ترشح الإسلاميين للرئاسة مناقشة المعارضين
منذ 2011-06-20
إن مطالبة الإسلاميين بعدم التقدم للحصول على هذا المنصب في مثل واقعنا الذي نتحدث عنه معناه في واقع الأمر أن يُخرج الإسلاميون الوصول لهذا المنصب من تصوراتهم أو أمانيهم عقودا متطاولة إذ ما الذي يمنع غير الإسلامي إذا كان في قمة السلطة من التضييق؟
عندما تختل القيم في المجتمعات وخاصة عندما يتسلط الأرذلون على مقاليد الحكم، فيرفع من هم أهل السفول ويستهان بمن هم أهل الرفعة والعلو على الحقيقة، وعندما نجد الرويبضة يقدم نفسه أو يقدم للناس على أنه هو الشخص الصالح لتبوء هذا المنصب، في ظل عزف جوقة الإعلام غير النزيه له وتزيين هذا القبح والدمامة الفكرية، يصبح من الواجب-الذي لا يعذر أهل الحق في التقاعس عنه-تقدم أو تقديم من هو أهل لذلك المنصب؛ لأن في وصوله له خير البلاد والعباد، كما أن في تقاعسه عنه إفساح المجال أمام أصحاب العاهات الفكرية وتسهيل المهمة لهم في الوصول إلى مكان الصدارة، حيث يشقى بذلك البلاد والعباد، وإذا كان يجب على الصالح لهذا المنصب-إذا لم يكن ثم غيره يصلح له على الوجه المرضي- أن يتقدم بثبات نحوه غير خائف ولا وجل فإن على بقية الشعب أن يحثوه ويدفعوه لذلك دفعاً، فإذا استجاب وتقدم محاولاً أن يسد الخلل فقد وجب على بقية الأمة أن تختاره بقوة وأن تذب عنه وتدافع أمام من ينتقصونه ويحاولون خذلانه، ورغم وضوح هذه القضية فإن هناك قسماً من المتابعين يشفقون على تقدم الإسلاميين لتولي هذا المنصب لما يجدونه من محاربة كثير من الإعلاميين لهم الذين كل همهم إبعاد الإسلاميين عن ذلك يؤازرهم ويناصرهم في ذلك كل الطيف العلماني والليبرالي مستخدمين في ذلك كل وسائل التضليل والتحريف وإرهاب الشعب من هذا الخيار، ومخاطبة الشعب من خلال شهوتي الفرج والبطن ويبينون أن وصول الإسلاميين للحكم يعني إغلاق البنوك (الربوية) مما يترتب عليه كوارث اقتصادية، كما أن وصولهم يعني محاربة الفن (العري والتهتك) وإغلاق أماكن الترفيه والترويح عن النفس (الكباريهات والملاهي الليلية) مما يترتب عليه أن يصير الناس في بلدانهم وكأنهم محبوسون لا يملكون الترويح ولا الترفيه عن أنفسهم، ويخلص المشفقون من ذلك إلى أن تولي الإسلاميين للرئاسة لن يكون له مردود إيجابي على الدعوة، بل على العكس من ذلك سوف يعمل الطرح العلماني الليبرالي على تعميق الهوة بين الشعب والإسلاميين ومن ثم يرى هؤلاء المشفقون أن عدم تولي الإسلاميين للرئاسة في الفترة الحالية يصب في مصلحة الإسلام والدعوة إليه، ولجوابي على ذلك أقول: إن المعركة بين الحق والباطل معركة مرتبطة بوجود الحق والباطل نفسه فهي معركة ممتدة دائمة ما دامت السموات والأرض، وإلا فأروني عصراً من العصور خلا من تلك المعركة، ثم نقول: ومتى يمكن للإسلاميين أن يتقدموا لتلك المناصب؟ فسيقولون: حتى تنتهي هذه الحرب أو يرتفع الوعي جداً لدى الشعب حتى لا يتأثر بما يقوله الإعلام الفاسد، لكن هل يمكن أن تنتهي الحرب بين الحق والباطل من غير أن ينتهي وجود أحدهما في الواقع، وإذا لم يتقدم إسلامي لشغل هذا المنصب فالذي سوف يشغله هو حتماً غير إسلامي، وفي ظل الإعلام المناوئ لتولي الإسلاميين للسلطة وفي ظل وجود شخصية غير إسلامية في قمة هرم السلطة هل ممكن أن يزداد وعي الشعب أم أن النتيجة المنطقية هي مزيد من التضليل.
إن مطالبة الإسلاميين بعدم التقدم للحصول على هذا المنصب في مثل واقعنا الذي نتحدث عنه معناه في واقع الأمر أن يُخرج الإسلاميون الوصول لهذا المنصب من تصوراتهم أو أمانيهم عقودا متطاولة إذ ما الذي يمنع غير الإسلامي إذا كان في قمة السلطة من التضييق على الإسلاميين حتى يحول بينهم وبين الوصول إلى قيادة الأمة من خلال دينها، والتاريخ القريب الذي لم يجف مداده بعد خير شاهد على ذلك، ومن العجيب أن نجد بعض من لا يستحي من تاريخه المشين يقول للإسلاميين: نريد أن نطمئن أعطونا عهوداً ووعوداً أنكم إذا وصلتم للحكم فلن تستأثروا به، والذي يحتاج أن يُعطِي العهد والوعد هم لأنهم منذ أن أمسكوا بمقاليد الحكم منذ ستة عقود لم يتركوها إلا على جثثهم، وقد ساموا من ليس على نهجهم سوء العذاب وآثار التعذيب المحفورة على أجساد ضحاياهم خير شاهد على ذلك.
كما يرى المشفقون أن التحديات التي تواجه الإسلاميين لا تقتصر على التحديات القادمة من خارج الصف بل هناك تحديات تعترضهم قادمة من الصف الإسلامي نفسه حيث يطالبهم المسلمون والإسلاميون بالتطبيق الفوري الكامل لكل الأحكام الشرعية وهو مما لا يمكن حدوثه كما يرى المشفقون، ومن ثم تنتقل المعركة من خارج الصف الإسلامي إلى معركة داخلية ما يكون له أسوأ الأثر في نظرة الشعب للإسلاميين ومن هنا يكون خيار عدم تولي الإسلاميين لمنصب الرئاسة في هذه الفترة هو الخيار المفضل لدى المشفقين، وجوابا على ذلك أقول: في حالة تولي الإسلاميين لمقاليد الحكم فسينفتح الطريق أمامهم لتدشين حملة إعلامية غير مسبوقة من مختلف الاتجاهات والفصائل لتجلية هذه المسألة والنظر إليها من جميع جوانبها مما يضعف تلك المزايدات أو يقضي عليها، وذلك في ظل ما يلمسه الناس من مصداقية الإسلاميين في الوفاء بوعودهم وتطبيقهم لكل ما يمكن تطبيقه بغير مماطلة أو تسويف.
ومما يسوقه المشفقون في صدد الانتصار لقولهم وقوف الغرب النصراني ضد تولي الإسلاميين السلطة ومن ثم يضعون المتاعب والعراقيل أمامهم بما في ذلك الحصار التي يمكن أن يفرض عليهم بما فيه من تضييق على الشعب مما قد تجعله ينتفض رافضاً حكومة الإسلاميين، وجواباً على ذلك أقول: لو كان هذا التصوير للموقف صحيحاً فلا أمل في أي وقت في حكومة إسلامية لأن موقف الغرب النصراني أو اليهودي لن يتغير من الإسلاميين إلا بتراجع الإسلاميين عن التمسك بدينهم والالتزام بشريعتهم، قال الله تعالى : {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} ، وفي هذا التصور تقليل من إمكانيات الشعب وقدرته على الصمود في وجه الأعاصير التي يمكن أن تقف في سبيل اختياراته، ومن خلال هذا التصور لا يكون هناك وجه للاعتراض على الرؤساء الذين استجابوا للضغوط الغربية لأنهم من خلال ذلك المقياس فعلوا الممكن وجنبوا بلادهم ضغط الغرب عليهم ومحاصرتهم، ثم إن التدافع بين الحق والباطل سنة ماضية ولا يمكن إيقافها بمثل هذا التصور، وديننا يحثنا على الثبات وترك الهوان قال تعالى: {إذا لقيتم فئة فاثبتوا} وقال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} ، ولا يمكن لنا أن ننسى في خضم المنازلة مع المعادين لشرع الله تعالى أن الله يدافع عن الذين آمنوا وأنه ينصر دينه وعباده المؤمنين. إن التعامل مع التهديدات القادمة من الغرب المناوئ بهذه الطريقة يعني عدم الثقة في النفس وفي شعوب الأمة مما يعني الهزيمة الدائمة أمامهم وأنه لا أمل في الخروج من دائرة نفوذهم.
وهناك من يطالب أن يكون الرئيس في الفترة الحالية غير مؤدلج أي ليس له أيدلوجية خاصة يركن إليها وأن يكون أقرب ما يكون من شخصية الإداري المحترف أو القاضي النزيه ويرون أن صاحب هذه الصفات هو المناسب للمرحلة الانتقالية التي ينتقل فيها الشعب من نظام طاغية مستبد إلى نظام يسوده العدل والحرية، وبغض النظر عن مناقشة هذا الطرح وبيان خطئه من صوابه نقول: وأين هذه الشخصية غير المؤدلجة؟ التي يمكن أن تتقدم لهذا الأمر، أنا أتصور أن هذه الشخصية لا وجود لها في الخارج وإنما وجودها وجود ذهني فقط لكن إذا وجدت فمن يضمن نجاحها في مقابل مرشحين مؤدلجين تقف خلفهم الجماعات (في الداخل والخارج) التي تتبع الأيدلوجية نفسها بقضها وقضيضها، إن هذا الطرح يحول المعركة الانتخابية إلى منازلة بين شخص ليس له قاعدة جماهيرية يرتكن إليها، وبين آخرين لهم قواعدهم الشعبية المتجذرة بما تملكه من إمكانات مادية ودعائية، ثم إذا امتنع الإسلامي-بحسبان أنه مؤدلج- عن الترشح فهل هناك ما يضمن ألا يترشح شخص آخر مؤدلج؟ ويكون ذلك الطرح الذي يطرحه المشفقون قد مهد الطريق أمامه وأزال أكبر العوائق التي تحول بينه وبين الوصول إلى قمة الهرم القيادي، إن فكرة عدم ترشح إسلامي لمنصب الرئاسة تصلح أن تكون فكرة للرياضة الذهنية لكنها لا تصلح أن تكون فكرة نافعة في واقع الحياة.
وهناك من يقول: إن الشعب غير مؤهل لتحمل تبعات الحكم الإسلامي، ويقال في الرد عليهم: ومتى يتحمل الشعب تبعات الحكم الإسلامي؟ ومهما حددتم من وقت فجائز أن يقال بعده الكلام نفسه، لذا أقول: لا تحقروا من الشعوب ولا تقوموا بالوصاية عليها فالشعوب متمسكة بدينها وهي حريصة عليه، ومستعدة أن تتحمل في سبيله ما لا يخطر على البال والتاريخ شاهد على ذلك، نعم قد نجد من تقاعس وضعف لكن هذا لا يمثل الأصل وإنما يمثل حالة استثنائية، وتحمل التبعات ليست مسألة نظرية أو فكرية حتى تناقش على الأرائك، بل هي عملية والعمليات لا يمكن الحكم عليها إلا في بيئتها العملية فلا يمكن أن نقيس مدى تحمل الشعوب من عدمه إلا بعد تطبيق الحكم، ثم يقال هذا الكلام لم يدل عليه دليل يعول عليه (شرعي أو تاريخي) ومن ثم فلا ينبغي النظر لهذا الكلام .
وأخيراً هذه فرصة منَّ الله بها على عباده المؤمنين فكيف نضيعها من بين أيدينا بمثل هذا الكلام ومن الممكن جداً إذا تقاعس الإسلاميون عن طلبها أن تفلت من بين أيديهم لعقود إذا هم لم يغتنموا هذا الحدث التاريخي ويتعاملوا معه بجدية كاملة.
محمد بن شاكر الشريف
باحث وكاتب إسلامي بمجلة البيان الإسلاميةوله عديد من التصانيف الرائعة.
- التصنيف: