الدكتور علي جمعة ليس أزهريا
مقالة تُبين تناقض مفتي مصر - الدكتور علي جمعة -؛ حيث ينادي بأن المؤهلين للدعوة لا بد أن يكونوا أزاهرة، مع أنه ليس أزهريًّا أصلاً، بل وقام بتعيين بعض المفتين في دار الإفتاء من خارج المؤسسة الأزهرية.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين:
إنه مما لاشك فيه أن الأزهر الشريف - زاده الله شرفاً - قلعة من قلاع العلم، لبث خمسمائة سنة من عمره وهو منار العلم في الدنيا؛ لولا أن الله - عز وجل - قدره لتاهت في ظلمات الجهل.
كان مشايخه ملوكاً، لا أمر فوق أمرهم، ولا كلمة بعد كلمتهم، إذا قال واحدهم لبَّت الأمة، وإذا دعا هبَّ الشعب، وإذا أنكر على الحكومة منكراً أزالت الحكومة المنكر، وإذا أمرها بمعروف أطاعت بالمعروف، فكانوا هم السادة، وهم القادة، وهم أولو الأمر.
وكان الشيخ الأزهري موقَّرا في الجامع وفي البيت وفي السوق، ومبجلاً عند الطلبة والعامة والحكام، وكان أقصى أمل الطالب أن يخدم الشيخ، وأن يحمل له نعله.
وكان الطالب الأزهري يذهب إلى بلده في العيد أو في الإجازة، فيستقبله الناس استقبالاً باهراً، ويشم فيه عَبَق الأزهر، ويكون المرجع لأهله، ويكون فقيههم والحاكم بينهم، ولا اعتراض عليه؛ لأنه يحكم بشرع الله، ويُبيِّن حكمه في فتواه.
أما الآن فقد نُزعت هيبة المشايخ من القلوب، ونزلت من مكانتهم عند الحكام؛ لأن الأعداء يعلمون جيداً أن للأزهر تأثيراً كبيراً في كل البلاد الإسلامية والعربية، ويمكن أن يقرِّب بين مختلف المسلمين؛ لأنه عامل تجميع على الإسلام، الذي هو الرباط الأساسي في بلادنا بين الناس بمختلف طوائفهم وطبقاتهم وتوجهاتهم؛ لذا وضعوا الخطط الماكرة لتقليص دور الأزهر.
أيضاً، نحن الأزهريين ساهمنا في هذا! فالبعض من أساتذة الأزهر تنكَّب سبيل أسلافنا، فما الشيخ اليوم شيخُ مسلَك، ولكنه موظفٌ مُحاضِر، وما التلميذُ مريدٌ مُطيعٌ، ولكنه مُشاكِس مُشاغِب، وما يطلُب علماً؛ بل يبتغي شهادة!
ثم كانت النتيجة المؤسفة: تمكَّنت التيارات التغريبية من الانتشار في المجتمع، والتي تهدف إلى نقض عُرى الإسلام والتحلُّل من التزاماته وقيمه واستقلاليته والدعوة إلى التبعية للغرب في كل توجهاته وممارساته. وكان لا بد من وضع حلٍّ يُمكِّننا من التصدِّي لهذه التيارات، والأزهر بوضعه الحالي لن يتمكَّن من الوقوف بمفرده أمام هذه الهجمات الشرسة؛ لذا قام بعض الدعاة المؤهلين - من غير الأزاهرة - بمُسانَدة علماء الأزهر في صد هذه الهجمات. لكن العجيب بدلاً من شكر هؤلاء الدعاة على هذا الدور وتثمين جهودهم، واحتوائهم؛ حاولت بعض قيادات الأزهر إقصائهم بحجة أنهم ليسوا أزاهرة، والأعجب قيام فضيلة مفتي الديار المصرية - الدكتور علي جمعة - بتأييد هذه الوجهة مع أنه ليس أزهرياً أصلاً، ويستعين بغير الأزاهرة في دار الإفتاء المصرية، بل وقع في أخطاء علمية فادحة كما سأبين ذلك، والله المستعان.
أولاً: الدكتور علي جمعة لم يَدرُسْ في الأزهر طَوالَ سَنواتِه التَّعليميَّةِ، فهو حاصل على بكالوريوس تِجارةٍ من جامعة عَين شمس، ثم قام كغيره بالانتساب إلى الأزهر في سِنٍّ مُتأخِّرةٍ؛ وبالتالي ليس عنده الأساس العلمي الذي درس في المعاهد الأزهرية - وهي علوم ضرورية لتأسيس طالب العلم -.
فإن قيل: هذه العلوم درسها فضيلة المفتي علي أيدي المشايخ خارج جامعة الأزهر.
قلت: هذا عين ما فعله هؤلاء الدعاة، فما الفرق بينهم وبين الدكتور علي جمعة؟
وإن قيل: بل هذه العلوم تكميلية، وليست ضرورية لطالب العلم الأزهري؟
قلت: لماذا يمنع طلاب الثانوية العامة من الالتحاق مباشرة بجامعة الأزهر?
ثانياً: الدكتور علي جمعة عيَّن العديد من المفتين بدار الإفتاء ليس لديهم أي مؤهل أزهري، بل أحدهم حاصل على دبلوم صنايع! - وهو الأستاذ سيد شلتوت، أمين فتوى بدار الإفتاء المصرية بإدارة الفتوى الشفوية - مع أن هناك المئات من الحاصلين على الدكتوراه من الكليات الشرعية بجامعة الأزهر!
وأيضاً، سمح للعديد من الدعاة غير الأزاهرة بتدريس العلوم الشرعية، بل والترويج لهم في موقعه، ومنهم على سبيل المثال: الأستاذ أكرم عقيل مظهر، والأستاذ محمد إبراهيم عبد الباعث الكتاني.
ثالثاً: الدكتور علي جمعة تضاربت بعض آرائه قبل وبعد المنصب، ومنها على سبيل المثال: فتوى النقاب؛ ففضيلته له فتوى قبل أن يتولَّى منصب الإفتاء قال فيها: إن من يدَّعي أن النقاب عادة هذا محض خرافة، وبعد أن تولَّى المنصب قال بأن النقاب عادة!
قال: "قضية النقاب يرى فرضيتها الإمام الشافعي والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد بن حنبل، ولا يرى فرضيتها الإمام مالك وحده؛ ويرى أنه يكون واجبًا أو فرضًا أو نحو ذلك إذا كانت عادة أهل البلد أن النساء إذا خرجن يخرجن محجبات منتقبات.
فالذي يدعي أن النقاب ليس من الشريعة البتة وأنه عادة عثمانية هذا محض خرافة؛ النقاب موجود من أيام الصحابيات ومن أيام الصحابة، والنقاب موجود وعبر التاريخ، وفي الشعر الجاهلي: وثقبن الوصاوص للعيون، يعني: المنتقبة.
فمحض خرافة أن هذا من عادات الأتراك، هذا الكلام ليس كلامًا علميًّا؛ ولكن هناك ثلاثة من الأئمة قالوا بفرضيته، وهناك إمام واحد قال بجواز كشف المرأة لوجهها، وهو الإمام مالك، وقال: إذا كانت المرأة باهرة الجمال يُخشى منها الفتنة في مدينة ما أو كانت عادة أهل البلد النقاب؛ بحيث إن المرأة التي تخرج سافرة الوجه يظن بها الظنون وتتهم في دينها فحينئذٍ تلبس المرأةُ النقاب؛ ولكن غير ذلك ليس فرضاً؛ بل في بعض النصوص عن الإمام مالك أنه تشدَّد في ذلك. فإذن النقاب موجود وله حكمه، ولكن حكمه مختلف فيه.
رابعاً: لعلك تعلم - أخي القارئ - أن رسالة الماجستير والدكتوراه للدكتور علي جمعة كانت في تحقيق المخطوطات والتعليق عليها؛ فقد كانت رسالته للماجستير بعنوان: "دراسة وتحقيق مباحث الخاص والخصوص والتخصُّص والظاهر والمؤول عن أبحاث الكتاب الكريم من كتاب البحر المحيط للإمام الزركشي". أما الدكتوراه، فكانت دراسة وتحقيق "بيان المختصر للأصبهاني". إذن؛ من المفترض أن يكون اكتسب خبرة في دراسة النصوص وتحقيقها والتعليق عليها؛ لكن ما الذي حدث؟ هذا ما ستعرفه من خلال السطور التالية:
قام الدكتور علي جمعة، والدكتور محمد أحمد سراج، (مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية) بدراسة وتحقيق كتاب الفروق للقرافي – رحمه الله - والذي طبع بدار السلام بالقاهرة، لكنهم وقعوا في أخطاء علمية فادحة - ذكرها الأستاذ عمر حسن القيام في مقدمة تحقيقه لكتاب الفروق للعلامة القرافي، طبعة مؤسسة الرسالة - منها:
1- ما وقع في الفرق (241) (4/1282) من الخطأ الفاحش في التعريف بالإمام الطبري صاحب التفسير، وقد نقل عنه الإمام القرافي بواسطة القاضي عياض في "الشفا" قولاً في تكفير من جحد أن الله تعالى عالم أو متكلم أو غير ذلك من صفاته، فجاء المحققان الكريمان وترجما للإمام الطبراني المُحدث المعروف صاحب "المعاجم الثلاثة"، فقالا: الطبري: أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطَير اللخمي الشامي الطبري صاحب التصانيف. هو الإمام الحافظ الفقيه، الرحال الجوال، محدث الإسلام. علم المعمرين ولد بمدينة عكا في صفر سنة ستين ومئتين، وتوفي سنة 360هـ!
2- أيضاً من كبائر الأخطاء التي وقعت لهذين المُحقِّقَيْن الكريمَيْن: ما وقع في الفرق (270) (4/1401) في ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي، وقد ذكر القرافي خروج ابن الأشعث عليه في الواقعة المشهورة، فكتَبَا كلاماً يبرأ بعضُه من بعض، فقالا: الحجاج بن يوسف بن حجاج أبو محمد الثقفي البغدادي الحافظ، من تلامذة أبي نوَّاس وأصحابه، منشأ الحجاج بغداد، وطلب العلم. قال أبو داود: هو خير من مئة مثل الرمادي، توفي سنة 259هـ. انتهى.
3- ما وقع في الفرق (46) ص (2/411) في ترجمة الشاعر الجاهلي أمية بن أبي الصلت الذي آمن لسانه وكفر قلبه كما هو معروف من سيرته، فذكر له القرافي عدة أبيات في مدح عبد الله بن جدعان أحد سادات قريش وأجواد العرب، فجاء المحققان وكتَبَا كلاماً غريباً جداً في ترجمة هذا الشاعر، وقالا ما نصًّه: هو أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني، العلامة الفيلسوف، الطبيب الشاعرُ المُجوّد، صاحبُ الكتب، ولد سنة ستين وأربعمائة، وتنقَّل وسكن الإسكندرية، ثم رُدَّ إلى المغرب، وكان رأساً في النجوم والوقت والموسيقى، مات بالمهدية في آخر سنة 528هـ. انتهى!!
4- ومن عجائب ما وقع من الأخطاء العلمية: ما وقع في الفرق (139) ص (3/857) في ترجمة ابن رشد الجد صاحب "البيان والتحصيل" وقد ذكره القرافي بلفظ: قال صاحب "البيان" على المعهود من عادته في "الفروق" و "الذخيرة"، اعتماداً منه على فطنةِ القارئ وخبرته بمصنَّفاتهِ ومصطلحاته، فجاءَ هذان المحققان الفاضلان وقالا ما نصُّه: "صاحبُ البيان هو الإمام العلامة قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر الفارابي أبو حنيفة الأتقاني. قدم دمشق سنة 747هـ، ثم انتقل إلى مصر، ودرس بها بجامع المارداني. كان رأساً في الحنفية، بارعاً في الفقه واللغة، من مصنفاته: "التبيين في شح المنتخب الحسامي" وشرح الهداية وسمّاه "غاية البيان ونادرة الأقران" ترجمته في "الدرر الكامنة" 1/442-445 و"النجوم الزاهرة" 10/325، و" مفتاح السعادة" 2/267 و"الطبقات السنية" (553) و"شذرات الذهب" 6/185. انتهى. ثم لم يقنع الأستاذان الكريمان بهذا، فعادا إلى تكرار الخطأ نفسه في ص (4/1191) فهل يقع في ذهن إنسان أن يذكر القرافي في كتابه رجلاً سيأتي بعده بزمن طويل لا يقل عن نصف قرن؟!!
5- ومن الأخطاء الكبرى: ما وقع في الفرق (200) (3/1078) في تخريج حديث: "من أسلم إلى أجل معلوم" فجاء المحققان فقالا في تخريج الحديث ما نصُّه: أخرجه الألباني في "إرواء الغليل" 5/218، وأبي حاتم (كذا وقع) في "العلل لمتناهية" رقم 1158 بلفظ: "من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم" انتهى.
يقول الأستاذ عمر القيام: وهذه طريقة غير صحيحة في فن التخريج الذي استقرَّت معالمه المنهجية منذ أمدٍ طويل، فإرواء الغليل ليس من دواوين السنة التي يتم العزو إليها، وإنما هو كنظائره من كتب التخريج التي يُستعان بها على تتبُّع طرق الحديث ومتابعاته وشواهده ومظانِّ وجوده؛ فهل نظر المحققان في "الإرواء" 5/218 فوجدا أن الألباني قد خرَّج الحديث من "الصحيحين" و" السنن الأربع" وغيرهم، فهلاّ استفادا من هذا الجهد الطيب، واقتصرا في العزو على "الصحيحين" ثم قالا: وانظر تمامَ تخريجه في "الإرواء"، فيحسن الظن بهما، ويقع في القلب أنهما قد تمرَّسَا بشيء من علوم الحديث.
وأما الإحالة إلى "العلل المتناهية" وكونها كتاباً لأبي حاتم، فهي خطأ علمي مُركَّب، و" العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" كتاب مشهور لابن الجوزي، جمع فيه قدراً غير قليل من الأحاديث الضعيفة الواهية، كما يدل عليه اسمه العلمي، ولم يسلم له نقَّاد الحديث جميع ما في كتابه؛ بل حاقَقَه بعضهم وكشفوا عن أخطائه، فإحالة حديث ثابت في "الصحيحين" إلى هذا المجموع الضعيف هو مما لا يُغتَفَر في منهج التخريج، والقول بأنّ "العلل المتناهية" لأبي حاتم زيادة في الخطأ أيضاً، والفيصل في هذا: أنهما يقصِدان كتاب "علل الحديث" لابن أبي حاتم لا لأبي حاتم، والحديث هناك بالرقم الذي ذكراه ( 1158) ج1 ص 387 ولفظه: "من أسلم في شيءٍ فلا يصرفه إلى غيره"
6- ما وقع في الفرق (273) (4/1427)؛ حيث قام الأستاذان الدكتوران بتحقيق حديث الاستخارة الثابت في "صحيح البخاري" (1162) و "سنن أبي داود" (1538)، و"سنن الترمذي" (480) وغيرهم، فخرجاه من كتاب "الكامل في الضعفاء" 4/307 لابن عدي، وهو من دواوين الأحاديث الضعيفة.
7- وانظر - أيضاً - ما وقع في الفرق الرابع من المجلد الأول ص 200 عند التعريف بالقاضي عبد الوهاب البغدادي، وما وقع في الفرق 188 ص (2/699) في ترجمة الإمام الداوودي، وما وقع في الفرق (148) ص (3/893) في ترجمة أبي العشائر، وما وقع في الفرق (125) ص (3/752) في ترجمة ابن شعبان.
وهل يجوزُ أن تقع مِثلُ هذه الأخطاء في كتاب يتصدى لتحقيقه من يحمل مرتبة الأستاذية في علوم الشريعة؟! والله المستعان.
- هذه المقالة ليس لي فيها من عمل إلا الجمع ثم الترتيب ثم التلخيص. وقد استفدت ونقلت من عدة مصادر من أبرزها مقدمة الأستاذ عمر حسن القيام - أثابه الله - لكتاب "الفروق" للعلامة القرافي - رحمه الله -، ومقالة الشيخ علي الطنطاوي عن الأزهر.
عبد الله بن داود
• عبد الله بن داود، أبو محمد الأزهري، كاتب وباحث مصري، له اهتمام بمجالات التعريف بالإسلام بلغات العالم المختلفة. • حاصل على إجازة - ليسانس - في الشريعة والقانون بتقدير عام جيد جداً من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف.
- التصنيف: