مصر و رحلة البحث عن هوية

منذ 2011-05-02

بداية يجب أن ندرك أن العالم الإسلامي قد نام في سبات عميق لفترة طويلة، ابتعد فيها عن الإسلام كمنبع للدين والبناء، وابتعد عن البناء الحضاري لأمته وانغمس في تحقيق شهوات و مصالح فردية..



بداية يجب أن ندرك أن العالم الإسلامي قد نام في سبات عميق لفترة طويلة، ابتعد فيها عن الإسلام كمنبع للدين والبناء، وابتعد عن البناء الحضاري لأمته وانغمس في تحقيق شهوات و مصالح فردية. تلك الفترة غاب فيها المشروع الإسلامي عن الساحة فترك المساحة خالية لغيره، يلعب فيها كما يشاء. و بكلمة مشروع إسلامي نعني مشروع لبناء أمة غايتها إصلاح الكون كله بالدين.

فصاحب وتلى تلك الفترة حقبة طويلة من الذل مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا".

ومع قدوم الحملة الفرنسية على مصر وبداية الاحتكاك مع الغرب في ثوبه الجديد، استيقظ العالم الإسلامي على كابوس مرعب. وهنا تبدأ قصتنا:


يمكنك تقسيم عملية الاحتكاك مع الغرب إلى أربعة مراحل:

الأولى مرحلة الانهيار الحضاري والانهيار النفسي:
فقد فوجئنا بأننا أقزام أمام عمالقة، وكان رد الفعل "مركب نقص" حضاريا شديدا، أفقدنا كل ثقة في قيمنا و كياننا، وجعلنا نتهافت على النقل والتقليد بلا تمييز، فكانت صيحات التفرنج ومحاولات تحويل مصر إلى "قطعة من أوروبا". في هذا الوقت كان التقليد قد وصل إلى درجة لا يتخيلها البعض، حتى أنه قد وصل إلى المدارس الإسلامية الفكرية التي ظهرت في هذا الوقت. هنا كانت الشعوب و الحكام في مرحلة هزيمة نفسية و انهيار فكري على حد سواء.

وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل له: اليهود والنصارى، قال: فمن.


ثم بدأت المرحلة الثانية: وقفة مع النفس.
فبعد أن خبرنا ومارسنا دخائل الحضارة الجديدة - والإلف يورث الاحتقار - زال الانبهار وعادت إلينا بعض الثقة في أنفسنا وأدركنا فضلنا غير المباشر في أصول هذه الحضارة.

ليس ذلك فحسب، بل قد ظهرت آثار التقليد الأعمى الاجتماعية الخطيرة والانهيار الأخلاقي والديني الذي حدث بعدها. لقد كانت النتيجة هي إفاقة الحركات الإسلامية في أول الأمر من هذه الغيبوبة الفكرية التي أخذت عقودا من الزمان. وقد كانت نكبة 1967 علامة فارقة لإفاقة الشارع في أرض الكنانة و أرض الكنانة كما وضحنا مفتاح التحول الفكري شاءت أم أبت لموقعها الوسيط وكتلتها البشرية. تلك المرحلة سمها إن شئت وقفة مع النفس.


ثم بدأت المرحلة الثالثة: إعادة البناء الفكري لأمة الإسلام
وهي محاولة إعادة البناء، البناء الحضاري لأمة الإسلام ولكن بالاعتماد على التعاليم الربانية. هي مرحلة بناء وتطوير، بناء للمجتمع على أسس إسلامية، و بدأت تلك المرحلة تؤتي ثمارها وكانت باكورة تلك الثمار في حرب رمضان/أكتوبر. إلى هنا كانت الشعوب و حكامها على مسافة ليست ببعيدة عن بعضهم البعض.


المرحلة الرابعة: الحكومات البوليسية
جاءت القاصمة مع اتفاقية كامب ديفيد حيث بدأت الحكومات في الافتراق عن الشعوب، وتحول دورها من قيادة الشعب والاستفادة بما لديه من قدرات ومواهب، إلى دور الشرطي الذي يقمع الشعب، ويحاول أن يئد أي محاولة للتغيير والإصلاح والبناء وذلك لأنهم كانوا لا يزالون يعيشون في عباءة التبعية ورفض الهوية الإسلامية الواضحة لأمتهم. و مع الوقت والانغماس في مستنقع العمالة رويدا رويدا وابتعاد الشرفاء بطبيعة الحال و انجذاب الأنذال لذلك المشروع زاد انغماس الحكومات أكثر وأكثر حتى وصل الشعب وحكومته إلى مرحلة من التنافر لا يمكن لها أن تستمر أكثر من ذلك. إن شئت أن تختار مسمى لتلك المرحلة فهي ما أطلق رابين عن مشروعه للاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية (Let the Palestinians Police Palestinians).


واستمرت الحركة الإسلامية في البناء بكل ما أتيح لها من أسباب، رغبة منها في رفعة أمتها وعلوها وعودتها إلى دورها الحضاري. وقد أخذ هذا البناء يؤتي ثماره في شباب وفتيات هم وبحق أمل هذه الأمة ومستودعها الاستراتيجي.

والقلب يحدثني أن هذه المرحلة ستتغير قريبا، فلا يمكنك أبدا أن تقاوم مد فكري ناصع البياض في وضوحه، نبيل في أهدافه، وذلك لقوة الحق الرباني الذي معه، الحق الذي يتغلغل في النفوس فلا تستطيع أبدا أن تقاومه، وعندها سيلتحم ذلك الشباب مع أمته، ويلتف حول قيادات تجمع بين خبرة الدين والدنيا. لتبدأ وبحق إشراقة شمس غابت طويلا. وليخرج العالم من الظلمات إلى النور.


و أخيرا الثورة:
ثم امتن الله على أرض الكنانة بإشراقة شمس جديدة ستبدأ بعدها رحلة البناء الحقيقي لدولة العلم و الإيمان لتعود أمتنا الإسلامية عالية شامخة تنشر الحق والعدل في أرجاء العالم كله بإذن الله.


محمد نصر
21 - ذو القعدة - عام 1431 هـ
29 - أكتوبر - 2010 م

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام