شعرة معاوية وأصول مداراة الزوج
لبيت السعيد لا يقوم على المحبة المجردة، بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين. والتسامح لا يتأتى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين. والتعاون عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد، وبغيره تضعف قيم المحبة والتسامح. التعاون يكون أدبياً ومادياً..
بسم الله الرحمن الرحيم
السعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان، وكلما زاد جهد البناء كلما زادت حلاوة الشهد فيه.. وكثيرون يسألون كيف يصنعون السعادة في بيوتهم؟ ولماذا يفشلون في تحقيق هناءة الأسرة واستقرارها؟ ولا شك أن مسؤولية السعادة الزوجية تقع على الزوجين معا. فلا بد من وجود «المحبة» بينهما، وليس المقصود بالمحبة ذلك الشعور الأهوج الذي يلتهب فجأة وينطفئ فجأة، إنما هو ذلك التوافق الروحي والإحساس العاطفي النبيل بينهما، الذي يجعل كل طرف يتنكر لذاته وحظوظه، ويتفانى في إسعاد الطرف الآخر.
محبة وتسامح وتعاون
البيت السعيد لا يقوم على المحبة المجردة، بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين. والتسامح لا يتأتى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين. والتعاون عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد، وبغيره تضعف قيم المحبة والتسامح. التعاون يكون أدبياً ومادياً. ويتمثل الأول في حسن استعداد الزوجين لحل ما يعرض للأسرة من مشكلات. فمعظم الشقاق ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الآخر، أو عدم إنصاف حقوق شريكه.
مراعاة اختلاف النشأة
الزوجان تربى كل واحد منهما في بيئة تختلف: عن الأخرى، وتطبع كل منهما بطباع تلك البيئة وتقاليدها وأخلاقها، لذلك ومن الطبيعي أن يكون لكل منهما أسلوب ونمط يختلف عن الآخر في التعامل، ومنهج ينفرد به في بعض التصرفات، وإذا نظرنا إلى هذا السلوك الذي اتسم به أحد الزوجين عن الآخر نظرة منطقية فإنه لا يخلو من خمس حالات:
* الأولى: سلوك يرضى به الطرف الآخر، أو يستحسنه، وقد يستفيد منه، ويتطبع به، كجملة الفاضائل عموما: الحلم والأناة والمشورة.. ونحو ذلك.
* الثانية: سلوك لا يقف منه الطرف الآخر موقف سلبيا لا رفض فيه ولا قبول، وذلك لأنه لا علاقة له باتفاقهما أو اختلافهما، ولا أثر له على حقوق أحد منهما بالآخر، فهذا لا يؤثر على حياتهما، ولا يكون مثار جدل بينهما، كطريقة الجلوس والأكل والشرب، والرغبة في بعض المأكولات والعزوف عن بعضها الآخر، ونحو ذلك.
* الثالثة: سلوك قد يتضايق منه الطرف الآخر، ولكن من السهولة تغييره من أجل الحرص على الوفاق والوئام، كاختيار وقت الوجبات والنوم والزيارات والقراءة، فهذا يجب السعي في تغييره بكل الوسائل، لأنه يضاعف السعادة ويزيد في الأنس والمودة.
* الرابعة: سلوك يتضايق منه الطرف الآخر، ويجب تغييره، ولو كان تغييره صعباً، كعدم طاعة الزوجة لزوجها في الحلال، أو كعدم إعطاء الزوج زوجته حقوقها الواجبة لها شرعاً، أو بذاءة اللسان، أو إخلاف الوعد، أو عدم الغيرة.. ونحو ذلك، ووجوب تغيير هذا السلوك إنما هو صادر من توجيهات شرعنا الحنيف، حيث قال الله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: 19] وقال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}[البقرة: 229].
* الخامسة: سلوك يتضايق منه الطرف الآخر، ويصعب تغييره، ولكن لا يتعلق به محذور شرعي، ويمكن أن يصبر عليه الطرف المتضايق ويحتسب الأجر فيه، وهو الذي غالباً ما تنشأ عنه الخلافات الزوجية، التي قد يكون مصيرها أحياناً إلى الطلاق، كسرعة الغضب، أو الفتور العاطفي أو السلبية في المواقف، أو إظهار معنى التسلط والقوة، فهذا هو السلوك الذي يجب أن يكون بين الزوجين بسببه شعرة معاوية، بحيث إذا بلغت نتائج هذا التصرف إلى الشدة من قبل أحدهما كان على الآخر أن يرخي حتى لا تنقطع بينهما هذه الشعرة، وقد أشار النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك فقال:«لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» [رواه مسلم].
الرفق أكسير الحياة الزوجية
* أول شيء توفرين به الراحة في البيت لزوجك، هو التسامح مع أخطائه الصغيرة وعدم النقاش في أي أمر من الأمور، فإن تسامحك في أخطاء زوجك الصغيرة وعدم تكرار معاتبته فيها ولا محاسبته عليها يوجد عنده نوعاً من الإعزاز لك وعرفان الجميل.
* احترامك لرأي زوجك يوجد عنده شعوراً بالاحترام لك والارتياح لطبيعتك بل والامتنان أيضاً منك. وما أجمل هذه المشاعر إذا دخلت الحياة الزوجية، وكم تحدث من شعور بالسعادة والارتياح.
* النقاش بين المتكرر بين الزوجين يؤدي دائماً إلى تعكير صفو الحياة الزوجية، وقد يؤدي أحياناً إلى جدال حاد يحدث خلافاً كبيراً بين الزوجين، أو ربما خصاماً غير مأمون العواقب، إذ أن معظم النار من مستصغر الشرر. لذلك عليك أن تتحكمي بأعصابك عند اختلاف رأيك مع رأي زوجك في شيء ما، أو عند تباين نظرتكما إلى أمر من الأمور. ويجب أن لا تسترسلي معه في النقاش العقيم حفاظاً على صفاء حياتكما الزوجية التي فيها سعادتكما وسعادة أطفالكما.
* من المتاعب التي يجب أن تريحي زوجك وأجواء البيت منها «الفضول»، فالرجال أعدى أعداء الفضول وخاصة الأزواج الذين يعودون لمنازلهم ليرتاحوا فيها بعد دوام أعمالهم الشاقة، لا ليسمعوا سيلاً من التحقيقات ليس لها أول ولا آخر عن أعمالهم وحركاتهم وسكناتهم وطبيعة مشاريعهم وغايتهم منها ونتائجها، ومن زاره في عمله وسبب الزيارة وتصرفاته معه..
* لا ترفعي صوتَكِ في البيت إلا ساعة مداعبة وملاطفة الأطفال. فالزوج في مثل هذه الحالة لا يزعجه علو الصوت ولا الإكثار من ملاطفة الأطفال، بل ينظر إلى كل ذاك بلذة وارتياح.
* يجب على الزوجة أن تلتفت إلى ما يميل إليه زوجها من الهوايات والأعمال، فلا ريب في أن إدراك الزوجة لمدى قدرات زوجها هو أفضل وسيلة لتمهيد سبل الرقي والنجاح أمامه.
* لابد أن تتعلمي كيفية الإصغاء إلى حديث زوجك.. يجب أن تنظري إليه أثناء الكلام، فإذا وصل إلى جملة مثيرة ابرزي الحركة المناسبة أو المظهر المناسب وكأنك متفاعلة معه بكل جوارحك، وأنك على استعداد للإقدام في سبيل دفع أسباب الأذى عنه. وإذا وجدت أثناء كلامه بأنه ينتظر منك أن تتكلمين، بادري إلى مواساته في الكلام وذكريه بأن المرء يجب عليه أن يبذل أقصى مساعيه في الحياة، أما إذا لم تتحقق بعض أمانيه، فذلك أمر ليس بيده وإنما منوط بمشيئة الله تعالى.
* رد فعلك العنيف لتعليقات شريكك السخيفة سوف يزيد من نقاط الخلاف بينكما والتي يصعب عليكما التعامل معها فيما بعد، وبهذا تبدأ صغائر الأمور في التحول إلى كبائر!.. فكثير من المحادثات تزيد حدتها بشكل سلبي لا لشيء إلا أن الشريك المستمع لهذا التعليق غير المناسب قد اتخذ موقف الدفاع وأخذ الأمور بجدية بدلاً من أن يلتزم روح الدعابة.
* إياك وإفشاء ما يبثّه إليك زوجك من هموم، ولا تُفشي ذلك حتى لأمك وأبيك، ولا حتى لأم زوجك وأبيه. واحذري من إظهار مثالب زوجك، إذ أن ذلك سيرسخ في أعماق نفسه.
* لا تقارني بين زوجك وبين أحد من الرجال الآخرين على الإطلاق، وخاصة بينه وبين زملائه في العمل.
* توصل أخصائيون أمريكيون إلى أن الصباح هو أفضل الأوقات للتحدث مع الرجال، لذا ننصح الزوجات باغتنام هذه الفترة لإجراء حديث بنّاء مع الشريك إذا رغبن في الحفاظ على علاقة زوجية متينة وهادئة.
* يقول علماء النفس: «عندما يأخذ الشخص كل الأمور بجدية تتغير حالته المزاجية وأسلوبه في الكلام ونبرة صوته بل وإشاراته ويكون حاد الطباع وقاس، مما يزيد الفجوة بينه وبين الآخرين». وليس هناك إلا طريقة واحدة لتجنب ذلك والاستمتاع بحياتك الأسرية وتحقيق السعادة الزوجية وهي أن تتمتعي بروح الدعابة والقدرة على أن تسخري من نفسك، فبدون ذلك سينتهي بك الأمر بالمعاناة.
* قومي بتنمية مشاعر الصداقة بينكما.. في معظم الأحيان تأتي الصداقة بين الشريكين في نهاية سلم أولوياتهما. لذلك خصصي وقت أكبر لقضائه مع الشريك لتعزيز العلاقة وتنشيط المشاعر. حاولي مشاطرته الحديث في نهاية النهار لأن ذلك يشعره بقربك منه.
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: