الإسلام والقومية العربية

منذ 2019-02-05

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

 


 الإسلام لا يقف في طريق الشخص إذا انتسب لقومه أو لوطنه أو أهله بل إنه يشجع هذا المسلك ويحبذه إذا كان على أساس التواصل وصلة الرحم بل أخبر الله تعالى أن انقسام الناس إلى شعوب وقبائل هو أمر منه عز وجل أن الحكمة من وراء هذا بينها عز وجل بقوله:   {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}   [الحجرات:13].
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينتسب الشخص إلى غير أبيه أو ينتمي إلى غير مواليه   ولا يمنع كذلك أن ينتسب الإنسان إلى الوطن الذي يعيش فيه ولا لوم عليه إذا أحبه لا على أساس الفخر الجاهلي وإنما لأنه وطنه أواه فإن تلك الأمور كلها لا حرج فيها وواقع تعيشه البشرية كلها ولا يمنعها الإسلام إلا في حالة واحدة وهي الحالة التي يصبح ولاء الناس ومعاداتهم ومحبتهم واجتماعهم وافتراقهم كله قائم على دعوى القومية والتعصب لها وتقديمها على الأخوة الإسلامية لأن هذا الوضع منحرف لأنه يصبح تشريعا جديدا لا تستند فيه مشروعية إلا على الحكم الوضعي البشري لا إلى حكم الله تعالى وما أجمل أن يترك الإنسان كل علاقة خارجة عن الإسلام محاكيا في ذلك قول سلمان رضي الله عنه حينما سمع بعض الناس يفتخر بنسبه وبقومه فقال عن نفسه:

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم


  وأما حينما يصل التعصب للقومية إلى أن يقدم الشخص ولاءه ومحبته للآخر لأنه من قومه بينما يبتعد عن الآخر من غير قومه حتى وإن كان صالحا تقيا فهذا لا يعترف به الإسلام بل تعترف به القومية الجاهلية وما أكثر ما ورد عن سير السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة ومن بينهم إحسان ما أكثر ما ورد عنهم تقديم أخوة الإيمان على أخوة النسب أو الدم ولنا في مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في أول الإسلام خير شاهد على ذلك فإن قصصهم العطرة وسيرتهم المرضية لا تزال تضيء نورا وهاجا وعبيرا فواحا إلى يومنا هذا تخليدا من الله تعالى لهم وإكراما لأوليائه.
وأما القومية العربية التي دعى إليها ساطع الحصري فهي قومية جاهلية مغرضة لها نفس الأهداف التي كانت نصب أعين المتربصين بالإسلام كما أنه هو نفسه أحد أولئك وإن ظهر بمظهر الغيور على مجد العرب كما يزعم فإن العرب لا مجد لهم بغير الإسلام بل هم أمة كانوا في حمئة الجاهلية كسائر الأمم حتى أنقذهم الله بالإسلام ورفع شأنهم به ومن زعم غير هذا فقد جانب الحقيقة وكذب على التاريخ وتشبع بما ليس فيه ولا قيمة لأمجاده التي يزعمها قبل الإسلام فإن زعمه هذا هو من جنس مزاعم هذا العصر المعكوسة التي تسمي الأشياء بغير اسمها فتستحل الحرام وتحرم الحلال بذلك حيث أضحت الخمر مشروبات روحية والربا فائدة والزنا حرية شخصية وعداوة الآخرين من غير وطنه وطنية والآراء الفاجرة حرية الكلمة واحترام الماديات والعلامات وبعض الأماكن واجب وطني لا يجوز الخروج عليه والمساس به وكأنه جزء من الدين فما الذي يبقى لله تعالى في قلب اقتنع بترهات القوميين ونسي أن المجد الحقيقي إنما هو في اتباع النور الذي أنزله الله.
أما الخدع التي يرددها القوميون بتوافق الإسلام و القومية على أساس التسامح في الإسلام فإنه كذب محض وكذا دعوى أن القومية تتسع لكل الخلافات الدينية واستمع لما يقوله مصطفى الشهابي  (2) من أن المسلم والنصراني كل واحد يؤدي عبادته في المسجد أو في الكنيسة مادام يجمعها حب القومية العربية لأن الإسلام سمح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والنصرانية كذلك تأمر بالمحبة وكذلك سائر الملل والفرق لا لوم على أي واحد منهم مادام يتوجه إلى القومية ويتخذها رباطا جامعا لأن القومية قابلة لكل اختلافات الأديان وتذوب في القومية كل الاختلافات الدينية وهؤلاء الدعاة الذين لا يفرقون بين الإسلام وبين غيره من الملل والنحل هم أعداء الدين الإسلامي حقيقة وهم طلائع الاستعمار الشرقي والغربي وهم المفرقون بين الناس والمثيرون للعداوة والبغضاء بين الشعوب المتجاورة والمتعايشة على حسن المعاملة فيما بينهم مع اختلافهم أحيانا في المعتقدات.
واستمع كذلك إلى مزيد من أكاذيب القوميين فيما يزعمه د. علي حسن الخربوطلي  (3) من أن النبي حاول أن يتحرر عن القومية العربية ويعلن نفسه لجميع البشر ولكنه لم يستطع إذ غلبت عليه القومية العربية وصار يتعصب لها ويدافع عنها. وهذا من أشد الكذب والبهتان فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أشد أعداء الدعوات الجاهلية ومنها القومية والنصوص في هذا أشهر من أن تذكر.
ومن الأمور البديهة أن الإسلام ودعوى القومية لا يتفقان لأن مصدر الإسلام هو الله جل وعلا ومصدر القوميات هي الجاهليات وعقول البشر القاصرة وكذلك فإن إعراض القومية عن الدين وعدم تحكيمه والرجوع إليه والاستغناء عنه بشعار تلك الجاهليات أمر لا يقره الإسلام ولا يسايره بحال.
كما أن تقديم الأخوة القومية على الأخوة على الدين هو كذلك أمر يرفضه الإسلام. وكذا الموالاة يجب أن تكون بين المسلمين لا أن تكون على أساس قومي   {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ}   [التوبة:71]. كذلك فإن الإسلام يدعو إلى التآلف والتراحم والتساوي في الحقوق والواجبات وأن أكرم الناس هو أتقاهم لله تعالى بينما القومية لا تقوم على هذه المفاهيم المشرقة الجميلة بل تقوم على بغض الآخرين والتعالي عليهم والفخر بالأحساب والأنساب وغيرها من مخازي الجاهلية التي حاربها الإسلام.
بل إن القومية إضافة إلى أنها رجوع إلى الجاهلية هي كذلك قدح في كمال الإسلام ورد لما تفضل الله تعالى به على هذه الأمة من إكمال الدين ورضاه به وإخراجهم بالإسلام من الظلمات إلى النور وإخراج العرب بخصوصهم من حياتهم الجاهلية وخمول ذكرهم بين الأمم بالرغم من كل ذلك وغيره نجد الكثير من الكتاب السفهاء والكاتبات السفيهات يقلدون أعداء الإسلام من اليهود والنصارى في ذم الإسلام والإلحاح في طلب العودة إلى الجاهلية التي كانت قبل الإسلام وإلى العودة إلى حضاراتها العظيمة وقوانينها التي هي في غاية العدالة وإلى تاريخها المجيد.. إلى آخر الأكاذيب التي تخيلوها وسجلوها في شكل كتب ونشرات وتمثيليات ومسرحيات وكلها توحي بصراحة إلى أن العرب وكل الأمم كانوا قبل الإسلام على خير عظيم وأنهم كانوا على جانب عظيم من الحضارة والقوة والمنعة ويمجدون ذلك مما يوحي إلى أن الإسلام هو الذي عطل مواصلة تلك الحضارات وأن في الرجوع عنه التقدم والرقي والألفة ضاربين بكل ما عرفه الناس من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومما عرفه العقل والمشافهة عن من سبق من أخبار العرب بخصوصهم قبل الإسلام ضاربين بذلك كله عرض الحائط فمتى يدرك المنخدعون والمخادعون أن الخير كله في هذا الدين الذي أخبر عنه رب العالمين وشهد له بالخير والحق والكمال.