إدارة ميزانية الأسرة
حذاري من القنوط.. ذلك الإحساس الذي يراود أفراد الأسرة بعد مرور فترة من الزمن على المشكلات الاقتصادية دون حل أو تحسن حيث يتحول هذا الإحساس تدريجياً إلى حالة من الكراهية تنصب على الأسرة ذاتها وتزعزع ثقة الأسرة بنفسها، فتنتهي إلى الانطواء أو في بعض الأحيان إلى التفكك الأسري.
بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر ميزانية الأسرة من القضايا الشائكة التي تظل أحد أهم أسباب عدم الاستقرار الأسري، بل والسبب رقم «واحد» للمشاجرات الزوجية، كما أنها من أهم دوافع معظم حالات الطلاق.. فالواقع العملي للحياة أصبح صعبا نتيجة لكثرة الاحتياجات والطموحات والمتطلبات المادية المتزايدة، ولذلك على الزوجة أن تشارك زوجها في تدبير نفقات الحياة التي تضاعفت وتعقدت كثيرا في هذا العصر، فالحياة الزوجية قبل كل شيء تعاون وتوافق، وفي ظل المتطلبات الحياتية الكثيرة والتطلعات والأعباء الموجودة في المجتمع أصبح من الضروري أن يساند بعضنا البعض في كل الأمور.
* بداية لابد من التأكيد على أن الأسرة تسير بتناغم ركنيها الرئيسيين «الزوج والزوجة»، فكلاهما مكمل للركن الآخر، بل لا يستطيع أحد ركني الأسرة أن يتحمل المسئولية كاملة دون مشاركة الجانب الآخر، مع الأخذ بالاعتبار أن رب الأسرة (الزوج) المسئول عن الموارد المادية الخاصة للأسرة بشكل أساسي، وغالبا ما تتحمل الزوجة مسؤولية الإنفاق بسبب ظروف عمل الزوج وانشغالاته خارج المنزل، فكلا الزوجين عليه أن يتحمل مسئوليته ولا يرهق الطرف الآخر بتحميله أكثر من طاقته، خاصة وإن كانت موارده معلومة للطرف الآخر، ومحدودة في نفس الوقت.
* يخطئ من يعتقد أن تنظيم ميزانية شهرية لمصروف الأسرة هو من اختصاص ذوي الدخل المحدود فقط، فالجميع بحاجة إلى مثل هذا التنظيم لمعرفة ما يدخل من إيراد وما يخرج على شكل نفقات.
* لا توجد هناك ميزانية محددة يتم تعميمها على الأسر كافة، فحجم الإنفاق يختلف من مدينة إلى أخرى، ومن أسرة إلى أخرى، معتمداً على دخل الأسرة وعدد أفرادها، واختلاف مستوى المعيشة أيضاً. وأفضل الميزانيات هي التي يتم تحديدها من قبل الزوج والزوجة معا.
* من المهم توحيد مصدر الإنفاق في الأسرة، فإما أن يكون الزوج أو الزوجة، حتى لا تحدث ازدواجية وتخلخل في عملية الإنفاق بشراء أشياء قد لا يتم الاتفاق عليها مسبقا أو لا تحتاج الأسرة إليها في الوقت الحالي، بما قد يؤدي إلى إهدار المبلغ المخصص للفترة الزمنية المستهدفة قبل انتهائها.
* من الأمور التي ترشد مصروفات الأسرة وتزيد مدخراتها، معرفة الأولويات في المصروفات وكيفية التعامل معها، فمن الضروري أن يقوم الزوجان عند شعورهما بكثرة المصروفات المنزلية وعدم انضباطها: وضع جدول شهري لمعرفة مصادر الإنفاق، ثم مراقبة البنود التي يزداد فيها الصرف، فيبدآن بترتيب البنود حسب الأولوية، آخذين بعين الاعتبار تقدير الزمان والمكان والظروف العائلية. فقد يكون لأمر ما الأولوية في شهر رمضان – مثلا - ولا يكون كذلك في باقي أشهر السنة، أو أن يكون لشيء أولوية في الصيف عنه في الشتاء. فالزمان والمكان والظروف تحدد الأولويات.
* المرأة في الغالب تكون حريصة وليست بخيلة، وهذا الالتباس يقع فيه كثير من الأزواج إذ الفارق بينهما شعرة، فالحرص صفة تختلف تماما عن البخل، والمرأة البخيلة تكون مذمومة كالرجل أيضا، ومحط سخرية من قبل الناس وهي لا تتمتع عادة بمشاعر الأنوثة الرقيقة، وتغلب عليها الأنانية، وتفتقد معاني الحب والعطاء، بينما المرأة الحريصة تتمتع بحسن التدبير، فهي مدبرة منزل من الدرجة الأولى، تعرف كيف تنفق المال، وتضع النقود في مكانها الصحيح، فهي إنسانه حكيمة، وما أسعد الرجل الذي ترتبط به خاصة صاحب الدخل المحدود حيث تكون خير معين له في معترك الحياة.
* لابد وحتما من وجود برنامج ادخاري مهما كان صغيرا لمواجهة الطوارئ التي تتعرض لها الأسر، ويفضل تحديد المبلغ المراد ادخاره، ويجب أن يكون من البنود الأساسية في الميزانية على ألا يصبح عائقا للمصروفات الأساسية ولا يعطيها أقل من حقها.
* في بداية الزواج يكون الادخار أسهل من أي وقت آخر خلال رحلة الحياة الزوجية؛ وذلك لعدة أسباب منها: أن عدد أفراد الأسرة الجديدة صغير، وبالتالي فإن مصروفاتهم اليومية بسيطة. عدم احتياج عش الزوجية لصيانة مكلفة ولا للتجديد، فالشباب في الغالب يبدئون حياتهم الزوجية بعد شراء كل احتياجاتهم الأساسية من ملابس وأجهزة كهربائية وأثاث.. وبالتالي فالمتزوج حديثا عليه أن يتحمل مسئولية حياته المستقلة منذ اليوم الأول بالادخار استعدادا لطفل ينعم به الله عليه أو أي التزامات أخرى قد تطرأ لا تكون في الحسبان.
* تدريب الطفل على إدارة ميزانية المنزل يبدأ من الطفولة بتعويده على أشياء صغيرة تساعده في المستقبل على تحمل تلك المسئولية، فالمحافظة على نقطة المياه وومضة الكهرباء.. وغيرها تجعل الطفل يقدر قيمة أي شيء مهما كان قليلا، خاصة وإن ارتبط الأمر بالقيم الدينية التي تعتبر المبذرين إخوان الشياطين، فينبغي أن نعوّد الطفل مثلا على عدم إلقاء باقي وجبة الطعام، بل نحتفظ به لنستخدمه في اليوم التالي، أو نتبرع به لمن يستفيد منه، ونعوّد الطفل أيضا على ألا يشتري إلا ما يحتاج إليه فقط، ولا نلبي كل طلباته لاسترضائه حتى وإن توافرت القدرة المالية على ذلك، وشيئا فشيئا تصبح هذه التوجيهات عادة يشب عليها الصغير ويشيب عليها الكبير.
* قبل البدء في شراء أي سلعة عليك عزيزتي الزوجة بالتفكير أولا في: مدى حاجتك لهذه السلعة؟ وما هي القيمة التي ستفيدك وأسرتك من هذا المنتج؟ وهل هو من الأنواع المرغوبة لدى أفراد الأسرة؟ ومدة الصلاحية للمنتج إذا كان يتعلق بالغذاء؟ فالعصائر الطازجة والألبان محدودة الصلاحية - مثلا - لا ينبغي زيادة الكمية المشتراة عن حاجة يوم أو يومين على أكثر تقدير، بعكس السلع التي يمكن تخزينها كالأرز والمعكرونة وسائر الحبوب، ومن الأفضل إعداد قائمة بالمواد التي تريدين شراءها قبل الذهاب للسوق، وذلك تجنباً لشراء أغراض قد لا تحتاجين إليها، وإذا دعتك نفسك إلى شراء منتج غير مكتوبة في القائمة، فيمكنك ذلك على أن تلغي بالمقابل بندا موجود في القائمة.
* ابتكري طرقا جديدة للاقتصاد في المصروفات كأن تمتنعي بقدر الإمكان عن شراء الأغذية عديمة أو حتى قليلة القيمة الغذائية، ومن الأفضل أن تشتري الأدوات والأجهزة والمعدات التي يمكن إعادة استخدامها مرات عديدة مثل الملاعق والشوك والأطباق والأكواب المعدنية وغيرها، وتجنب شراء مثل هذه الأدوات ذات الاستخدام الواحد كالملاعق والشوك البلاستيكية أو الأطباق والأكواب الورقية، فإن هذا يثقل كاهل المستهلك ويؤثر على ميزانية الأسرة، أيضا يمكنك تحري أوقات الأوكازيونات والشراء من تجار الجملة من أجل الاستفادة من الخصومات على الأسعار. الاعتماد على العبوات ذات الحجم الاقتصادي لاستخدامها طول الشهر. في إقامة العزائم والحفلات الخاصة احرصي على تقليل الكمية وتكثير النوعية.
* حذاري من القنوط.. ذلك الإحساس الذي يراود أفراد الأسرة بعد مرور فترة من الزمن على المشكلات الاقتصادية دون حل أو تحسن حيث يتحول هذا الإحساس تدريجياً إلى حالة من الكراهية تنصب على الأسرة ذاتها وتزعزع ثقة الأسرة بنفسها، فتنتهي إلى الانطواء أو في بعض الأحيان إلى التفكك الأسري.
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: