بعد مقتل بن لادن.. بقاء أمريكا في أفغانستان.. بأي حجة؟

منذ 2011-05-18

كانت الحجة الأساسية للاحتلال الأمريكي لأفغانستان قبل 10 أعوام هو القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان، والآن وبعد إعلان واشنطن قتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة وما قد يترتب عليها من إضعاف لقوة هذا التنظيم...



قوات أمريكية في أفغانستان
كانت الحجة الأساسية للاحتلال الأمريكي لأفغانستان قبل 10 أعوام هو القضاء على تنظيم القاعدة وحركة طالبان، والآن وبعد إعلان واشنطن قتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة وما قد يترتب عليها من إضعاف لقوة هذا التنظيم، لم يعد هناك -في رأي كثير من الخبراء الغربيين والعرب وحتى المواطنين الأمريكيين أنفسهم -مبررا لبقاء آلاف من الجنود في أفغانستان وتكليف خزانة بلادهم مليارات الدولارات.

 
فواشنطن كانت دائما تبرر استمرار تواجد 100 ألف جندي من قواتها في أفغانستان والذين يكلفون الخزانة الأمريكية نحو 113 مليار دولار سنويا ، بأن القاعدة تشكل قوة خطيرة لذا فالحرب ضرورة لضمان أمن أمريكا وبريطانيا.
 
بينما يقر جيش الاحتلال الأمريكي في الوقت نفسه بأن عناصر القاعدة المتواجدين على الأراضي الأفغانية حاليا لا يتجاوزون 100 شخص، فيما يبلغ عدد عناصر طالبان ما يقارب 25 ألفا، يضاف إلى ذلك فإنه من المفترض أن تقلل عملية قتل بن لادن من قوة تنظيم القاعدة، لتشكل تهديدا طفيفا بعد ذلك، وهو ما جعل الكثير في أمريكا وبريطانيا يتساءلون عما يفعله جنودهم هناك، ومن أجل ماذا يقتلون هناك، وهو التساؤل الذي طرحته صحف غربية.
 
وتؤكد صحيفة اندبندنت البريطانية أن قتل بن لادن قد يكون نوعا من النجاح الذي يجعل باراك أوباما يعلن أن الولايات المتحدة حققت هدفها الرئيسي في أفغانستان لكي يطفئ غضب الأمريكيين الذين ينتقدون باستمرار بلادهم بسبب العدد الكبير من القتلى في صفوف جنودهم (تجاوز الألف ) وكلفة الحرب الباهظة ماليا، وتتساءل الصحيفة لم البقاء إذن الآن؟

 
وتطرح نيويورك تايمز التساؤل نفسه قائلة "إذا كانت الولايات المتحدة أضعفت من قوة القاعدة وطالبان (بعد مقتل بن لادن ) فما الداعي إذن لاستمرار التواجد العسكري الأمريكي في البلاد، ولماذا لا يتسلم الجيش الأفغاني المهمة في بلاده؟
 
لكن وبعد ساعات من إعلان مقتل بن لادن، سارعت الإدارة الأمريكية وقيادة الناتو بالتصريح بأنه لا يمكن الانسحاب من أفغانستان في الوقت الحالي، وأن مقتل بن لادن لا يعطي مبرراً لانسحاب مبكر من هذا البلد ، ف"الإرهاب الدولي لا يزال يشكل خطراً مباشراً على أمن بلادنا وعلى استقرار العالم لذا فنحن بحاجة إلى أن نبقى في أفغانستان طالما كان ذلك ضرورياً لتحقيق مهمتنا"، على حد زعمهم.
 
وتلعب الإدارة الأمريكية على "نغمة" أن تشن القاعدة هجمات ضد الغرب انتقاما لمقتل زعيمها, وأنه من الأفضل بقاء الجيش الأمريكى بنفس حجم تواجده فى أفغانستان لمدة أطول.

 
وفي المقابل يرى الكثير من القادة الأوروبيين أن مقتل بن لادن سببا قويا لسحب قواتهم من أفغانستان , والتى كانوا قد وعدوا من قبل بإنهائها تحت أى ظرف خلال السنوات الثلاث القادمة، فوزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه لم يستبعد انسحاب القوات الفرنسية من أفغانستان قبل 2014 معربا عن أمله في أن يسمح مقتل بن لادن بالتقدم في هذا البلد.
 
ويوجد حاليا حوالى 130 ألف عسكري ( قوات الناتو ) في أفغانستان يشكل الجنود الأمريكيون ثلثيهم. وكان من المقرر أن تنسحب القوات القتالية من أفغانستان بحلول عام 2014.


وقد صدرت دعوة من الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، باتريك كوكبرن، للقوات البريطانية والأمريكية إلى الانسحاب ، مشيراً إلى ضرورة البدء فوراً في مفاوضات تضم واشنطن وباكستان والحكومة الأفغانية وحركة طالبان.
 
ويستبعد الكاتب إمكانية حل عسكري للمشكلة الأفغانية، مبررا ذلك بقوله إنه إذا خرجت القوات الأمريكية من أفغانستان لن تصمد حكومة حامد كرزاي طويلاً أمام مقاتلي طالبان، والسبب أن الجيش الأفغاني الذي تساعد الدول الغربية في تشكيله وتدريبه وتسليحه غير قادر حتى الآن على القيام بأبسط مهمة عسكرية، وحكومة كرزاي لا تملك قاعدة شعبية وتضم مجموعة من الفاسدين المتورطين في أعمال نهب وفساد.
 
وبرأي بعض الخبراء أن أمريكا لا تريد الانسحاب من أفغانستان وإن أرادت فسيكون انسحابا جزئيا وليس كاملا يضمن لها وجود لفترة طويلة لتحقيق أطماعها في البلد الغني بالنفط، فلم يكن يخفى على أحد أطماع الولايات المتحدة في ثروات أفغانستان منذ الثمانينات فمساعدتها للمجاهدين الأفغان ضد الروس لم يكن حربا باردة مع الاتحاد السوفيتي وإنما غرسا لأقدامها في أرض أفغانستان الغنية بالثروات الطبيعية.

 
وفي المقابل يرى آخرون أن الإعلان عن مقتل بن لادن قد يكون مقدمة بالفعل للانسحاب من أفغانستان، حيث تريد أمريكا الخلاص من "مستنقع الموت" الذي وضعت جنودها فيه والتكلفة المالية التي تتكبدها سنويا.
 
وظلت الولايات المتحدة تتحين الفرصة التي تشن فيها الهجمة على أفغانستان، إلى أن جاءت هجمات 11 سبتمبر التي استهدفت نيويورك وواشنطن عام 2001 ؛ فتوجهت أنظار العالم إلى أفغانستان وحركة طالبان الحاكمة هناك وأسامة بن لادن الذي تؤويه الحركة والمطلوب أمريكيا، وسارع مسؤولون أمريكيون إلى توجيه أصابع الاتهام إلى بن لادن وطالبان في المسؤولية عن تلك الهجمات، وكأن الاتهامات قد أعدت سلفا.

 
وما زاد من أطماع أمريكا ما حدث العام الماضي حيث اكتشف علماء جيولوجيا أمريكيون في أفغانستان كميات هائلة من المعادن من حديد وذهب ونيوبيوم وكوبالت ونحاس وليثيوم تقدر قيمتها بترليون دولار وهي كميات تكفي لتجعل من هذا البلد الذي دمرته الحروب أحد أوائل المصدرين العالميين للمعادن. وقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن أفغانستان يمكن أن تصبح بهذا المجال مثل السعودية في قطاع النفط، كما أن احتياطات الحديد والنحاس يمكنهما جعل أفغانستان واحدة من الدول المصدرة الرئيسية في العالم لهذين المعدنين.
 
وفي ظل أطماع أمريكا الاقتصادية والإستراتيجية في أفغانستان، هل تستجيب للضغوط الخارجية والداخلية وتنسحب مبكرا وبسهولة بعد مقتل بن لادن المبرر الأساسي لغزو البلاد ، أم ستبحث لها عن حجة أخرى للبقاء أو تأخير الانسحاب والاستفادة بقدر الإمكان من ثروات هذا البلد الذي ذاق الويلات على يديها لمدة 10 أعوام من الاحتلال والقتل؟


7/6/1432 هـ

 
المصدر: إيمان الشرقاوي - موقع المسلم