سُرُج مضيئة من الكهف...!
نقرأها كل جمعة لنجدّد بها إيماننا، ونعلي توحيدنا، ونزكي نفوسنا، ونهذّب أخلاقنا
• كيف للكهفِ أن يُضئ ولمّا/ نستفِد منه بلسماً وبدورا...إن كهفاً من الظلام تراه/ يُصبح اليوم جنةً وحُبورا... تلك آياتُ ربنا ونعيمٌ/ فاض للرهط رحمةً ونشورا...!
• كهف إيماني مشِعٌ بالأنوار والحكم والبهجات ، وكونه كهفاً لم يمنع سريان نوره، وسطوع فوائده، وظهور أسراره .
• نقرأها كل جمعة لنجدّد بها إيماننا، ونعلي توحيدنا، ونزكي نفوسنا، ونهذّب أخلاقنا .
• صحّ حديثها موقوفا كل جمعة، وله حكم الرفع، لأن مثله لا يقال بالرأي ونصه « من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور، ما بين الجمعتين» [رواه الحاكم والبيهقي وسنده حسن] .
• حوت أربع قصص ، الأولى: في إيثار الإيمان، والثانية: في المال، والثالثة: في العلم، والرابعة: في الولاية والسلطان، وغصت بالفوائد الحِسان، والحِكم العِذاب..!
• وافتتحت بقصة الفتية الأبرار ، والشباب الأشداء ، المؤثرين طريق الحق على الضلالة { إذ قاموا فقالوا ربُّنا رب السموات والأرض} قول وعمل وتحرك، وإعلان للتحدي والصلابة .
• فشعّت عليهم بسمات الكهف المنير، وجاءهم من نوره ورحمته ما لطف الله بهم فيه {فاْووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته} [سورة الكهف] .
• وفِي كونهم شبابا فتياناً تلميح إلى أهمية هذه المرحلة العمرية، وأن حِملانَهم للدين أعظم من غيرهم، وأن بالشباب دورا منوطا يفوق دور الشيوخ والعجزة والأكابر...!
• ذلك الكهف الموحش المظلم، تشرق من جهاته معالم الرحمة وشآبيب الفرج والانشراح ( ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مِرفقا . فينامون ذاك المنام العجيب، ثلاث مائة سنة وتسع سنوات ...!
• ومع كون المنام آية عجيبة، إلا أن في الكون آيات أكثر عجَبا، وأجل عظمة، ولكن الخلائق لا تتفكر ولا تتعظ... {أم حسبت أن أصحاب الكهف والترقيم كانوا من آياتنا عجبا} .
• ثم الافتتان بالمال وصراع المؤمن والكافر الذي جحد نعمة الله عليه وأنكر البعث، وأن المال بلا إيمان مصيره الذهاب والزوال ( فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها .
• فقصة العلم والافتتان بمظاهره واعتقاد الإحاطة به، كما في خبر موسى مع الخضر عليهما السلام( هل أتبعك على أن تُعلمنِ مما عُلمت رشدا .
• ورأينا تواضع موسى عليه السلام ورجوعه تلميذاً بعد النبوة والكلام، عند الخضر عليه السلام وهو درس للطلاب المتعاظمين، والشيوخ المترفعين .
• هذا موسى مكلَّمٌ ونبيٌ... عاد للعلم راغبا تلميذا
• ثم فتنة الولاية والسلطان وكيف حوّلها الملك الصالح ( ذو القرنين ) إلى طريق سديد ونصر متين، رفع بها الحق، وأقام القسطاس المستقيم، وبنى السد العظيم الحائل بين الناس وطغيان يأجوج ومأجوج ( {آتوني زُبُرَ الحديد} ..) الكهف .
• هذه أربع قصص نجول فيها كل جمعة، فنلامس أحداثها، ونتقلب في وقائعها ، ونتعلم من عظاتها، ولا يليق بِنَا نسيان ذاك العلم، أو هجران تلك المعارف المفيدة، لا سيما، وهي تُردد كل أسبوع سُنةً وديانة، وفحصا وتأملاً { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [سورة محمد] .
• وكأن المؤمن في رحلة أسبوعية تذكره بعظمة الإيمان وضرورة المحافظة عليه كما حافظ أصحاب الكهف ، فلئن حافظ فتية صغار، فالكبار والرعاة من باب أولى .
• وتعاين في قصة الرجلين مدى أهمية المال وخطورته بلا وعي وإيمان وركون مطلق إليه، وما قد يسببه من ميلان وجحود واغترار، وأنه اختبار حقيقي لمبادئ المرء وثباته ...! وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم « لكل أمة فتنة، وفتنة امتي المال» كما في سنن الترمذي رحمه الله .
• ويسطع في قصة موسى والخضر شرف العلم، وأننا في حاجة ماسة إليه فهو منارة الطريق، وإذا بذلت له السفر والبحر والمتاعب كان شيئا هينا بالنسبة لفوائده وعوائده ومحاسنه .
• وتهتدي من قصة الملك الصالح أهمية نصر الإيمان بعدة وعتاد، وكيف يشمخ العدل، وتزدهر الحياة مع النظام الصالح، والعدل المتين . قال تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [سورة محمد] .
• وكيف استطاع بعزمه وهمته ضد العدو، وبناء السد العظيم الحائل دون فساد يأجوج ومأجوج قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكا.
• فسبحان الله، كأن السورة تجلي لك مقاليد الإيمان وأصوله التي تحميه وتصونه، فأولاها : المال مع حفظ حقوقه، والعلم الذي ينيره ويهذّبه، ثم السلطان الذي ينصره ويشيعه { وآتيناه من كل شيء سببا}
• فإذا انحرف المال للغرور والمفاخرة فسد الإيمان، وإن تطاول العلم وتباهى ذبُلت فائدته، وإن جار النظام والملك هلك الناس وفسدت معايشهم، وعم الصراع والتنازع .
• ولاحتواء السورة على أربع فتن مشهورة وأسباب الأمان منها، جعلها الله أمانا من فتنة الدجال العظيمة ( اقرؤوا عليه فواتح سورة الكهف ) كما في صحيح مسلم رحمه الله وفِي رواية « من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال» .
• وقيل بل لافتتاحها بالتوحيد وتنزيه الله تعالى، ولما كان من شأن هروب الفتية المؤمنين إلى الكهف وعدم مقابلتهم للظالم آنذاك ،وخوفهم على دينهم، وأن من أسباب النجاة العصمة عدم التعرض للفتن والبلاء . كما صنع نبينا صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة ، فر بدينه ونفسه، وانتقى مكاناً آمناً...!
• تسبب ذلك في ظهوره وحمايته وتمكينه ونصرته، والله غالب على أمره...! ولهذا يعتبر ذلك حلا رائعا حكيما واستراتيجيا في حماية الدعوة وانتشارها والتخطيط لها .
• وفِي تكرار السورة كل جمعة ترسيخ لمعاني الإيمان وأنه سر الوجود، وحاجتنا في ذلك للعلم الرشيد، والمال المعين، والسلطنة الدافعة الحامية.
• وأن الابتلاء سنة الحياة وقانون عيش أهل الايمان، فلا يزالون معرضين للفتن، مضطهدين من الأعادي، ولكن الله مولاهم وناصرهم، ولا يزال يمكر لهم تجاه مكر الأعداء ، والمهم أن لا يئس المؤمنون، ولا يدب فيهم الضعف والانهزام .
• ولقد أضحت قصة فتية الكهف قصة مخلّدة، وسيرة طبعت على هام الزمن، جراء صبرهم المتين، وإيمانهم المكين ، جعلنا الله نتعبد بتلاوتها كل جمعة لتمتلئ قلوبنا بالعظة والاعتبار، وأن نقبِسَ من سيرتهم ونتعلم من جهادهم ، وأن تتغلب مبادئنا على شهواتنا وحبنا للراحة، والله الموفق.....
حمزة بن فايع الفتحي
رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير
- التصنيف: