ومضات تربوية وسلوكية:المقال التاسع عشر
كثير من العظماء والعباقرة الذين أنصفوا الإسلام ونبيه الكريم، ليسوا من العرب أو المسلمين.. بل من الغربيين أنفسهم (غير المسلمين) وبعضهم من الغلاة والمتطرفين المعروفين بكراهيتهم للحضارة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
تذخر بطون الكتب بالعديد من الأفكار الذهبية والعبارات المحورية الجديرة برصدها وتدوينها للوقوف على كنوز مفكرينا وكُتابنا العظام، وللانتفاع بالفائدة المرجوة منها، ولذلك حرصت خلال جولتي بين دفوف الكتب أن أرصد هذه الثروات الفكرية والتربوية والتحليلية، وأنقلها بنصها كما وردت فيها أو باختصار طفيف في بعض الأحيان، هذا كي يستفيد منها القاسي والداني، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجر والمثوبة إنه نعم المولى ونعم النصير.
(اللهم الطف بي)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما وجه جعفر إلى الحبشة شيعه وزوده كلمات وقال: ( «قل اللهم الطف بي في تيسير كل عسير، فإن تيسير العسير عليك يسير، وأسألك اليسر والمعافاة في الدنيا والآخرة » ) [المعجم الأوسط للطبراني]
(من وصايا الملوك العظام)
من وصية محمد الفاتح لابنه «بايزيد»: (يا بني، إن نشر الإسلام في الأرض واجبُ الملوك على الأرض، فاعمل على نشر دين الله حيثما استطعت، يا بني اجعل كلمة الدين فوق كل كلام، وإياك أن تغفل عن أي أمر من أمور الدين، وأبعد عنك الذين لا يهتمون بأمر الدين، وإياك أن تجري وراء البدع المنكرة، يا بنيَّ قرب منك العلماء، وارفع من شأنهم؛ فإنهم ذخيرة الأمة في الملمات).
(ميلاد جديد للإنسان)
ومع ميلاد النبي "صلى الله عليه وسلم" نلمح ميلادا جديدا للإنسان ـ مطلق الإنسان ـ وهو ملمح يرتبط بالقيمة، حينما رفع الإسلام مكانته، وشرَّفه الله وكرمه وكلفه، وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في الكون جميعا.
حين جعل له حرمة، وجعل له ذمة، وحرره من العبودية لغير الله، وحرم الرق والظلم والقهر، وأن يسام الخسف، فحقق فيه معاني الإنسانية العظيمة.
فحل العدل محل الظلم، والنور محل الظلام، والهداية محل الضلالة، والوحدة محل الفرقة، والبناء محل الهدم، والحرية محل الرق والعبودية، والتسامح محل العصبية، والانتصار للمبدأ والحق محل الانتصار لفرد أو قبيلة.
ومن هنا نقول إن بعث النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهذه الرسالة العظيمة كان بمثابة ميلاد جديد لبني الإنسان، مطلق الإنسان، الذي يعتبر تكريمه والإعلاء من شأنه وقيمته لا ينقصه الوضوح والبروز في الإسلام وشريعته. [لمحات إيمانية من مولد المصطفى، د. وصفي عاشور، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 559]
(عبقرية محمد -صلى الله عليه وسلم- العسكرية)
كثير من العظماء والعباقرة الذين أنصفوا الإسلام ونبيه الكريم، ليسوا من العرب أو المسلمين.. بل من الغربيين أنفسهم (غير المسلمين) وبعضهم من الغلاة والمتطرفين المعروفين بكراهيتهم للحضارة الإسلامية، والمشهورين بعداوتهم للإسلام وأهله! أمثال: عالم اللغات الشرقية المستشرق الإنجليزي البروفيسور هامفري بريدو 1648-1724م (H.prideaux)، الذي اعترف -رغم أنفه- في كتابه "حياة مُحمّد" (باريس 1699م) - بالصفات السامية لمُحمّد وعظمة أعماله، إنه يؤكد أن مُحمّدًا طوال فترة بعثته "امتاز بشجاعة وفطنة عقله، وبدرجة عالية من المجد؛ مما جعله أعظم القادة الذين عرفهم التاريخ، وقد أنشأ إمبراطورية في أربعة وعشرين عامًا امتدت لتشمل المناطق التي تحتلها الإمبراطورية الرومانية لمدة خمسمائة عام بلْ وأكثر منها، وقد رأينا تلك المملكة الواسعة استمرت لقرون عديدة وهي في أوج عظمتها، وقد رأينا كثيرًا من الإمبراطوريات والممالك الإسلامية التي لا تُقارن بغيرها في الامتداد والسيطرة لمدة طويلة".
كذلك المفكر الأيرلندي "المتطرف" أدموند بيرك 1729-1797م (Edmund Burke)، الذي أكد "أن القانون المُحَمَّديَّ قانونٌ ضابطٌ للجميع من الملِك إلى أقل رعاياه، وهو قانونٌ نُسِجَ بأحكم نظام حقوقيّ، وأعظم قضاء علميّ، وأعلم تشريع عادل، لم يسبق قط للعالم إيجاد مثله".
ويعد المستشرق الإنجليزي مارجليوث 1858-1940م (Margoliouth) الأكثر عداءً للإسلام ونبيه، ومع ذلك نراه يقول في كتابه (محمد ونهضة الإسلام): "إذا نحن قارنّا بين الوحي القرآني وبين ما في أيدينا من كتب مقدسة، سندرك على الفور أن الإسلام وحده هو الدين الحقيقي".
ومعاصره المستشرق اليهودي المجري جولد زيهر 1850-1921م (joldziher) إذْ يقول في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام): "كان محمدٌ يريد إقامة دين الله الواحد كما جاء به إبراهيم، كما أنه بوجه عام كان مُصدّقًا لما سبق أن أوحاه الله لمن تقدّمه من الرسل والأنبياء؛ فمحمد كان بلا شك أول نبيّ مصلِح حقيقي من الوجهة التاريخية".
كذلك المستشرق اليهودي المعاصر برنارد لويس L.pernard نصير الحركة الصهيونية، وشديد العداء والافتراء على المسلمين ودينهم وقضاياهم الوطنية والقومية، وشديد الاستعداء لصانع القرار الأمريكي ضد الإسلام وأُمته.. إلا أن ذلك كله لم يمنعه من أن يعترف للإسلام بالتميز كدين ودولة، وبالسماحة في الانتشار السلمي، وبالعدل الذي تميز به الحكم الإسلامي مع الشعوب غير المسلمة، فيشهد L.pernard أن: "مؤسِّس المسيحية نادى أتباعه: أن أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، أمَّا مؤسِّس الإسلام فقد جعل من نفسه قسطنطين (274-337م(، ففي حياته أصبح المسلمون جماعة سياسية ودينية، كان الرسول سيدها المطلق، يحكم أرضًا وشعبًا، ويقضي بين الناس، ويجمع الضرائب، ويقود الجيوش، ويسيِّر الدبلوماسية، ويخوض الحرب... وبينما كان شيخ القبيلة يحتل منصب الرئاسة على أساس الموافقة الطوعية للقبيلة، وهي موافقة يمكن إلغاؤها، فإنَّ محمدًا جاء إلى الحكم على أساس من الامتياز الديني المطلق، واستمد سلطته ليس من الطرف المحكوم، بلْ من الله".[من مقال للأستاذ محمد عبد الشافي القوصي]
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: