من ينهي الحكاية - مذكرات مرابطة (17)

منذ 2017-09-05

سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).

قَهرنا وما قُهرنا:

كنت أهبط الدرج متجهةً للبوسطة وأنا أتشوّق للمرور بساحة البراق،، جزءٌ مهمٌ من معالم أقصانا الحبيب دنّسه اليهود ومنعونا من الوصول إليه.

بطّأتُ مشيتي وأنا أتلفّت في الساحة حولي أتأملها بتفاصيلها، وأطبع على قلبي صورتها، لعلّ أجمل شيءٍ فعلوه أنهم اقتادوني لبوسطة السجن ولم يكتفوا بالتحقيق في مركز بيت الياهو لأمرّ بهذه الساحة المتأصلةِ نوراً وبركة، إلا أنّ رؤيتي للكفرةِ يحتلون الساحة عكّر صفو المشهد، بتراتيلهم التي تتكئ على عقلٍ أعرج، وأوراقهم البلهاء التي يملؤون شقوق الحائط المبارك فيها تحمل أمانيهم وترهاتهم، وذلك الجسر الخشبي الذي نصبوه ليلجوا للساحة من خلاله.

وجدت معي في بوسطة السجن مسناً من رواد الأقصى معتقلاً، احتسبتُ لله أمرنا حتى وصلنا لغرفة التحقيق التي استمرّت حتى وقتٍ متأخر، وكانت المرة الأولى التي أسأل فيها عن محادثاتي في الواتساب والمسنجر ومكالماتي خلال فترةٍ ليست بالقصيرة موثقةً بالدقيقة والرقم والاسم والتاريخ، واتهموني بالتخريب والتحريض.

انتهى التحقيق الشاقّ بوقتٍ متأخر فأحضروا زوجي ليكفلني بأن يعيدني للمحكمة صباح الغد، خرجتُ وأنا أسلّم لله أمري وتواصلتُ مع المحامي أحدّثه بما حصل، فأخبرني أن المكالمة الواحدة أو محادثة الواتساب الواحدة تكلّف الاحتلال مبلغاً ليس قليلاً لتفريغها وترجمتها، شعرتُ بالغبطةِ وأنا أفكر في كمّ النقود الذي أنفقه الاحتلال ليتابع محادثاتي التي تتجاوز المئات في اليوم، ومكالماتي التي تقارب الثلاثين مكالمة، وأدركتُ كم هو رعبٌ حقيقيّ لهم وقوفنا في طريقهم ورباطنا في ساحات الأقصى المبارك.

عرضتُ صباح اليوم التالي على محكمةٍ ظالمة أقرّت بكلّ التهم الموجهة إليّ، وحكمت بإبعادي ثلاثين يوماً عن المسجد الأقصى، وأنا التي لم أعد إليه إلا منذ يومين، كما حكمت علي بغرامةٍ مالية بقدر ١٠٠٠ شيكل وكفالة مالية بقدر ٥٠٠٠شيكل.

هذا هو الجيش الذي بُح صوته وهو يتغنى بأنه الجيش الذي لا يقهر، مرّت الأيام لتثبت أن نسوةً لا حيلة لها ولا سلاح تملكه سوى "الله أكبر" قادرةً على قهره وكسر شوكته، وليكتب التاريخ أنهم ما كسروا لنا جناحاً ولا هزوا في أجسادنا رمشاً.

يتبع...

المقال السابق
مذكرات مرابطة (16)
المقال التالي
مذكرات مرابطة (18)