السلفيون والواقع السياسي الجديد

منذ 2011-04-30

السلفيون بدأ الكلام عن السلفيين يتردد في أجهزة الإعلام العربية المختلفة في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ حيث كان الاهتمام بالإسلاميين من قبل ينصب حول الإخوان والجهاديين، ورغم أن الحديث غالبا ما يدور عنهم بشكل سلبي إلا أن هذه الظاهرة تعني أن للسلفيين وجودا

 

السلفيون بدأ الكلام عن السلفيين يتردد في أجهزة الإعلام العربية المختلفة في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ حيث كان الاهتمام بالإسلاميين من قبل ينصب حول الإخوان والجهاديين، ورغم أن الحديث غالبا ما يدور عنهم بشكل سلبي إلا أن هذه الظاهرة تعني أن للسلفيين وجودا قويا على الأرض وأن مناخ الحرية الذي بدأت بعض البلدان العربية تتمتع به بعد الثورة سيعطيهم الفرصة لاكتساب المزيد من الشعبية وهو ما يقلق العديد من الأطراف، و ما يهمنا الآن هو كيفية تعامل السلفيين مع الواقع الجديد والاستفادة منه وعدم التقوقع من جديد أو قصر الاستفادة من هذا الواقع على بعض الانشطة التقليدية من حلقات ودروس وندوات والتي طالما مارسها السلفيون كلما أتيحت لهم الفرصة، حيث عانوا في بعض الفترات من قمع حرمهم من ممارسة أبسط حقوقهم الدعوية...


لا شك أن نجاح الثورات العربية أعطى السلفيين دفعة قوية ولكن على ما يبدو ولأن الاحداث جاءت متسارعة لم يتمكن السلفيون من وضع استراتيجية مناسبة تمكنهم من التحول من شريحة دعوية تتأرجح شعبيتها بحسب الحرية المتاحة لها من قبل السلطة لأداء مهمتها، إلى قوة ضغط فاعلة في المجتمع ..


لقد رحب السلفيون في البداية بتكوين حزب سياسي في مصر للمشاركة في الحياة الاجتماعية بشكل واسع ثم تراجع بعضهم وجدد الخطاب السلفي القديم حول الاحزاب السياسية، والقضية هنا ليست جواز أو عدم جواز قيام أحزاب في الدولة الإسلامية ولكن نحن بصدد واقع سياسي محدد وهو يسمح بقيام أحزاب لتكون وسيلة لنشر أفكارها والوصول للحكم بشكل سلمي؛ فهل يترك المجال للعلمانيين للسيطرة على الساحة السياسية وجمع الجماهير بشعاراتهم الزائفة والوصول للحكم؟! كان البعد عن السياسة في وقت الاضطهاد والإرهاب الامني مقبول أما وقد فتح الباب على مصراعيه للجميع فمن باب أولى أن يقدم السلفيون أطروحاتهم على الجماهير خصوصا مع ما يشاع عنهم بأنهم لا يشغلون أنفسهم إلا بالخلافات الفقهية وأنهم لا يملكون مشروعا للحكم الإسلامي ولا يستطيعون بلورة حلول لمشاكل المجتمع المختلفة بمنظور إسلامي، وهي اتهامات قد توجه إليهم ليس فقط من الاتجاهات العلمانية ولكن من بعض الاتجاهات الإسلامية أيضا، كما أن الانخراط في العمل السياسي سيعطيهم خبرة في التعامل مع عوام الناس الذين لا يقصدون المساجد ولا يستمعون لدروس العلم وسوف يكسر الكثير من الحواجز التي تحول بينهم وبين هؤلاء والذين تم تغييبهم وترهيبهم طوال السنوات الماضية من "أصحاب اللحى الذين يحملون البنادق تحت ثيابهم لقتل الأبرياء"، كما أشاع إعلام الانظمة المستبدة..


إن الحملة التي تشن الآن على السلفيين هي في جزء منها محاولة لإخافتهم وإخافة المجتمع منهم ليرجعوا للانزواء في زواياهم مكتفين بتدريس كتب العقيدة والفقه والحديث للعشرات أو للمئات وهذا وإن كان جانبا هاما ينبغي ألا يهمل إلا أن الانفتاح على شرائح أخرى من المجتمع بوسائل جديدة وربط الإسلام بواقع الناس السياسي والاجتماعي والاقتصادي ونشر الوعي بشأن الشريعة الإسلامية واهميتها وشمولها وملائمتها لكافة العصور لا يقل أهمية وهو ما سيتيحه إنشاء حزب سياسي أو على الاقل المشاركة السياسية بأي شكل من الاشكال..ليس من العيب أن يعترف السلفيون أنهم لا يملكون خطة للمشاركة كما أنه ليس من العيب أن يعترفوا أنهم يحتاجون لوقت لتمحيص الامر وإعداد البرنامج المناسب لكن من العيب كل العيب أن يسارعوا في اتخاذ مواقف غير مدروسة تصب في الأخير في مصلحة أعداء المنهج الإسلامي..ومما ينبغي الالتفات إليه أن المشاركة السياسية لن تعيق الحركة الدعوية ولن يشارك فيها بالضرورة القيادات الدعوية التي لا ترى في نفسها كفاءة لخوض هذا الغمار فالأمر سيحتاج في الغالب لقيادات شابة على دراية أكثر بحركة المجتمع وافكار الشباب مع الاستفادة من علم القيادات الكبيرة وحكمتها في التأصيل الشرعي...


لفترة كبيرة ظنت بعض الاتجاهات السلفية أن الكلام عن الواقع والسياسة من الامور التي تضيع الوقت بل وصل الامر ببعضهم إلى التجاهل التام لقراءة الصحف ومتابعة الأخبار عبر الفضائيات ولعل من إيجابيات الثورات العربية هي مراجعة هذه التيارات لموقفها ونزولها لأرض الواقع والتحدث عن مشكلاته..قد لا تتفق جميع التيارات السلفية على المشاركة السياسية ولكن الأهم ألا تدخل في حرب تحريم وتبديع تؤدي إلى بعثرة جهودها وإضاعة فرصة ذهبية لترسيخ وجودها..


ولا يظنن أحد أن مناخ الحرية المتاح الآن سيظل إلى الأبد بدون مجهود وفاعلية ومشاركة للحفاظ عليه؛ فالنظام في الدول التي اندلعت فيها ثورات لا يزال غير مستقر ولو لم يكن التيار السلفي والإسلامي بشكل عام جزء من المعادلة التي سيستقر من خلالها النظام لن يستطيع أن يحمي نفسه بعد عدة سنوات وسيتم الانقلاب عليه كما تم ذلك في مرات عديدة.


20/5/1432 هـ
المصدر: خالد مصطفى - موقع المسلم