القطف الداني من كتاب (الأدب المفرد) لشيخنا الألباني - [4] باب: أدب الخادم

منذ 2018-04-14

يروي المصنف - البخاري - بإسناده الحسن عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط قال: " أرسل عبد الله بن عمر غلاما له بذهب أو بِوَرِق فصرفه فأَنْظِر بالصرف فرجع إليه فجلده جلدا وَجِعًا، فقال: اذهب فخذ الذي لي ولا تصرفه."

يقول الشيخ الألباني:

 
بمعنى: تأديب الخادم.
يروي المصنف - البخاري - بإسناده الحسن عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيط قال: " أرسل عبد الله بن عمر غلاما له بذهب أو بِوَرِق فصرفه فأَنْظِر بالصرف فرجع إليه فجلده جلدا وَجِعًا، فقال: اذهب فخذ الذي لي ولا تصرفه."

 

أرسل عبد الله بن عمر غلاما له بذهب أو بوَرِق - يعني فضة - فصرفه فَأَنْظَرَ بالصرف أى صرفه إلى أجل وهذا حرام، يُشير فى ذلك إلى قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «الذهب بالذهب يداً بيد، ها بها» مِثْلاً بمِثْل، يعني: واحد يصرف ذهب بذهب يساوي الأول ما يصير فيه مفاضلة كذلك الفضة ما يكون فيها مفاضلة يعني مثلا:
 
- ما بيجوز عشر ليرات فضة على عشرة شهور كل شهر ليرة ما يجوز (1).
 
- كذا ما بيجوز تأخذ عليهم زيادة من "الصرافة "(2).

 

أنا مثلا بحاجة إلى صرافة فأعطيت عشرة ليرات فضة فأعطيتني عشرة إلا ربع ليرة صرافة هذا ما بيجوز شرعا هذا ربا. أين الربا هنا؟ 

 

يستفيد أحد الطرفين من الصرافة حتى يسلمها، صار فيه ربا فعبد الله بن عمر بن الخطاب أرسل خادمه يصرف له ذهب أو ورِق أي: فضة فصرفه فانظر بالصرف يعني أجّل لما صرف فرجع الغلام إلى سيده عبد الله بن عمر فجلده جلداً وجيعاً، يعني فضربه ضربا موجعا وقال: اذهب فخذ الذى لي ولاتصرفه".

 

يعني: الذي تسلمته على أساس أنك ستستلم فيما بعد، هذا ما يجوز . 

 

الشاهد: أن ابن عمر ضرب خادمه هنا، فنستفيد من هذا الأثر -وابن عمر من أصحاب الرسول-عليه الصلاة والسلام-المشهورين- بأنه يجوز للسيد أن يضرب خادمه أو عبده بحق، مثل ما فعل هنا عبد الله بن عمر مع خادمه عندما ارتكب مُخالفة للشريعة وهو أنه أنظر بالصرف

 

فاستفدنا منه أنه يجوز للسيد أن يضرب عبده أو خادمه إذا ارتكب مُخالفة في الشريعة. وعلى العكس من ذلك الحديث الآتي يدل على أنه لا يجوز للسيد أن يضرب عبده بغير حق.

 

وروى المصنف بإسناده الصحيح عن أبي مسعود - رضي الله عنه -: (كنت أضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا: «اعلم أبا مسعود: لله أقدر عليك منك عليه» فالتفتُّ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله: هو حر لوجه الله، فقال: «أما لو لم تفعل لمستك النار»  أو «للفحتك النار».
 
وأبو مسعود هذا هو البدرى واسمه عقبة بن عامر من أصحاب الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومن الذين شَهِدُوا معه وقعة بدر الكبرى، هذا هو الذى يروى لنا القصة الآتية. قال: (كُنتُ أضربُ غلاماً لى فسَمِعتُ من خلفى صوتاً: ماذا يقول هذا الصوت؟ «اعلم أبا مسعود: لله أقدر عليك منك عليه» يسمع صوتا من خلفه بأن الله عز وجل أقدر على تعذيب أبي مسعود من تعذيب أبي مسعود لغلامه، فالتفتُّ فإذا هو رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -  قلتُ يارسول الله فهو حرٌ لوجه الله...). هذه طبيعة الإنسان الكامل، فليس الإنسان الكامل هو الذى لا يُخطئ؛ لكن هو الذى يُخطئ ثم يتراجع عن خطئه ولا يُسَوِّف ولا يُماطل فيفسح المجال للشيطان أن يَحوُل بينه وبين أوبته وتوبته إلى ربه

 

هذا أبو مسعود رجلٌ مؤمنٌ فما كاد ينتبه إلى أنه أخطأ مع ربه حينما ضرب غُلامه ضربا ظالما له فناداه الرسول-عليه الصلاة والسلام- فذكره أنك تضربه والله أقدر على تعذيبك له ينبهّه بأنك تظلمه،.... إذا هو حر لوجه الله، هذه التوبة النصوح على الإنسان أن يُعجّل بها لأنه ما يدري ما يُصيبه إذا ما ماطل وسَوَّف بالتوبة. قال: (هو حر لوجه الله)، فقال-عليه الصلاة والسلام-:  «أما لو لم تفعل لمستك النار » (ص85).

 

لو ما بادرتَ إلى إطلاقه وجعله حراً لوجه الله-عزوجل- لمسَكَ اللهُ بعذاب من عنده لقاء أنك بغيت واعتديت عليه. أما لو لم تفعل لمستك النار أو للفحتك النار والمعنى واحد.

 

ففى هذا شيئان:

 

- أنه لا يجوز للسيد أن يظلم عبده.

 

-وأنه إن وقع فى شىء من مثل هذا الظلم، فتبرئة ذمته أن يخلي سبيله ويجعله حرا لوجه الله عز وجل.

 

والإنسان حينما يقرأ مثل هذه الأحاديث والتوجيهات النبوية للأسياد مع عبيدهم؛ يتذكر أن الاسترقاق فى الإسلام كما كنت شرحت هو نعمة للمسترقِّين، واتخذت ذلك وسيلة للتنبيه على خطأ بعض الكتاب الإسلاميين اليوم الذين يتجاوبون مع الأمم المتحدة ومجالسها التى قررت -بزعمها - تحريم الاسترقاق، فيتجاوب كثير من الكتّاب الإسلاميين مع هذا الاتجاه فيُعلِن أن الإسلام لا يُمانع فى تحريم الاسترقاق، فقلتُ إن هؤلاء الكتّاب لايتنبهون إلى الفرق بين استرقاق المسلمين لأعدائهم واسترقاق أعدائهم للمسلمين، فاسترقاق المسلمين لأعدائهم إنما هي نِعمة يقدمونها إلى هؤلاء الأعداء كما ذكرتُ آنفًا قول الرسول-عليه الصلاة والسلام-:  «إن ربك يعجبُ من أقوام يُجرون إلى الجنة بالسلاسل». 

 

فهؤلاء الأسرى الذين يقعون عند المسلمين يرون الإسلام عن قرب فيتعرفون على الحقيقة التي يدعو إليها الإسلام فيُؤمنون ويُسلمون ويكون أسرهم نعمة عليهم.
 
فالذين يدعون اليوم إلى تحريم الاسترقاق معنى هذا أنهم لايُفرقون بين استرقاق المسلم للكافر والكافر للمسلم.

 

وهذه نماذج نقرأها في كتاب: (الأدب المفرد) للبخاري حيث يعود هذا المسلم مع الزمن أو على الأقل أولاده يصبحون وثنيين وكفاراً و مشركين، بينما إن لم يُسلم ذلك الأسير الكافر بنفسه كما وقع فى أوَّل الإسلام، فعلى الأقل النسل الذي يتناسل منه سيعيش فى جو إسلامى وسيخرج مسلماً هذا لا شك فيه.
 
فهذه آداب من آداب الإسلام في توجيه الأسياد إلى حسن معاملتهم للعبيد ومنها هذا الأدب الآتي...

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال السابق
[3] من عدّ على خادمه مخافة سوء الظن
المقال التالي
[5] باب لا تقل: قبَّح الله وجهه