أسباب انتشار  الفكر الليبرالي والافتتان به

منذ 2019-01-13

وحين يقل العلم، ويتلقف هذه الشبهات قليلو البضاعة في العلم؛ فإنه بالتأكيد ستمرر عليهم الشبهات والتلبيس الحاصل الآن بدعاوى مختلفة كحرية النقد،أو الموضوعية


أولا: اتباع الهوى: 
فإن الهوى يعمي ويصم وعند غلبة الهوى لا ينفع العلم ولا المعرفة بل إن صاحب الهوى يستخدم العلم والمعرفة لتأييد ما يهواه ويسوع انحرافه وهذا ظاهر في كتابات هؤلاء حيث يفرقون بين المتماثلات وتظهر في كتاباتهم الخيانات العلمية والتناقضات حتى في أفكارهم وأطروحاتهم ومصادمة العقل والفطرة وكلها نتاج لاتباع الهوى ولهذا ماذا يمكن أن نسمي: بتر النصوص وإخراجها عن سياقها ومن ثم الطعن في صاحب المقال أو القدح في الفكرة؟ وما ذا نسمي الهجوم على رموز الإسلام ومناراته الشامخة والإشادة برموز البدعة والانحراف بل رموز الكفر والإلحاد؟.
وصدق الله العظيم إذ يقول:  {وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [ الأنعام:119]
ثانيا : الانبهار بالحضارة الغربية: 
وما يعبر عنه بالصدمة الحضارية وهي نتيجة لواقع المسلمين المؤلم من التخلف التقني والعملي التجريبي وهيمنة الحضارة الغربية في جانبها المادي وهؤلاء لم يرفعوا رأسا بالجانب الحضاري في تشريعات الإسلام التي لم يصل إليها الغرب ولن يصلوا إليها في تشريعاته وحفظه لحقوق الإنسان وحفظ كرامته وتوازنه بين حقوق الفرد والجماعة، وعظمة تشريعاته المعجزة التي تصلح لكل زمان ومكان وحتى لا نغرق في الواقع المؤلم فإن المؤشرات الحالية واستشراف المستقبل تبين أن المسلمين في طريق النهوض الحضاري وأنهم بدأوا في امتلاك كثير من أدوات التقنية والعلم.
ثالثا: الهزيمة النفسية: 
والضعف والانكسار أمام الهجمات المتتالية، من قبل المستشرقين وتلاميذهم الذين كتبوا وألفوا في الطعن في الإسلام وتشريعاته وقدموا صورة مزيفة عن الإسلام الحقيقي الذي أنزله رب العالمين، وقد ظهر ذلك جليا في موقفهم من قضية الحدود والجهاد والولاء والبراء والموقف من القوانين الوضعية.
وصدق الله إذ يقول:  {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}   [آل عمران:139].
رابعا: الضعف العلمي:
وحين يقل العلم، ويتلقف هذه الشبهات قليلو البضاعة في العلم؛ فإنه بالتأكيد ستمرر عليهم الشبهات والتلبيس الحاصل الآن بدعاوى مختلفة كحرية النقد،أو الموضوعية، أو اختزال في النص،أو التقليد دون إعمال العقل، وهي في الحقيقة ـ لمن رزقه الله العلم النافع ـ دعاوى ساقطة مرذولة لأنها:
أولا: تخالف أصول الشريعة وضروراتها كحفظ الدين، فعلى سبيل المثال يطلب منا اليوم السماح بترويج الإلحاد ونشر باطلهم بحجة الرأي والرأي الآخر وتلغي هذه الضرورة المهمة التي هي محل إجماع.
وثانيا: أن ما يطرحه علماء الإسلام ودعاته يتوافق مع النصوص ولا يعارض ما يدعون إليه من الموضوعية والشمولية وعدم إقصاء الآخر ونحوها من العبارات المطاطة التي تحتمل معاني متعددة منها الحق ومنها الباطل.
خامسا: العوامل الشخصية: 
لا شك أن شخصية الكاتب والملقي والمفكر لها تأثير على ما يطرحه من نتاج ثقافي، وهذا في الحدود الطبيعية لا يؤثر في الطرح كثيرا، أما إذا أصبحت هناك مشكلة في نفسية وشخصية الكاتب فهنا يحدث الانحراف والتطرف والغلو أو التفريط والتساهل في تقرير القضية العلمية وكثير ممن ينظرون لهذا الفكر تجد أن لديهم مشاكل شخصية ونفسية فعدد لا يستهان به من رواد هذا الفكر ومنظريه كانوا في ماضيهم أصحاب أفكار غالية ومتطرفة وحدثت لهم ردة فعل فأصبحوا أقرب إلى دعاة العلمنة والتحلل وجميع هذه الأفكار ـ وللأسف ـ تصاغ باسم الإسلام.
ساسا: الدعم الغربي لهذا التيار: 
وهذا أمر حقيقي قطعي، فليس هو من قبيل الظن أو التوقع أو التخمين، وإنك واجد هذه الحقيقة فيما سجلته التقارير الغربية التي صدرت مؤخرا عن بعض المراكز البحثية التخصصية في الولايات المتحدة الأمريكية من الحث على دعم هذا التيار الذي يسمى بـ ( الإسلام الليبرالي) زورا وبهتانا ومنها: 
1ـ تقرير جون بي آلترمان ( jon. Alnterman) مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكي ( studies centrer strategic and lnternational) حيث كتب جون بي آلترمان مقالا تحت هذا العنوان تحدث فيه عن تنامي الدعم الغربي لليبراليين العرب  (1) .
2ـ تقرير مؤسسة (راند) الأمريكية حيث نشرت مؤسسة (راند) الأمريكية تقريرا استراتيجيا بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي : الشركاء والموارد والاستراتيجيات) للباحثة في قسم الأمن القومي (شيرلي بينارد) وقد نشر هذا التقرير بعد أحداث سبتمبر 2001م وتحديدا في عام 2003م وفي ربيع عام 2004م قامت الباحثة نفسها بنشر ملخص عنه.
وقد جاء في الفصل الثالث من هذا التقرير وعنوانه : " استراتيجية مقترحة" توصيات عملية موجهة لصانع القرار الأمريكي لاستبعاد التيارات العلمانية والحداثية ولأنها أقرب ما تكون إلى قبول القيم الأمريكية الديمقراطية.
وتقرر (بينارد) من خلال هذا التقرير أن الغرب يراقب بدقة الصراعات الإيديولوجية العنيفة داخل الفكر الإسلامي المعاصر وتقول بالنص : " من الواضح أن الولايات المتحدة والعالم الصناعي الحديث والمجتمع الدولي ككل تفضل عالما إسلاميا يتفق في توجهاته مع النظام العالمي بأن يكون ديمقراطيا وفاعلا اقتصاديا ومستقرا سياسيا تقدميا اجتماعيا ويراعي ويطبق قواعد السلوك الدولي وهم أيضا يسعون إلى تلافي ( صراع الحضارات) بكل تنويعاته الممكنة والتحرر من عوامل عدم الاستقرار الداخلية التي تدور في جنبات المجتمعات الغربية ذاتها بين الأقليات الإسلامية والسكان الأصليين في الغرب وذلك تلافيا لتزايد نمو التيارات المتشددة عبر العالم الإسلامي وما تؤدي إليه من عدم استقرار وأفعال إرهابية"  (2) .
3ـ تقرير صادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي ـ واشنطن، كتبه الخبير والمحلل السياسي بالمؤسسة المهتمة بشؤون الشرق الأوسط في الأيام القليلة الماضية نشاطا لافتا للنظر فقد نظم معهد " المؤسسة الأمريكية" مؤتمرا حول الديمقراطية في العالم العربي عنوانه " إلى المعارضين العرب: ارفعوا أصواتكم" ودعا إليه مجموعة من ممثلي التيارات الليبرالية لمناقشة دورهم في تحولات أوطانهم السياسية والاستراتيجية الأنجع للدعم الغربي لهم وتلاه " معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" بعقد ورشة عمل حول مستقبل الليبرالية العربية في ضوء نجاحات القوى الدينية في مجمل ما أجري من انتخابات في عام 2005م برلمانية في العراق ومصر و بلدية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
4ـ تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية بتاريخ 9 يونيو: ركز هذا التقرير على ضرورة أن يكون هدف أمريكا في الشرق الأوسط تشجيع التطور الديمقراطي وليس الثورة كما يجدر بصانعي السياسات أن يأخذوا بعين الاعتبار التنوع السياسي والاقتصادي في المنطقة وذكر التقرير أن عملية التطور الديمقراطي بطيئة ومتدرجة ويجب أن تتم من خلال النظم السياسية الموجودة في الدول العربية.
وأشار التقرير إلى أن سياسة نشر الديمقراطية تؤدي إلى بعض المخاطر ولكن حرمان الشعوب من الحرية ينطوي على مخاطر أكثر، ونبه التقرير على أخذ الظروف الخاصة بكل دولة على حدة مع التأكيد على مبادئ أساسية مثل حقوق الإنسان وتقبل الآخر وسيادة القانون وحقوق النساء والأقليات وعدم ربط الإصلاح بالصراع العربي إلاسرائيلي"   .
سابعا: الانكباب على تراث المنحرفين الزائغين من أمثال الصوفية الزنادقة والفلاسفة الملاحدة: 
المتأمل في تاريخ هؤلاء الليبراليين يلحظ بجلاء أن انكبابهم على تراث المنحرفين الزائغين من أمثال الصوفية الزنادقة والفلاسفة الملاحدة ـ مع ضعف العلم والبصيرة ـ كان هو نقطة التحول الرهيبة في حياتهم الفكرية مثلما كان هو الشرارة النارية الأولى في تغير نسيجهم الثقافي حيث يفعل ذلك التراث فعله الفظيع في النفس الإنسانية إذ يغرز فيها حب التفلت والتحرر من أي قيود أو ضوابط شرعية كما أنه يعمق فيها منهج الشك في كل شيء حتى في قطعيات الدين وثوابته الراسخة.