من آداب المعلم: الترفع عن طلب المال والجاه عن طريق العلم

منذ 2018-02-28

قال ابن الجوزي: "فإذا اتفق للعالم عائلة، وحاجات، وكفت أكف الناس عنه، ومنعته أنفَتُه من الذل هلك، فالأولى لمثل هذا العالم في هذا الزمان المظلم أن يجتهد في كسبٍ إن قدر عليه، وإن أمكنه نسخ بأجرة، ويدبر ما يحصل له، ويدخر الشيء لحاجة تعرض لئلا يحتاج إلى نذل.

فإن ذلك مما يؤثِّر على سمعة المعلِّم ومكانته، خصوصًا إذا اتخذ التعليم وسيلةً للحصول على مكاسبَ شخصية دنيوية، فينبغي على من امتهن مهنة التعليم ألا ينزل إلى ذاك الحضيض من المستوى في التفكير.

نقل ابن مفلح عن ابن عقيل في الفنون نقده لمن يتصف بهذه الصفة فقال: "قال بعض مشايخنا المحققين: إذا كانت مجالس النظر التي تدَّعون أنكم عقدتموها لاستخراج الحقائق والاطلاع على عوائر الشُّبَه وإيضاح الحجج لصحة المعتقد مشحونةً بالمحاباة لأرباب المناصب تقرُّبًا، وللعوام تخوُّنًا، وللنظراء تعمُّلاً وتجمُّلاً... - إلى أن قال رحمه الله -: فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة عمَّت العقلاءَ في أديانهم، مع كونهم على غاية التحقيق، وترك المحاباة في أموالهم، ما ذاك إلا لأنهم لم يشَمُّوا ريح اليقين، وإنما هو محض الشَّك، ومجرَّد التخمين، انتهى كلامه"[1].

ولكن قد يستثنى من هذه القاعدة مَن كان صاحب حاجة شديدة أو ظروف خاصة؛ فقد قال ابن مفلح - رحمه الله -: "وفي البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "إن كنتُ لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني، قال ابن هبيرة: فيه دليل على جواز محادثة الرجل بشيء من الذِّكر والقرآن لقصدٍ يقصده الإنسان يستجلب به نفعًا له، أو يدفع به ضرورةً، قال: ولم يُنكِره على أبي هريرة منكِر"[2].

بل قد أوجب المصنف على العالم إذا لم يكن لديه مالٌ يقتات منه: أن يتكسَّب؛ كيلا يذلَّ نفسه لطلاب الدنيا، أشار إلى ذلك المصنف فيما نقله عن ابن الجوزي - رحمهما الله - فقال: قال ابن الجوزي: "فإذا اتفق للعالم عائلة، وحاجات، وكفت أكف الناس عنه، ومنعته أنفَتُه من الذل هلك، فالأولى لمثل هذا العالم في هذا الزمان المظلم أن يجتهد في كسبٍ إن قدر عليه، وإن أمكنه نسخ بأجرة، ويدبر ما يحصل له، ويدخر الشيء لحاجة تعرض لئلا يحتاج إلى نذل"[3].


الكاتب: بدر بن جزاع بن نايف النماصي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج1. ص270.

[2] (المرجع السابق): ج2. ص209.

[3] (المرجع السابق): ج1 ص289.