كيف استطاع اليهود احتلال القدس؟

منذ 2018-02-07

اليهود قد بذلوا جهدا عظيما، بذلوا الغالي والنفيس في سبيل قضيتهم، في الوقت الذي فيه أكثر المسلمين يغطون في سبات عميق، لا يشغلهم دين ربهم، ولا قضية أمتهم، فهَمُّ كثيرٍ منهم رغيف الخبز، فاغتنم اليهود رقادَنا وواصلوا الليل بالنهار باذلين مُهَج قلوبهم لنصرة باطلهم.

لا تظن أنَّ اليهود لعنة الله عليهم احتلوا القدس لشجاعة قلوبهم، أو كثرة مالهم، أو قوة عَتادِهم، لا والله، ما استهانوا بنا إلى لمَّا فرطنا في ديننا، ولا انتهكوا حرماتنا، ولا دنسوا مقدساتنا إلى لضعفنا.

 

فلهم ليسوا شجعان فيهزمونا بشجاعتهم، بل هم أجبين من خلق الله تعالى، ألم يقل ربنا سبحانه فيهم: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر: 14]؟

 

ألم يقولوا لنبيهم موسى عليه السلام لما أمرم بقتال الجبارين ودخول الأرض المقدسة: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22]، {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]؟

 

وليست أعدادهم كبيرة؛ بل إنهم والله شرذمة قليلون، وإن عدد اليهود إذا قورن بالمسلمين لا شيء يُذكر.

 

إن نسبة  المسلمين في العالم اليوم 23%، ما مجموعه أكثر من مليار و600 مليون، يتوزعون في قارات العالم السبع، في 57 دولة إسلامية، على مساحة 32مليون كم وعشرات الدول غير الإسلامية، ولك أن تعرف أن الأقلية المسلمة في دولة كالهند أكثر من 250 مليون.

 

أمَّا اليهود ففي إحصاء معهد بيو بواشنطن ومعهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي في تل أبيب كان عدد اليهود  في العالم كله في سنة 2013 أقل من 14 مليون، بنسبة  19,0% من سكان العالم. أمَّا في دولتهم اللقيطة إسرائيل فبلغ عددهم  6 مليون و377 ألف في عام 2016 حسب تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية.

 

فأمام كل يهودي 250 مسلم، وكما الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ([1]): لو أن كل مسلم بصق بصقة لأُغرِق يهود العالَم، ولو أنه نفخ نفخة وجُمعت هذه النفخات لأطارَتهم، ولو ألقى عليهم كل واحد نعله القديم لماتوا ودُفنوا في قبر من النعال!

 

صدق والله، لكن المشكلة ليست في العدد، وكما يقول المصريون في أمثالهم الشعبية: "العدد في الليمون"، ووالله لكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى واقعنا المر، وقد استهان بنا اليهود وغيرهم من حقراء الدنيا، وانتهكوا حرماتنا ومقدساتنا، وسلبوا خيرات بلادنا، لقد كان يعلم أننا سنكون يوما في هذا الموقف العصيب.

 

عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟

 

قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن».

 

فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» ([2]).

 

إن الأمم لا تنصر بعدد الرجال، فرب رجل بألف، وألف بخُفٍّ، وقد كتب عمر بن الخطاب عمرو بن العاص لما طلب مددًا في فتح مصر: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألفٍ رجلٌ بألفٍ.

 

ولا تنصر الأمم بقوة السلاح، فقد كان مع اليهود في خيبر أحدث الأسلحة في زمانهم، ولديهم أقوى الحصون، فلم تُغنِ عنهم شيئًا، قال الله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر: 2].

 

إنما تنصر الأمم بقوة قلوب رجالها، وعزائم شبابها، وبذلهم أرواحهم في سبيل قضيتهم، ووالله لن ينصر الله المسلمين على هؤلاء الشرذمة من اليهود وأذنابهم إلا إذا تمسكوا بدينهم، وكانوا على ثقة من وعد ربهم، ولم تتعلق قلوبهم لذات الدنيا الفانية، وكان نصب أعينهم رفع راية دينهم، وإعلاء كلمة ربهم.

 

ثم إنَّ الحقَّ يُقالُ؛ فإن اليهود قد بذلوا جهدا عظيما، بذلوا الغالي والنفيس في سبيل قضيتهم، في الوقت الذي فيه أكثر المسلمين يغطون في سبات عميق، لا يشغلهم دين ربهم، ولا قضية أمتهم، فهَمُّ كثيرٍ منهم رغيف الخبز، فاغتنم اليهود رقادَنا وواصلوا الليل بالنهار باذلين مُهَج قلوبهم لنصرة باطلهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) "ذكريات" (5/ 96).

([2]) حسن بمجموع طرقه: أخرجه أحمد (5/ 278)، وأبو داود (4297).

أبو حاتم سعيد القاضي

طالب علم وباحث ماجستير في الشريعة الإسلامية دار العلوم - جامعة القاهرة