الاسم أم المسمّى؟!
لابد أن نكون على يقين تام أن تغيير الاسم لن يغير حقيقة المسمى، ولن يجعل الحرام حلالًا ولا الحلال حرامًا، ولن يجعل الباطل حقًا ولا الحقَّ باطلًا.
في اللغة العربية لدينا مفهومين أحدهما يُطلق عليه الاسم والآخر يُدعى المسمَّى.
فالاسم يستخدم لمجرد معرفة الشيء والإشارة إليه، أما المسمَّى فهو مطابقة هذا الاسم لحقيقة ما أطلق عليه.
فإذا أشرتُ إلى قلم وسألتُ عن ماهيته وحقيقته، أجاب الجميع أنه (قلم).
ولكن قد يأتي أحدهم ويطلق عليه اسم (ورقة).
إذًا هنا الاسم (ورقة) اختلف عن حقيقة المسمى (قلم)، وإذا أخبرته مرارًا وتكرارًا أنه قلم أصرَّ على تسميته بالورقة.
ثم تطالعك الصحف وتؤكد برامج التلفاز وتذيع الإذاعات ويردد الناس أخبار هذه الورقة الرائعة، لا تلتفت يمنة أو يسرة إلا وقد لاحقتك صُور الورقة وأخبارها.
ويظهر المذيع المسكين حزينًا على من غُيّبت عقولهم، وأغواهم الشيطان فأطلقوا على هذا الشيء اسم القلم، ويدعو الله أن يهديهم وأن يرشدهم للصواب وفهم تعاليم الدين وحقيقة الحياة بشكل صحيح.
ومع الوقت عندما تجدُ أنَّ الغالبية العظمى يطلقون على القلم اسم ورقة، إما أن يكون لديك إيمان راسخ ويقين ثابت لا تحيد عنه أبدًا، وإما أن تغرك الكثرة وتخدعك الصورة ويؤثر معسول الكلام فيك وتطلق عليه اسم ورقة مثلهم.
لماذا هذه المقدمة الطويلة؟
حتى نصل معًا إلى أنه من الممكن أن تُسمى الأشياء بغير مسمّياتها وتنتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم، فيصبح الحق غريبًا.
وفي الحقيقة فإن هذا من مكائد الشيطان ليبعدنا عن الحق، قال صلى الله عله وسلم: «ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها»، (رواه ابن ماجة).
فللشيطان مدخلين إلى الإنسان أولهما الشهوات، والتي لها علاقة بالبدن ورغبات النفس وشهواتها، من أكل وشرب الحرام وسماع الأغاني والزنا وغيرها، وثانيهما الشبهات وهذه لها علاقة بالعقل، فيثير الشبهات في ذات الله أو في الإسلام والعقائد، فإذا لم يستطع الوصول لعقلك وقلبك لم ييأس بل انتقل إلى المرحلة التي تليها وهي تغيير حقيقة الأسماء، فيُجَمّل الحرام بأن يسمّيه أسماءً محببةً للنفس فلا تنفر منه، فنجدُ من يطلق على الخمر اسم مشروبات روحية، ومن يسمي العري فن، والزنا علاقة عاطفية، والمجاهرة بالمعاصي انفتاح، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق جهاد، والرشوة إكرامية، والغش شطارة، والمأموريات الوهمية في العمل وإثبات حضور الغائب خدمة إنسانية، والعاريات من الممثلات والراقصات فنّانات ونجوم، والربا فوائد وأرباح، والاحتلال استعمار، وهكذا.
ويُقبّح الحلال بأن يسميه أسماءً تبغضها الناس فتنفر منه، فيقول عن الحجاب خيمة و تخلف ورجعية، والجهاد - الذي هو قتال الكفار- إرهاب، والعالم الذي يفتي بما أنزل الله متشدد، والملتزم متزمت ومتطرف، وهكذا.
وهذه أمثلةٌ بسيطةٌ لواقعٍ مريرٍ في تدليس الحقائق وتسميتها بغير مسمياتها وتحليل الحرام وتحريم الحلال ووصف الناس بغير حقيقتها.
وللأسف فإن أبواق الشيطان وأعوانه في كل مكان، من إعلام ومن علمانيين وغيرهم ممن قد ينتسبون للإسلام ويدَّعون الغيرة عليه والنصح للعباد، ولكنه أشبه بإبليس حين ارتدى ثياب الناصحين {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [سورة طه – 120].
وأمثال هؤلاء لديهم قدرةٌ عجيبةٌ على تزييف الحقائق وتزيين الباطل والحرام للناس وإبعادهم عن الحق والحلال.
لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في هؤلاء، إنما الطَّامَّة الكبرى فيمن استجاب لهم، وانقاد لغيّهم، وآمن بأكاذيبهم، فأعرض عن الحق، وأغلق جوارحه عمّا جاء به الشرع، فلا تردعه آية أو حديث.
وقد روى أصحاب السنن عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكَّذب فيها الصادق، ويُخَوّن فيها الأمين، ويُؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة» قالوا: "من الرويبضه يارسول الله؟" قال: «التافه يتكلم في أمر العامة».
ولذلك لابد أن نكون على يقين تام أن تغيير الاسم لن يغير حقيقة المسمى، ولن يجعل الحرام حلالًا ولا الحلال حرامًا، ولن يجعل الباطل حقًا ولا الحقَّ باطلًا.
ووصف شخص بصفة معينة هو بريء منها لن يؤثر في منزلته عند الله، أو يغير في حقيقة هذا الشخص، فقد وصف الكفارُ رسولَ الله صلى عليه وسلم بأشنع الأوصاف فقالوا عنه شاعر وكاهن ومجنون، فماذا كانت النتيجة؟ الرسول صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى وهم في قعر النار.
فإياك إياك أن تنخدع بهذه المسميات وأن تستجيب للشيطان وأعوانه.
يقول الفضيل بن عياض-رحمه الله-: (عليك بطرق الهدى ولا يضرّك قلَّة السّالكين، وإيّاك وطرق الضّلالة ولا تغترّ بكثرة الهالكين).
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
الكاتبة: هبة حلمي الجابري
هبة حلمي الجابري
خريجة معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية