حاجة رمضان

منذ 2018-05-19

فقط سأحدثك عن المنطق.. الذي نفعله بين يدي رمضان من حُمّى الشراء وكنز الطعام والشراب.. صدّقني.. يخالف أي منطق.

في حوار مكرر:
- "جيبت حاجة رمضان؟"
- "إيه هي حاجة رمضان أصلا؟"
- "أيوة يعني جيبتوها ولا ما جيبتوهاش؟"
- "ما هو أنا مش عارف قصدك إيه تحديدا!"
- "ياميش وكدة يعنى.. 
خضار ولحمة زيادة حبتين،
خزين وتموين وقمر الدين،
حاجة رمضان يا عم"
- "آه... فهمت... قصدك أكل يعني؟
طيب ما احنا دايما بنجيب أكل حسب الاحتياج إيه الجديد عشان نخلي اسمه حاجة رمضان؟"

نظر لي صديقي في دهشة ممتعضة ولم يَبدو أنه قد راق له ما قلت لكنه على أي حال قرر أنه لا فائدة من الجدال مع أمثالي فغادرني بلا مبالاة ليسارع إلى ذلك المتجر العملاق الذي اصطف حوله الناس متزاحمين وقد أغلق تجمهرهم المرور منذ أيام في ذلك الشارع المهم في بلدتنا العامرة لا لشيء إلّا ليلحقوا بدورهم في شراء الحاجة.. 
حاجة رمضان..

 

ستحسب أن ثمة مجاعة قادمة أو أن زلزالا مريعا أو كارثة بيئية ما تلوح في الأفق والقوم يسعون لتأمين احتياجاتهم من الطعام والشراب قبل شُحهما وذلك حين تتأمل هذا التزاحم الرهيب أمام متاجر الطعام وتشاهد ذلك الاستباق الحثيث والطوابير الطويلة أمام (الكاشيير).
العجيب أن نفس المشهد يتكرر كل عام مع زيادة تصاعدية ملحوظة في تلك الحالة الاستهلاكية المحمومة.
الكل قلق..
الكل مذعور..
ماذا سنفعل في حاجة رمضان؟؟؟ 
الأب قلق على محفظته التعسة وميزانيته المنهكة..
والأم قلقة على نفاد الكميات وعدم توفر المطلوبات الكافية لتنفيذ الولائم والعزومات والمسبك والحلويات..
والأبناء أيضا قلقون.. لماذا هم قلقون؟! لست أدري في الحقيقة لكنهم بالتأكيد سيصيبهم شيء من رذاذ القلق المتطاير بشأن الحاجة.. 
حاجة رمضان..

 

ثمة أسئلة منطقية تطرح نفسها دوما..
لماذا صارت الحاجة= حاجة رمضان؟!
لماذا صار اسم المكسرات= ياميش؟!
لماذا تحول عصير المشمش إلى قمر الدين؟!
ما كل تلك الكمية من العصائر والحلويات والفواكه المجففة المنقوعة في العصير والتي ظهرت فجأة من العدم؟ 
ما سر العرقسوس؟ 
ولماذا يعشقه كل هؤلاء البشر؟
بل كيف يطيقون ابتلاعه أصلا؟ 
وأين تذهب القطايف طوال العام؟ 
لماذا الآن تحديدا ظهرت كل تلك المغريات وتسربلت بالعباءة نفسها التي تحمل الاسم نفسه؟!
حاجة رمضان..

 

الفلكلور والعادات والعبق كل ذلك لا يضايقني بالعكس هو يثير في نفسي ذات المشاعر والشجون ويبعث (النوستالجيا) المحببة للنفس.... لكن..
الأمر لما يزيد عن حده= ينقلب لضده..
لماذ نُضخم الأمر حتى يكاد يلتهمنا تماما كما التهم ميزانياتنا؟ 
لماذا لا نتعامل مع الأمر على قدره؟ 
لن أحدثك عن قيم الزهد وترك التكلف الذي أولى ما يكون في شهر التخفف من المباحات والتفرغ للطاعات فذلك حديث صار يثير سأم البعض للأسف..
ولا عن الحالة الاقتصادية المتردية التي لا يسأم الناس الشكوى منها ثم يُعرّضون أنفسهم بإصرار للمزيد من التأزم فيها..

 

فقط سأحدثك عن المنطق..
الذي نفعله بين يدي رمضان من حُمّى الشراء وكنز الطعام والشراب.. صدّقني.. يخالف أي منطق.
المنطق يقول أنه لا يوجد أي داع لهذا التسابق المحموم والتزاحم المتشنج..
الأمر أهون من ذلك..
ما تحتاجه يوم 5 رمضان تستطيع شراءه في اليوم نفسه أو الذي على الأكثر في اليوم الذي يسبقه وصدقني أيضا هذه المرة... إن شاء الله ستجده من دون هذا القلق و(الأفورة)..

 

المنطق يجزم يا صديقي أن حاجة رمضان هي حاجة شعبان وشوال وربيع وجمادى..
هي في النهاية مجرد لقيمات نطعمها لنحيا لا نحيا لنطعمها..

 

يبدو أنني قد أطلت كالعادة دون أن أشعر وسأُعطلك وأعطل نفسي عن اللحاق بموقعنا في الطابور ..
لحظة حتى أخرج الورقة التي ذكّرتني فيها زوجتي الحبيبة بالحاجة المطلوبة.