هكذا نحن منذ قرون عديدة..
في السنوات الخمسين الأخيرة وحدها توالت المجازر منذ دير ياسين، وتل الزعتر.. وما زالت القائمة مفتوحة، والمشانق منصوبة..
هكذا نحن منذ قرون عديدة، دماؤنا مستباحة رخيصة، ليس لها بواك أو آخذون بالثأر، ومجازرنا لم تتوقف، ومآقينا لم تجفّ، تداعت علينا الأمم، وتكالب علينا الأعداء، وعاث في أرضنا المفسدون، وكلما كدنا ننسى فاجعة جاءت أختها لتنكأ الجراح، وتُهيّج الآلام .
وفي السنوات الخمسين الأخيرة وحدها توالت المجازر منذ دير ياسين، وتل الزعتر، وبحر البقر، وصابرا وشتيلا، وقانا، وبيروت، وجنين، والفليبين، وأفريقيا الوسطى، وبورما، والهند، وكشمير، والبوسنة والهرسك، وسربرنيتسا، وتركستان، وأفغانستان، والشيشان، والحبشة، والصومال، والعراق،، ومالي، وليبيا، وحماة، وحمص، ومضايا، ودير الزور، وحلب، و أخيرا الغوطة!!
وما زالت القائمة مفتوحة، والمشانق منصوبة، والمؤامرات تُحاك، والمكائد تُدبّر، والمآسي في الطريق -إلا أن يشاء الله شيئا- والأيام دُوَل، والجزاء من جنس العمل، وعاقبة خذلان المسلمين وخيمة، ورُبّ أهل بلد باتوا في أمن وعافية، لا يخطر لهم البلاء بحال، ثم تقلبت بهم الأحوال، وأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .
ومع ذلك كله فلا يأس من رَوْح الله، ولا قنوط من رحمته، ودوام الحال من المحال، وهذه الأمة تمرض وتضعف ولكنها لن تموت، وكلنا يقين بأن ثمة جولات أخرى، وإفاقة بعد النكبات، وانتصارا بعد الهزيمة .
وهذه الغوطة التي تُباد الآن سوف يأتي يوم تكون فيه فسطاط المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فُسطاطُ المسلِمينَ يومُ الْمَلْحمَةِ الكُبرَى بأرضٍ يُقالُ لها: الغُوطَةُ، فيها مَدينةٌ يُقالُ لها دِمشقُ، خيرُ منازلِ المسلِمينَ يَومَئِذٍ» (صحيح الجامع [4205]).
فاللهم فرج عن عبادك المكروبين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، واغفر لنا تقصيرنا نحوهم.
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: