أم المعارك يا مسلمون

منذ 2018-02-01

لا بد من إعادة النظر وإعادة البناء على ضوءٍ من منهاج النبوة في ترتيب أولويات البناء، وجعله شاملا للاتجاهات الأفقية والعمودية، الروحية والفكرية والمادية، والكيفية والكمية... فإن المعركة رغم احتدامها فإنها مازالت طويلة، ورغم دمويتها في العالم ضد الإسلام فإن الزمان زمان صبر وثبات وتركيز وحكمة

أُم المعارك يامسلمون

أول ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة وأقام الدولة الناشئة:

  1. الفرد المؤمن المتصل بالله، ويرمز إلى ذلك بناء المسجد، وكان أول ما قام به.. أين يسجد المسلم لربه ويخضع ويذوق طعم التذلل لله رب العالمين، لينفر بعد ذلك من طعم كل تذلل لغير الله تعالى، فإن الطعم الطيب الحلو يُسمِجُ في فمك ما دونه من الأذواق والطعوم، ومن ثم يعتز المسلم بالله لا يبتغي العزة عند غيره، وكذا التوكل والاستعانة والقصد.. فيصمد القلب على عقيدة صحيحة راسخة.. ومن وراء ذلك كله شجاعة القلب في مواجهة الخطوب..

ثم هو المسجد الذي تُناقش فيه قضايا الأمة بأسرها وتُتَّخذ فيه القرارات الكبرى، بل ويُتلى فيه القرآن دستور الأمة أفراد وجماعات، ويتناول أمور اقتصادهم شوراهم وسياستهم، فكان للتعبد وللتفقه ومجالس البرلمان الذي يدعو إلى بَرِّ الأمان.. فلم تكن مساجدهم علمانية، ومن ثم كانت قمة السياسة الراشدة فيه وهي بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عن الصحابة أجمعين.

فأنَّي يقوم للمسلمين اليوم دولة بالسياسة أو الجهاد أو الثورة أو الانتخاب.. وعلاقة الفرد بربه متهرئة مقطعة الأوصال؟!

  1.  المؤاخاة بين المسلمين: ليكون المجتمع كالبنيان المرصوص، وليحصل التكافل المجتمعي المؤَمَّن داخليا..

فأنى يقوم للمسلمين اليوم دولة وعلاقاتهم فيما بينهم يسودها التقاطع والتدابر والتآكل والتناحر بدل التآخي والمواساة؟؟!!

ولا يُنتظر من أنصارنا ومهاجرينا اليوم مؤاخاةُ سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، ولكن يكفي منا سلامةُ الصدر وحسن الظن وحسن القول وما فَضُل عما نحتاج من متاع الدنيا.. وليكفي أن نملأ فراغ المادة بالفكرة الصحيحة وسمو الروح وعلو الهمة.. فقد كان الرعيل الأول من الصحابة الكرام رضي الله عنهم رغم قلة ذات اليد والاستضعاف فقد كانت أقدامهم في الثرى وهمم هاماتهم في الثريَّا.. كانوا جيلا فريدًا، لكنه صالح للاقتداء بهم.

3- اتخاذ قانون عادل ودستور وثيق ينظم العلاقات بين أفراد المسلمين فيما بينهم، وبينهم وبين المواطنين جميعا ممن ليسوا على ملتهم ويعيشون في دولتهم، تُضمن فيه الحقوق وتحمى به الحرمات، وتُدفع به العوادي والمظالم.. ولا يمكن لهذا القانون أن يكون كذلك إلا أن يكون من جهة خارجية عن البشر كلهم، ليكون فيه من الكمال والعدالة ما لا تشوبه محاباة أو شنآن أو ضعف أو قصور أو شدة في موطن لين أو لين في غير موضعه...

فأنى يقوم للمسلمين اليوم دولة وينشأ لهم مجتمع متميز والقانون الذي يحكمهم والدستور الذي يطوقهم من صنع البشر المحاويج المجاهيل الظلمة الأنانيين.. من صنع الإنسان الموصوف في القرآن بأنه: جهول ظلوم كفور عجول... وويلٌ ثم ويلٌ لفئة من أشباه المسلمين يزعمون نُشدان الإصلاح وسيادة الشريعة ثم هم يعقدون الولاء لرؤوس هذه الأنظمة الجاثمة على صدور  المسلمين، ويدينون لها بالطاعة؛ وما قامت إلا ضد مقصود الإسلام وعلى أنقاض دولته!!

إن في  منهج الإسلام الحركي من المعالم ما لا يدعهم يضلون عن سبيله المستبين، وما لا يدعه لاقتراح المقترحين واجتهاد المجتهدين بعيدا عن أصوله ومقاصده وأهدافه وأخلاقه.. كما أنّ فيه من السعة والمرونة والتجدد ما لا يجعلهم في ضيق من أمرهم أو يحبسهم في اختيار واحد عملي، ولا أن يُحوجهم إلى استيراد من الخارج ما لم يكن إتماما لمكارم الأخلاق أو استفادة من اجتهاد محض كحفر الخندق وما يشمله قوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمر دنياكم»[(مسلم في صحيحه برقم: (2363)].

لا بد من إعادة النظر وإعادة البناء على ضوءٍ من منهاج النبوة في ترتيب أولويات البناء، وجعله شاملا للاتجاهات الأفقية والعمودية، الروحية والفكرية والمادية، والكيفية والكمية... فإن المعركة رغم احتدامها فإنها مازالت طويلة، ورغم دمويتها في العالم ضد الإسلام فإن الزمان زمان صبر وثبات وتركيز وحكمة وما زال للفكرة والكلمة فيها نصيب، فإن معركة الوعي وتصحيح المفاهيم أشد المعارك وأبقاها وأقواها.. {وجاهدهم به جهادا كبيرا}، وما باءت بالخسران كثيرٌ من معارك المسلمين إلا أنهم قفزوا على ميدان الوعي وتصحيح المفاهيم، فتاهوا وخاب عِراكُهم..

 

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.