العقلانية وعصر التنوير
وحين غزت حركة التنوير العالم الغربي اتجهت بقوة إلى الفكر والآداب في دعوة جادة إلى نبذ الدين وسائر القيم الدينية وكل السلوك القائم في استكبار وعتو شديد عن الدين – أي دين – حيث حل محله العقل الذي حكموه في كل شيء
التعريف
العقلانية مذهب فكري يزعم أنه يمكن الوصول إلى معرفة طبيعة الكون والوجود عن طريق الاستدلال العقلي بدون الاستناد إلى الوحي الإلهي أو التجربة البشرية وكذلك يرى إخضاع كل شيء في الوجود للعقل لإثباته أو نفيه أو تحديد خصائصه.
ويحاول المذهب إثبات وجود الأفكار في عقل الإنسان قبل أن يستمدها من التجربة العملية الحياتية أي أن الإدراك العقلي المجرد سابق على الإدراك المادي المجسد.
والعقلانية نسبة إلى العقل كما هو الواضح من التسمية ولقد كان العقل في المفاهيم الأوروبية دينية – أي نصرانية - وغير دينية مواقف غاية في التناقض والاختلاف.
وكان للعقل في مفاهيمهم أطوارا مختلفة قوة وضعفا كما ستجد ذلك من خلال دراسة هذا المذهب.
ويعرف القارئ تماما أن أكثر المبادئ الفكرية إنما جاءت من البلاد المضيافة لمختلف الأفكار وهي أوربا وأمريكا، بسبب تلك الظروف القاسية التي أنتجتها حماقات رجال الدين النصراني وما نشأ عنها من أفكار شتى مختلفة الأسماء والاتجاهات والمبادئ ثم تلقفتها اليهودية العالمية ممثلة في الصهيونية والماسونية الحاقدة فشبت وترعرعت على أيديهم وحدبهم وعنايتهم بها حتى أتت ثمارها في إقصاء الأديان وتمزيق وحدة الشعوب وإثارة النعرات الجاهلية وضرب الناس بعضهم بالبعض الآخر وأفسدت الأخلاق وسائر القيم لترجع المكاسب كلها في النهاية إلى اليهود لتحقيق مخططهم في استعمار العالم (الجوييم) مكتسحة في طريقها تعاليم الكنيسة وأفكارها الباطلة المنحرفة التي ادعت أنها من عند الله تعالى ثم فرضتها بالقوة رغم رفض العقل لها وإنزال العقاب الشديد بمن يتجرأ على ردها أو حتى طلب مناقشتها بالعقل بسبب عدم ثقة القائمين عليها بما فيها من آراء فاسدة لا تقبل النقاش.
المقصود بعصر التنوير
المقصود بعصر التنوير هو ما نجم عن خضم العراك بين الدين النصراني ورجال الفكر حيث ظهرت مذاهب عديدة للإجهاز على سلطة الدين النصراني ورجاله فنشأ ما يسمى بعصر التنوير وهي الفترة التي أقصي فيها الدين النصراني وحل محله العقل في كل شيء وصار له الحكم على الدين وعلى سلوك الناس بداية من النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، الذي عرف فيما بعد ذلك بعصر التنوير أي سيادة العقل وحده دون منازع في رد فعل عارم لكبت الكنيسة له والإتيان بخرافات وخزعبلات لا يقرها العقل بحال.
ولشدة هربهم من ظلم الكنيسة فقد اعتبروا تقديم العقل على الدين هو بداية النور مع أنهم بعد فترة أداروا ظهورهم لهذا الإله – العقل عندهم – وتفلتوا منه كذلك ما سيأتي بيانه.
قال تعالى { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } [ النساء:82] خصوصا وأن الذين أقاموا هذا المذهب ودعوا إليه كانوا يريدون هذا الخلاف ويؤججون ناره لحاجات في أنفسهم.
وحين غزت حركة التنوير العالم الغربي اتجهت بقوة إلى الفكر والآداب في دعوة جادة إلى نبذ الدين وسائر القيم الدينية وكل السلوك القائم في استكبار وعتو شديد عن الدين – أي دين – حيث حل محله العقل الذي حكموه في كل شيء سواء كان أهلا لذلك أو ليس أهلا له فهو الحاكم في المحسوسات والمغيبات أيضا حيث عللوا لكل ظواهر هذا الكون وما يقع فيه بتعليلات أكثرها خرافية مستندين إلى تأييد العقل لهم بزعمهم.
وفي النهاية إنما يكون الحكم أولا وأخيرا للأهواء والمصالح المختلفة وأنى للفلسفة أن تفلح في بيان الحقائق الإلهية والعقائد الربانية أو سعادة البشر وهي لا تملك هذا الجانب وقد قيل "فاقد الشيء لا يعطيه" ولهذا فإن تدخل الفلاسفة في بيان الجوانب العقدية إنما هو تطفل عليها وتطاول قبيح لا يقدم للنفس غذاءها الذي تحيا به وتسير بموجبه راضية مطمئنة، وإنما يقدم للعقل نظريات وافتراضيات ليلهو بها إلى حين.
وما ذكرناه من أن خروج أهل أوربا بتلك الأفكار إنما كان بسبب الدين النصراني فإنما هو وصف لما وقع وليس بعذر منج لهم عند الله تعالى لعدم بحثهم عن الدين الصحيح الذي سيجدون فيه السعادة والعدل لو أنهم طلبوه بعد أن أقام الله الحجة على جميع البشر.
- التصنيف:
- المصدر: