، الذين كانوا ملوك المسلمين فهزموهم وطردوهم إلى مصر، وكان من أواخرهم الشهيد نور الدين محمود، الذي فتح أكثر الشام، واستنقذه من أيدي النصارى، ثم بعث عسكره إلى مصر لمّا استنجدوه على الإفرنج، وتكرر دخول العسكر إليها مع صلاح الدين، الذي فتح مصر، فأزال عنها دعوة العُبَيْدِيِّين من القرامطة الباطنية، وأظهر فيها شرائع الإسلام، حتى سكنها من حينئذ من أظهر بها دين الإسلام، وكان في أثناء دولتهم يخاف الساكن بمصر أن يروي حديثًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فيُقْتَل؛ كما حكى ذلك إبراهيم بن سعد الحبال، صاحب عبدالغني بن سعيد، وامتنع من رواية الحديث؛ خوفًا أن يقتلوه، وكانوا ينادون بين القصرين: "مَن لَعَن وسَبَّ، فله دينارٌ وإردب"، وكان بالجامع الأزهر عدة مقاصير يُلْعَن فيها الصحابة؛ بل يُتَكَلَّم فيها بالكفر الصريح، وكان لهم مدرسة بقرب "المشهد"، الذي بَنَوْه ونسبوه إلى الحسين، وليس فيه الحسين، ولا شيء منه؛ باتفاق العلماء، وكانوا لا يُدَرِّسون في مدرستهم علوم المسلمين؛ بل المنطق والطبيعة والإلهيَّ، ونحو ذلك من مقالات الفلاسفة.
ولأجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة، بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم نحو مائتي سنة، قد انطفأ نور الإسلام والإيمان، حتى قالت فيها العلماء: إنها كانت دارَ رِدَّة ونفاق، كدار مسيلمة الكذاب". اهـ. مختصرًا.
فإن قيل: كان هذا في زمان قد انقضى، ودهر قد مضى، قلنا:
إن المتابع لحال الشيعة المعاصرين وفضائحهم في بلاد الرافدين، وقتلهم لأهل السنة على مجرد التسمي بأسماء الصحابة، وهدمهم للمساجد المنسوبة للصحب الكرام، وتهجيرهم لأهل السنة، ومعاونتهم للغزاة الكفرة، كما فعل ابن العلقمي الشيعي، حين أدخل التتارَ عاصمةَ الخلافة العباسية - عليه لعائن الله تترى إلى يوم القيامة - بل من نظر إلى الدولة الصفوية في إيران، وكيف أنها تُعْطي الحريَّةَ الدينيَّة لجميع الطوائف، حتى اليهودِ، ولا يُسْمَح لأهل السنة والجماعة بإقامة مسجدٍ في العاصمة يُصَلُّون فيه، ولا يسمح لهم بإقامة مدارس أو جامعات لتدريس مذهب أهل السنة والجماعة؛ وهم هناك بالملايين، هذا مع إعدامهم لعلماء أهل السنة، وهذا أمر أشهر من أن يُذْكَر؛ بل هو نار على علم.
ويا لله العجب مِن تفاخُر سياسِيِّيهم بأنَّ: لولاهم لمَا استطاعت قوى الشرِّ في الغرب الكافر من احتلال بلاد المسلمين، في العراق وأفغانستان! وثالثةُ الأثافي: اعتراضُهم ومطالبتُهم للغرب بعدم التحاور والتفاوض مع مجاهدي أفغانستان، وهذا غَيْضٌ مِن فَيْضٍ، وقليلٌ مِن كثير.
فالمتابع لكل هذا يوقنُ صدقِ كلام شيخ الإسلام، ويعلم علم اليقين استحالةَ التعايش بين الشيعة والسنَّة ما داموا متمسكين بمذهبهم؛ لأنهم لا يكفون عن الكيد والنخر في عصب الأمة، ولاستحالة كفهم عن الطعن في الصحابة؛ لأنه من أصل دينهم الخبيث، وحتى لو أظهروا غير ذلك، فيكون من باب الأخذ بالتَّقِيّة، التي هي عين الكذب والنفاق، وهي - كما يعلم الجميع - من أصول عقيدتهم المدخولة.
أما قول الأخ الكريم: "هل يجوز في السعودية تدريس المذهب الشيعي، للطلبة الشيعة في الشرع والقانون؟ ولماذا لا يُجعل لهم الحق في دراسة ما يرغبون؟".
فأقول: لماذا لم يُسأل الشيعةُ الروافضُ نفسَ السؤال؟! وهم الذين يحرقون المسلمين أحياء، ويقطعونهم بالمناشير؛ كما شاهدته بنفسي على الشبكة العنكبوتية.
ولتعلم - رعاك الله - أن من المقرر شرعًا: أنه يجب على ولي أمر المسلمين المحافظة على أديان الناس، وغلق أبواب الشرِّ عنهم، فأما السماحُ بتدريس منهج الرافضة، فهو الشر بعينه، إذ كيف يسمح لهم بتدريس ما يذهب إليه الروافض: من أن أمَّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - كانت تدير بيتًا (ماخورًا) للدعارة، وأن الصحابة قد حذفوا من القرآن آيات الوصايا وغيرها، إلى غير ذلك من الكفر الصريح، والباطل القبيح؟! أيجيز عاقل هذا، أو يُسوِّغ قلب مسلم ذاك؟!
وقوله: "لماذا تُفرض المناهج السنية عليهم؟ ..."...
فجوابه: أنها تفرض لأن في ثناياها المنهج الحق، والقول الصدق؛ فلولي أمر المسلمين أن يفعل ما يعتقده صوابًا، فالأدلة العقلية والنقلية قد توافقت وتواترت على صحة منهج أهل السنة القويم، وعلى ضلال منهج الشيعة الروافض السقيم العقيم، ومن ثم فقول السائل: "شريطة ألا يوجد فيها ما يسب الصحابة" - يستحيل عقلاً؛ لأن هذا يخالف أصلاً من الأصول العقلية، وهو مبدأ الهُوية، وهو أن الشيء لا يكون غيره، فلا يكون سوى نفسه؛ إذ كيف تدرسهم مذهبًا، ظاهِرُه مذهب الشيعة وباطنه مذهب السنة؛ إذ إنك لو جردت مذهب الشيعة من خصائصه التي فارق بها مذهب السنة - فيما هو حق وباطل - فقد جعلت مذهب الشيعة هو مذهب السنة، والصواب أن يسمى الشيء باسمه، ولا يُحال به عن شكله ورسمه.
ثم إنه لا يُدرى: أهذا الكلام من خندق الشيعة أم السنة؟! وأيما كان، فهو فاسد على الوجهين:
أيرضى الشيعة أن يُدّرس لأبنائهم مما أوجبه الله علينا في القرآن، من أن نترضَّى عن أبي بكر وعمر وعن سائر الصحابة الكرام، وأن يقولوا ما أمر الله تعالى به: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ } [الحشر:10].
بل نقول تَنَزُّلاً: هل يُرضي الشيعة أن يُعرضوا ويسكتوا - ولو تقيةً فاسدةً - عن سب الصحابة وخيار الأمة - رضوان الله عليهم - بل إننا نقول قولاً جُمليًّا فصلاً، جدًّا لا هزل فيه: هل يمكنك - أيها الأخ المنصف، ومَنْ جانبه التعسف - أن تأتينا بموافقة من الروافض أنفسهم – سواء من قُم أو الجنوب - أن يُدَرّس مذهبهم مجردًا من سُداه ولُحمته، وشِعاره ودِثاره؛ من سب الصحابة - كما اقترحتَ – وتكفير الخلفاء الثلاثة، وبطلان خلافتهم، ولعن أم المؤمنين عائشة واتهامها، وتكفير جميعهم - إلا عددًا نذرًا محصورًا - مما يؤول بالضرورة الشرعية والعقلية إلى قطع الأسانيد المتواترة والمشهورة، والآحاد المقبولة، بين الأمة وكتاب ربها وسنة نبيها - صلى اله عليه وسلم – حتى يصير دين الإسلام العظيم كدين اليهود والنصارى؛ وانقطاع السند علةٌ قادحةٌ عند أهل العقل والنقل، وهذا يعود على دين الإسلام جملةً بالإهدار والإبطال، والنقض بعد الإبرام؛ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا.
إلا أننا نستعجل، ونخبرك الخبر، ولا نتركك تتمثَّل بقولهم: هل من مغربة خبر؟! القوم لا يرضون بأقل من: أن يكفَّر حَمَلَة الشريعة، ويُلعن فضلاؤها، ويُقتَّل أبرارها، وتُستباح حرماتها، وتسيل أبحرًا دماؤها، وتنتشر بين أبناء الأمة مُتعاتها؛ تشبُّهًا باليهود والنصارى، حتى صار بعضهم في ذلك لا يُجارى!! إلى غير ذلك مما هنا وهناك، وعلى الخبير به سقطتَ، وعلى ابن بَجْدَتِها حطَطْتَ.
على أننا نقول: دع عنك هذا كله، وخذ بما يأتيك:
إذا أردت أن تطاع، فأْمُر بما يستطاع، وإلا فإن رجع الروافض عن أصولهم الكبرى الكلية، فسنجتمع بعد افتراق، ونقترب بعد ابتعاد، ونستأنس بعد استيحاش، ويلم الشعث بعد انذهاب؛ فحيهلاً بهذا، وهو ما كنا نرجو، وذاك ما كنا نبغي؛ وحينئذ يعود الأمر جَذَعًا.
والذي يظهر: أن الخطاب كان ينبغي توجيهه لشيعة قُم، وآيات روافضهم: بأن تعالوا إلى كلمة سواء، بألا نسبَّ من ثبتت صحبتُهم، ولا نتهم من ثبتت براءتُه، ولا نكفر من صحت ديانتُه، ولا نستنقص من ثبت كمالُه وتتمتُه، ولا نرد خبر من ثبتت عدالتُه، ولا نخفي ما وجب ظِهارتُه، ولا نستمتع بما ثبتت حرمتُه، وما إلى ذلك مما تخفيه تقيتُه، ولا نقفو ما ليس لنا به علم؛ نحن نرضى بذلك، ولكن هل تُراهم يرضون؟ وإلى ذلك يسعون؟!
وإلا فحيهلاً بهم، ونُعمى وكرامةُ عين، وما دعوناك إلا إلى ما دعانا الله وإياك وإياهم إليه؛ فقال تعالى - فيما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [آل عمران: 103].
فذلك حبل الله، الذي أمرنا بالاعتصام والتحبُّل به؛ فهو المرجع والمصير عند التنازع، وعليه المعوّل، وهذه - لعمرُ الله - سفينةُ نوح، التي من ركبها نجا؛ إذ لا جبل يعصمه من الغرق ولا منجى، هذا خبر ما عندنا، وفي انتظار جواب ما عندهم.
ثم بربك أخبرني: هل توجد دولةٌ في العالم تقبل بهذا؟! فأعتى دول الديمقراطية في العالم - كفرنسا وانجلترا - لا تسمحان للأقليات فيها بما ذكرت.
فجميع الدول - بما فيها الدول التي تدَّعي أنها حامية الحريات - لا تقبل أن تترك مبادئها وعقائدها تُسْتباح بلا ضوابط، أو سقف أو حدود؛ فافتراض دولة محايدة بإطلاق إزاء حرية الممارسات الدينية والثقافية والاجتماعية - هو ما دعا إليه أفلاطون في (مدينته الفاضلة)، التي لا تُوجَد إلا في الأذهان، أما في الخارج فلا!!
فألمانيا تعترض على إنشاء المساجد؛ حتى لا تزاحم الكنائس، وفرنسا وضعت تشريعاتٍ لمحاصرة الحجاب ومنعه، وصادرت كتبًا لعلماء المسلمين؛ كـ"أطلس الخلق" لهارون يحيى؛ لأنه نظرية إسلامية تناقض نظرية دارون اليهودي، وقامت أحزاب وجمعيات في الدول الأوربية؛ لمناهضة المد الإسلامي في أوروبا؛ خوفًا على الهُوِيَّة الأوروبية النصرانية من الضياع، المهدَّدة بالتنامي الإسلامي، والاتحادُ الأوروبي يرفض حتى الآن انضمام تركيا إليه، على الرغم من علمانيتها القُحة المتطرفة؛ لأنهم لا يستطيعون أن يَنْسَوا جُذور تركيا الإسلامية؛ كل هذا يزيد المرء بصيرة، ويقينًا جازمًا لا يعتريه شكٌّ، على كذب تلك الدعاوى الإلحادية الملقاة على المسلمين.
الكاتب: الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
- التصنيف:
- المصدر: