خِطَابُ السُّقُوط

منذ 2011-06-21

ألقى (بشار بن حافظ أسد) مُعَلَّقَتَه -هذا اليوم- في مُدَرَّج جامعة دمشق، قائلاً: <br /> السلام على سورية ومَن يحميها.. من الشبّيحة الأطهار، وعساكر الممانعة من الفرقة الرابعة الأخيار، وسائر جنود الصمود والتصدّي الوطنيين الأحرار.. !!


ألقى (بشار بن حافظ أسد) مُعَلَّقَتَه -هذا اليوم- في مُدَرَّج جامعة دمشق، قائلاً:

السلام على سورية ومَن يحميها.. من الشبّيحة الأطهار، وعساكر الممانعة من الفرقة الرابعة الأخيار، وسائر جنود الصمود والتصدّي الوطنيين الأحرار، من قوّات أجهزة المخابرات الخمسة عشر، وأشاوسها المستنفرين، من درعا إلى جسر الشغور، والمرابطين بوجه العدوّ الصهيونيّ، من اللاذقية إلى الحسكة ودير الزور!..

السلام على شهداء الوطن، الذين قتلناهم لحماية سورية الحرّة، وشرّدنا عائلاتهم للمحافظة على الوحدة الوطنية، وحرقنا مزروعاتهم وحقولهم، وأبدنا أنعامهم، ودمّرنا بيوتهم وأراضيهم.. للحفاظ على وحدة التراب الوطنيّ!..

إنّ وطننا وشعبنا يتعرّضان لمؤامرة جرثومية، ونحن نعيش ظروفاً صعبةً لا نملك فيها ما يكفي من المضادّات الحيوية، لذلك نستخدم الدبّابات والرشاشات وقذائف الهاون والمدفعية.. وكل ذلك لعيون سورية والسوريّين، ولحماية المزرعة الأسدية، من المتآمرين والمسلَّحين.. والمندسّين في صفوف الاحتجاجات السلمية!..

* * *

إن تأخّرتُ عليكم -يا أبناء شعبي الحبيب وبناته- في هذه الطلّة البهيّة.. فلأنني لا أحب الإعلانات التجارية، ولا الصناعية.. بل لأحدّثَكم عمّا تم إنجازه، وليس عمّا سوف ننجزه، فما أنجزناه في زمنٍ قياسيٍّ من الإصلاح، تجاوز قتلَ ألفي مندسّ، وجَرْحَ عشرة آلاف جرثومةٍ متآمرةٍ على أمن الوطن، واعتقالَ ثلاثين ألف متسلِّلٍ عبر الحدود، بسياراتهم ذات الدفع الرباعيّ، كتلك التي أرسلناها لصديقنا الحميم (معمّر القذّافي)، منذ بدء حملته على الجرذان الليبية المندسّة!..

لقد قام جنودنا البواسل باقتحام أكبر عددٍ ممكنٍ من المدن والقرى والبلدات السورية، لملاحقة المتآمرين الهابطين من كوكب (بلوتو)، وذلك بطلبٍ من الأهالي المذعورين لرؤية الأطباق الطائرة التي كانت تحلِّق فوق رؤوسهم.. لكننا فوجئنا بحقيقةٍ لم نكن نتوقّعها، بل استغربنا منها أشد استغراب، هي أنّ شبيحتنا وقوّاتنا ومدرّعاتنا الباسلة، عندما اقتحمت مدينة (جسر الشغور) لحماية أهلها بطلبٍ وإلحاحٍ منهم.. لم يجدوا فيها أحداً من هؤلاء الأهالي، ولدى التحقيق بالأمر، تبيّن أن (رجب طيب أردوغان) قد اختطفهم، وأقام لهم معتقلاتٍ جماعيةً وراء الحدود، وإننا نُحَمِّل الحكومةَ التركية المسؤولية الكاملة عن سلامتهم ورفاهيّتهم!.. ولن يَقرّ لنا قرار حتى يعودوا جميعاً إلى وطنهم وبلدهم وقراهم.. ولا حاجة لنا -في هذه العُجالة- أن نسألَ أنفسَنا عن سبب تهجيرهم ومَن هجّرهم، لكننا ندعوهم للعودة إلى بلدهم، فلدينا ما يكفي من السجون والمقابر لاستيعابهم!..

* * *

إننا نلتقي اليوم في لحظةٍ فاصلةٍ من تاريخ بلدنا، نترحّم فيها على شهداء جيشنا الباسل، الذين لم يكن هناك بدّ من قتلهم على أيدي شبّيحتنا المناضلين، الذين لم يتركوا جريمةً إنسانيةً تعتب عليهم!.. ولأننا لا نفكِّر إلا بالمستقبل، فسنعمل على تشكيل خمسين لجنةٍ، للقيام بتأسيس ستة عشر هيئة، قادرةً على دراسة سبع مئةٍ وخمسةٍ وأربعين مشروعاً أولياً، لإعداد ثلاث مئةٍ وستةٍ وتسعين تقريراً، يُشخِّص -بدقةٍ متناهية- أربعة آلاف سببٍ، من إرهاصات الأسبوع الأول، لكلٍ من الأشهر الثلاثة الماضية، لانطلاق المظاهرات الأربع الأولى للمخرِّبين.. وذلك بهدف اختبار إنجازاتنا الديمقراطية التي أنجزتها قطعاتنا العسكرية الشجاعة، في الشوارع التي رفعنا عنها حالة الطوارئ في البلاد، لننتقل بعدها إلى الخطوة الحضارية التالية، في إبادة ما يمكن إبادته، من ملايين المندسِّين السوريين، القادمين من أحد أقمار كوكب المشتري، للمطالبة بالحرية!..

لا أعتقد أنّ سورية مرّت بمرحلةٍ لم تكن فيها هدفاً لمؤامراتٍ مختلفة، والمخرِّبون الذين اجتاحوا البلاد في هذه المرحلة، هم مجموعة قليلة العدد، بل فئة صغيرة تافهة، لذلك حوّلنا جيشنا كله مع حرسنا الجمهوريّ وكل قطعات قوّاتنا الأمنية.. لمحاربتها والقضاء عليها، وانتشرت قواتنا المختلفة في كل مترٍ مربّعٍ من الوطن الغالي!.. ولا نزال نقاوم هذه المجموعة الصغيرة ونمانعها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ولم ننتهِ منها حتى الآن، إذ بقي ثلاثة وعشرون مليوناً من أفرادها على قيد الحياة!..

سنعمل على، وسوف لن نتوانى، وسنمنح، وسنعفو، وسوف نحلّ، وسنحلحل، وسوف نشكِّل اللجان العديدة، لإعداد ما سيُنهي الفساد المستشري، واضعين نصب أعيننا، حَلّ مشكلة المازوت وأسئلة البكالوريا، وتأمين خزّانات الزبيب، واختصار فترة الإعلانات التلفزيونية أثناء عرض مسلسل باب الحارة، ووضع حدٍ لعدد الجمعيات الخيرية التي سيقوم بتأسيسها الحاج رامي مخلوف!..

* * *

هناك رغبة في أن يكون العفو الذي أصدرناه، ولم يستفد منه أحد إلا الحشاشون واللصوص.. في أن يكون أشمل، ليضمّ إلى صفوف المعفيِّ عنهم: القتلة غير المطالَبين بدم مَن قتلوهم!.. وقد طلبتُ من وزارة العدل دراسة توسيع هامش العفو، ليشمل تجّار المخدّرات ومُتَعاطيها، والمحكومين بقضايا أخلاقية!..

إنّ المكوّن الأكثر خطورة، هم أصحاب الفكر المتطرِّف التكفيريّ، الذين لا يؤمنون بآل الأسد رباً لا شريك له، ولا بالبعث دِيناً ما له ثاني.. وأصحاب هذا الفكر يقبعون في الزوايا المعتمة، ويظهرون عندما تسنح لهم الفرصة، فيقتلون الأطفال ويعذِّبونهم ويقتلعون أظافرهم.. باسم الدّين، ويُـخَرِّبون، فيحرقون حقول محافظة (إدلب) ويقتلون البقر والغنم والماعز والحمير والدجاج.. باسم الإصلاح، وينشرون الفوضى باقتحام البلدات والقرى والحارات، وبمداهمة البيوت وانتهاك الأعراض وتهجير الناس.. باسم الحرية!.. وما حمزة الخطيب وهاجر الخطيب وثامر الشرعي وشهيدات المرقب عنا ببعيد!..

كما هناك مكوّن خارجيّ له دور في الأزمة، وهناك أشخاص تُدفَع لهم أموال ليقوموا بعمليات التصوير والتعامل مع الإعلام الخارجيّ، مع أننا سمحنا لكل وسائل الإعلام في الأرض والقمر وكوكب المرّيخ، أن تدخلَ البلاد، وتتجوّلَ في كل بقاع سورية وبواديها وصحاريها وسواحلها، لنقل الصورة الحقيقية عمّا يجري.. من تأييدٍ لنا ولنظامنا، واستعدادٍ لبذل الدم خلال المظاهرات، في سبيل حماية نظام حكمنا الديمقراطيّ الرغيد!..

* * *

لقد عملوا أيضاً على استحضار خطابٍ طائفيٍّ ومذهبيٍّ مَقيت، لا ينتمي إلينا ولا ننتمي إليه، فراحوا يتحدّثون بطائفيةٍ مقيتة، أنّ نظام حكمنا هو نظام طائفيّ، مع أنّ عائلتنا -فحسب- هي التي تحكم البلاد، فلا يحكم سورية إلا أنا وشقيقي ماهر وشقيقتي بشرى وأخوالي من آل مخلوف، وصهري آصف.. والحبّوب الطيّوب رامي، الذي حُرِمَ في طفولته من اللعب بألعاب الأطفال، فصار في عهدنا يلعب بالبلاد والعباد وعشرات المليارات من الدولارات (غير المزوَّرَة)!..

لقد كانت المؤامرة كبيرة، لكنّ شعبنا الوفيّ أحبطها بحسّه الوطنيّ، فخرجت الجموع الغفيرة تأييداً لنا وحمايةً للنظام، ولم يستطع المندسّون أن يعكِّروا أجواء مظاهرات التأييد العارمة، التي سهر رجال الأمن على ترتيبها مع طلاب الجامعات وعساكر الجيش المجنَّدين باللباس المدنيّ وموظّفي المدارس والمؤسّسات الرسمية!.. لذلك لم تقع فيها أية حوادث إطلاق النار، ولا التخريب، ولا حرق صورنا وصور والدنا الكريم حافظ!..

* * *

سنعمل على إطلاق حوارٍ وطنيٍّ شامل، تشارك فيه أوسع الشرائح الاجتماعية والفكرية والسياسية.. من البعثيين القدامى والجدد، وجميع المستحاثات الحزبية المرجعية، وضباط المخابرات المؤهّلين تحت عنوان: أستاذ جامعي أكاديمي، ومحلِّل سياسي، وعضو مجلس الشعب، وإعلامي حُرّ، وصحفي مستقلّ!.. ولا شكّ أنه سيكون ذلك كله تحت سقف الوطن، وفي خيمته التي تشبه خيام آلاف اللاجئين المندسّين في الأراضي التركية!.. ولن تمضي أكثر من عشر سنواتٍ أخرى، حتى نحدِّد بالضبط: مَن سيشارك بالحوار، وما معاييره، وكيف نضع محاوره، ومَن سيشارك في كل محور.. وغير ذلك من التفاصيل التقنية.. والفيزيولوجية والديماغوجية والتشريحية والفلسفية والنفسية.. والسحرية!..

وخلافاً لما قلته في خطابي الأول في شهر آذار الماضي، فإنني أؤكِّد اليوم أنّ الإصلاح بالنسبة لي هو قناعة كاملة ومطلقة، لأنّ الإصلاح في شهر حزيران يمثّل مصلحة الوطن، بخلاف الإصلاح في شهر آذار منذ ثلاثة أشهر، فهو لم يكن يمثّل مصلحة الوطن، لذلك لم أُعِر اهتماماً له في ذلك الوقت، مع أنّ كل رجال الدولة من حولي كانوا -وما يزالون- يُلِحّون عليّ للقيام بخطوات الإصلاح الحقيقيّ، فالإصلاح مصلحة وطنية، ويعبِّر عن رغبة الشعب، ولا يمكن لعاقلٍ أن يقفَ ضد مصلحة الوطن أو الشعب -مع فترة سماحٍ مقدارها أحد عشر عاماً فحسب- إلا أنا وماهر ورامي وبشرى وآصف ورؤساء أجهزة المخابرات، وكتائب الشبّيحة، وفرقة الحرس الجمهوريّ، وبقية آل أسد ومخلوف.. وتلفزيون الدنيا ومحطة الإخبارية السورية والقناة الفضائية الوطنية ووكالة سانا للأنباء.. وشلّة طالب إبراهيم وخالد عبّود وشريف شحادة وبسام أبو عبد الله.. وبقية شبّيحة الإعلام التابعين للمخابرات السياسية والعسكرية وفرع كفرسوسة!..

* * *

طبعاً الدستور وضعه منفصل، ومع أنه فُصِّل تفصيلاً على مقاسنا وعُدِّل خلال سبع دقائق في عام 2000م.. فإنّ إعادة النظر في بعض موادّه الآن يحتاج لمجلس الشعب، ومجلس الشعب الجديد لم يُنتَخَب حتى الآن!.. أما تغيير الدستور فسيحتاج لاستفتاءٍ شعبيٍّ عامّ، والاستفتاء الشعبيّ في ظل حزبنا القائد يجب ألا تقل نسبة الموافقة فيه عن 99,9999%، وبذلك ستكتمل حلقة الإصلاحات، التي بدأت بإلغاء حالة الطوارئ، وانتشار الجيوش في كل شوارع المدن والقرى، واكتظاظ السجون والمستشفيات والمقابر بالمندسّين، وإعادة افتتاح سجن تدمر الحضاريّ العتيد!..

أبشِّركم، بأنّ المرحلة المقبلة، هي مرحلة تحويل سورية إلى ورشة بناء، لإعادة بناء جدار الخوف الذي هدّمه المندسّون العملاء، ولرأب الصدع في تماسك عائلتنا الحاكمة، وبَلسَمَة الجراح، بقتل جرحى المندسّين والإجهاز على نزلاء المستشفيات جميعاً، حتى أولئك الذين دخلوها لغسل الكلى أو لطوارئ الولادة!..

إنني أدعو كلَّ شخصٍ أو كلَّ عائلةٍ هُجِّرَت من قريتها أو مدينتها، أن تعودَ بأسرع وقتٍ ممكن.. فالفرقة الرابعة تنتظركم على أحرّ من غيظ الشبيحة، الذين لم يظفروا بكم حتى الآن.. عودوا فقد أعددنا لكم من المقابر والسجون ما يتسع لأضعاف أعدادكم!..

* * *

على هذا الجيل أن يُـحَضِّرَ نفسَه للمرحلة السياسية القادمة، لكي نكون نحن النموذج لكل المنطقة.. وبدلاً من أن نأخذَ دروساً من جيراننا.. سوف نُعطيهم دروساً.. في ديمقراطية الحزب الواحد، والتجارة الحرة المخلوفية، وفي التشبيح، وفنون الإعلام الجديد الذي يقطر صدقاً وشفافية، وفي تهريب الأموال وتهجير الآمنين، والتفنّن بإذلال الشعوب والدَّوْس على كرامة أبنائها وبناتها!..

* * *

انتهى الخطاب المدوِّي، الذي لم يبتلع بشار خلاله رِيقَه أكثر من أربعين مرّة، وخرج من القاعة وسط عاصفةٍ من تصفيق الحاضرين، من تلاميذ الجامعة وتلميذاتها، الذين لا يقل عمر الواحد منهم أو الواحدة منهنّ عن أربعين سنة ولا يتجاوز السبعين.. فيما خرج مئات آلاف المندسّين في المحافظات السورية، بمظاهرات التأييد العارمة هاتفين: (الشعب يريد إسقاط النظام)، وذلك دفعةً على الحساب، بانتظار عاصفة يوم الجمعة القادم: جمعة الخلاص من هذا النظام العاهر الفاجر ورئيسه المعتوه!..


20/7/1432 هـ

 

المصدر: د. محمد بسام يوسف - موقع المسلم