من ينهي الحكاية - مذكرات مرابطة (15)
سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).
قلعة_المبعدات:
إبعادي الرابع لمدّة ثلاثة أشهر، كانت أعداد المبعدات معي فيه كثيرة جداً، بعد أن ضاق الاحتلال بنا ذرعاً، فيوماً نغلق مشارب المياه عن أفواههم العفنة ثم نقف مكتوفات الأيدي وكأننا لم نفعل شيئاً، والتكبير الذي كنا نصمّ آذانهم به، وإصرارنا الذي أصنفه بالأسطوريّ حتى اضطرهم للدخول من بوابة المغاربة باتجاه السلسلة باقتحامٍ صوريّ دون أن يجرؤوا على المرور بمعالم الأقصى الأخرى كما كانوا يفعلون سابقاً.
فكرتُ وأنا أرى أعداد المبعدات بازدياد بفكرةٍ جديدة، ناقشت المحامي بها، ثمّ بدأتُ بطباعة منشوراتٍ توزع على المقتحمين وحتى على المصلين بعنوان "لماذا أبعدنا عن الأقصى"، ثمّ زيّ موحد للمبعدات بسترةٍ مطبوع عليها "أنا مبعد عن الأقصى" يُعرفن بها، ولافتةٌ كبيرة لافتة للانتباه مكتوب عليها "هل تعرف لماذا نحن هنا؟ اسألنا" وباللغة الانجليزية لمن لا يجيد العربية "
Do you know why we here, ask us
جنّ جنون الاحتلال، فقام باحتجاز هذه اللافتة منّا حين رآها تؤتي أُكلها، وتحقق نجاحاً من كثرة سؤال السياح لنا عن سبب وجودنا، وقام بتغريمنا مبلغاً مالياً بدل ارتدائنا للسترة الموحدة.
كنّا قد انتقلنا لبوابة السلسلة حيث مكان خروج قطعان الخنازير المقتحمة للأقصى، والسياح من مختلف الأديان والجنسيّات، نواصل حلقات العلم، ونواصل التكبير على أعين المستوطنين وسمعهم، ونتحدث إليهم باللغة الانجليزية لمن لا يجيد العربية نحدثهم بظلم الجيش الذي يدعي أنه لا يقهر، وقهرته النساء فأبعدها عن مسجدها، وسمح للكل بالولوج سواها.
كان رباطنا في تلك القلعة حيوياً فعالاً رغم تزايد عدد المبعدات، وازدادت المشاحنات والمشاكل بيننا وبين المقتحمين، فنفد صبر الاحتلال وبدأ بإظهار حيوانيّته المكبوتة في جموع النساء الصابرة المبعدة، التي كانت تصرّ على الرباط حتى تحت المطر الشديد، تبتلّ الثياب ونستمرّ بالرباط حتى تنتهي الجولات الاقتحامية.
صرنا هدفاً لهراواتهم النجسة، بعد أن ضاعفنا عليهم العمل حين طلبوا إمدادات جديدة من الشرطة والمخابرات والمجندين لقمعنا والسيطرة علينا وحماية المستوطنين اللصوص الخائفين، يرموننا بقنابل الصوت والغاز والفلفل الحار، يضربوننا بلا رحمة، ينزعون حجاب إحدانا بلا أدنى خجلٍ، أحرقت القنابل ثياب الأخوات، وأحرقت أجساداً، وكسرت وحشيتهم وحيوانيتهم عظاماً وأسناناً، كنا نُنقَل للمستوصف الصحي لتلقي الإسعافات الأولية ونعود لقلعتنا الصامدة صامدين، على عدونا ظاهرين، لا يضرّنا من خذلنا ولا من خذل صوت تكسير عظامنا وصرخة استجدائنا، فلو برجلٍ نخوة المعتصم لكان استجاب لصرخات استجداء الأقصى من قبلنا.
سنظلّ مرابطاتٍ ولو فقدنا في سبيل ذلك أغلى ما نملك، لا ضير، فالأقصى أغلى قيمةً وأطهر.
ولو قطعونا تقطيعاً فلن ننكسر.
لقد بدأ صوتنا يصل للعالم أجمع ولن ننثني أبداً عما بدأناه ولو كانت أرواحنا هي الثمن.
يتبع...