عن إبراهيم وآل إبراهيم.. (8)
إن كل دعوة تنتسب الى الإسلام لا تسعى الى الإصلاح العام وتعديل الحياة وتصحيح الانحراف وإعادة الإسلام للوجود القانوني والقيمي والحضاري والجاد والمكافيء.. كل دعوة لا تقوم بهذا قد انحرفت عن درب إبراهيم عليه السلام.
الأمة التي شغلت إبراهيم عليه السلام:
كان معنى (الأمة) حاضرا عند إبراهيم؛ فلم يكن يتعبد بصيغة فردية فقط، في عصر لم تكن الأعداد ضخمة ولا الدول متماسكة مثل الوضع المعاصر، ولم تكن تشكل وحدات سياسية متراصة ومتشابكة مثل اليوم، ولم يكن للدولة دور متغول على تربية النشء وقيم الناس واقتصادهم ولقمة عيشهم مثلما نرى الدولة الحديثة ذات المؤسسات المتغولة والطاغية..
ومع هذا لم يكتف إبراهيم بنجاته الفردية ولا الإستسلام الفردي بل كان يسعى نحو (الأمة) ويطلب من ربه ويدعوه أن تنشأ من ذريته (أمة مسلمة) {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}.
وكان يدعو لهذه (الأمة) القادمة! ويسأل لها ما يهديها ويحفظ لها دينها.. {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
أمة تحمل الإسلام كعقيدة، وتحمل الإسلام كنظام وقانون، وتحمل الإسلام كهوية وولاء، وتحمل الإسلام كقيم وأخلاق، وتحمل الإسلام كصبغة ومشرب حضاري.
إن كل دعوة تنتسب الى الإسلام لا تسعى الى الإصلاح العام وتعديل الحياة وتصحيح الانحراف وإعادة الإسلام للوجود القانوني والقيمي والحضاري والجاد والمكافيء.. كل دعوة لا تقوم بهذا قد انحرفت عن درب إبراهيم عليه السلام..
لم يكن الإسلام دينا فرديا عند إبراهيم وآل إبراهيم، ولم يتركوا الحياة ليفسدها الطغاة، بل واجهوا الطغاة، ودعوا لوجود أمة، وأنشأوا أمة، وقرروا الحق وواجهوا به، وورّثوه فيمن بعدهم وتركوه حيا نابضا يرجع الناس اليه دائما.. {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
لعلهم يرجعون كلما نسوا، ولعلهم يفيئون كلما ابتعدوا.. وما زلنا نقول (لعلهم يرجعون) الى الإسلام كنظام وقانون، وكهوية وولاء، وكقِيم وأخلاق، وكصبغة ومشرب حضاري..
لعلهم يرجعون..
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: