أسئلة من ملحد
والتوهم بأن الدعاء هو حل كل المعضلات الأرضية في رحلة الخلافة هي طفولة عقلية وعدم فهم، وهي خلط بين مرحلة الجنة التي ضمن الله الرزق لآدم وزوجه عندما قال {إِنَّ لَكَ أَلّا تَجوعَ فيها وَلا تَعرى* وَأَنَّكَ لا تَظمَأُ فيها وَلا تَضحى} [طه: ١١٨-١١٩].
سألتني:
عندي صديق يقول إنه على وشك الالحاد لأنه ملحد بالعقل وبالقلب ويؤمن وجود الله بالاسم فقط أمام الناس لأنه شيء نشأنا عليه، ولديه الكثير من الأسئلة مثل: هل الله له حكمة في كل شيء؟ مثلا حرب سوريا ليس قادر يوقفها وتبطل الناس تتنقل وتموت وليس قادر أن يكشف اميركا والطغاة ويعاقبهم؟
وليش مش بستجيب لدعوات ملاين الناس وليش الناس الي بتقتل وبتنهب تخلقهم من الاساس، انا فعليا في داخلي عندي اجابة لكل هاي الاسئلة ومقتنعة بالحكمة منها كلها، بس مش عارفة كيف اعبر وارد عليه، بحكي انا بحاجة اجابات مقنعة،عجزت لما جيت اعبر، وهالانسان مهم جدا بالنسبة الي وبتمنى يفهم..
فأجبت:
مشكلتنا كمسلمين وكبشر عموما أن أغلبنا لا يفهم أن الله قد كرمنا بالمسئولية، وأننا خلفاء في الأرض ولسنا أطفالا، وأنه ليس على الله أن يتدخل في كل شيء حتى يفعل الصواب لنا، وذلك أننا لم نفهم معنى الخلافة، فالخلافة مسئولية، وآدم الخليفة الذي هبط من الجنة ليشقى ويكدح إلى ربه كدحا فيلاقيه لم يهبط إلى الأرض ليظل في مرحلة طفولة الجنة، فإن كان الله قد قال لآدم وزوجه في الجنة.. {وَقُلنا يا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنها رَغَدًا حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكونا مِنَ الظّالِمينَ} [البقرة: ٣٥].
فهذا قد كان قبل النضوج، أما بعد أن بلغ نفسيا وأصبح أهلا للخلافة فقد قال لآدم {قُلنَا اهبِطوا مِنها جَميعًا فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ} [البقرة: ٣٨].
هنا قد كبر آدم وبلغ نفسيا، ولم يرسله الله الأرض كي يتدخل وينقذه من كل عثرة يقع فيها حتى لو كانت هذه العثرة بسبب حماقاته، لكنه أعطاه القانون العام {فَإِمّا يَأتِيَنَّكُم مِنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ}[البقرة: 38]، وهو أنه مسئول عن أفعاله، وأن عليه وعلى بني آدم كلهم أن يلتزموا الناموس، وهو أن السير على شرع الله نتيجته الطبيعية هي الخير، أما ترك هذا الشرع فإن النتيجة الطبيعية هي الحزن والشقاء.
والتوهم بأن الدعاء هو حل كل المعضلات الأرضية في رحلة الخلافة هي طفولة عقلية وعدم فهم، وهي خلط بين مرحلة الجنة التي ضمن الله الرزق لآدم وزوجه عندما قال {إِنَّ لَكَ أَلّا تَجوعَ فيها وَلا تَعرى* وَأَنَّكَ لا تَظمَأُ فيها وَلا تَضحى} [طه: ١١٨-١١٩].
وبين مرحلة التكليف التي فيها الرزق مرتبط بالعمل، والتي فيها يكون الإنسان مسئولا عما يفسده فالحروب والمجاعات هي نتيجة طبيعية لإفساد الناس في الأرض بابتعادهم عن منهج الله {ظَهَرَ الفَسادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِما كَسَبَت أَيدِي النّاسِ لِيُذيقَهُم بَعضَ الَّذي عَمِلوا لَعَلَّهُم يَرجِعونَ} [الروم: ٤١].
ومن العبث، والطفولة العقلية، وعدم إدراك طبيعة الخلافة التوهم أن الدعاء هو الحل البسيط لكل هذا الفساد الذي تسبب فيه الإنسان!
والناس بالنسبة إلى الفساد ثلاثة فرق:
1- فريق هو المفسد، وهذا يكون ما أفسده حجة عليه ليلقى جزاءه العادل في الآخرة.
2- فريق هو الضحية، وهذا ابتلاؤه في أن يعلم الله هل سيجاهد الفساد والإفساد ويكون من المصلحين أم سيستسلم لدور الضحية؟! وهذا الفريق من العبث أن يتوهم بأن الله سيتدخل ببساطة أو يستجيب الدعاء ما لم يغير هو ويبذل الجهد أولا فيساعده الله بعد ذلك.
3- فريق يشهد ما يحدث من ظلم، فليس هو المفسد وليس هو الضحية، وهذا ابتلاؤه في ما إن كان سيرفع الظلم عن المظلوم ويجاهد الظالم أم أنه سيكتفي بالدعاء أو بإلقاء اللوم على الله أن ترك الظالم يظلم المظلوم!..
وفي النهاية، الآخرة هي دار العدل الذي تظهر فيها نتيجة الاختبار، هي الخافضة الرافعة التي تخفض الظالم وترفع المظلوم وتثيب من حاول إصلاح الفساد وتعاقب من كان سلبيا ولم يفعل إلا اللوم على الله كالطفل الغِر الذي لا يرى أنه أهل أن يفعل أي شيء ولا يرى نفسه فاعلا بل مفعولا به، بالرغم أنه المُكَرَّم في الكون والخليفة في الأرض والموكل بمهمة إعمارها.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: