آثار ودبار (2-2)

منذ 2019-03-23

إن الحضارة التي تُسَخِّر الإنسان لبناء مباني وأحجار على حساب حقوقه وكرامته حضارة فانية مزيفة.. خلودها المؤقت هو شاهد على حالة الاستنزاف، كطاحونة لا تدور إلا بدماء الناس.

في صدر الإسلام , أحاديث كثيرة تكشف لنا لماذا هذه الفترة من التاريخ الإسلامي ليس لها آثار معمارية ذات طابع مبهر أو جمالي مثل أي فترة تاريخية أخرى اهتمت بترك آثار مميزة مبهرة..

فأي بناء تم بناءه في هذه الفترة كان للحاجة أو لوظيفة محددة بشكل عملي.

فبالمقارنة مع باقي الحضارات التي نقيس أهميتها أو مدى تقدمها بضخامة آثارها أو مدى جمالها.... إلخ، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا لنا "كلاما" : كلام الله.. كلام الرسول.. وآثار الصحابة والتابعين وهي أيضا "كلام" و أنا يكاد التفكير يوصلني لحافة الجنون؛ لماذا لا يتركوا لنا أثراً معمارياً بأيديهم؟؟..

وسبب هذا الجنون أننا كمصريين نشأنا وتربينا على الإنبهار بآثار الفراعنة وإنها دليل على "عظمتهم".. تربينا على الفخر بهم! يقول البعض بتعالٍ خبيث ذلك لأنهم في الأصل بدو نشأوا في الحياة الصحراوية البسيطة.. لكن لا.. فرغم الفتوحات في البداية ورغم وجود صحابة من بلاد الفرس والروم إلا أنهم ذابوا في مجتمع زاهد في التراب لم يترك لنا إلا كلمات.

وفعلا لم يتم الإهتمام بفنون المعمار إلا في فترات "الترف" الإسلامي التي كانت ذروتها في "الأندلس" ثم وأنت تشاهد آثار الحضارات "العظيمة" المختلفة و تحاول التأمل في ما وراء الصور الجامدة والتماثيل والمسلات والأهرامات.. تجد مشهد مختلف.. مشهد "سُخْرة" .. بشر تم تسخيرهم وضاعت أعمارهم وضاعت حريتهم في بنايات، ما الهدف من ورائها؟.. الخلود؟ الإبهار؟...

في حين أن الإسلام اهتم ب"الإنسان" نفسه.. مبدأ أن الله سخر للإنسان السموات والأرض وما فيهن..

ولو كانت الأرض مركز الكون فالإنسان هو مركز الأرض، هو الخليفة..

حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " «لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق» " وروي بلفظ : «لهدم الكعبة حجراً حجرا أهون من قتل مسلم» .

يعني أن الإنسان أهم من الحجر... حتى لو كان هذا الحجر هو بيت الله، فبيت الله هو رمز..هو مركز الدائرة التي يدور حولها المسلمون للتعبير عن الطاعة وحالة الجاذبية تعبيرا عن الوله و الحب..

ذوبان المسلمين وانصهارهم في كيان واحد "كالجسد الواحد" إذا كانت الحضارات سخرت الإنسان لبناء آثار مادية ملموسة ..

فالإسلام جاء ليحيي معنى تكرر كثيرا في آيات القرآن أن الكون كله مسخر لبناء "الإنسان" نفسه.. بناء كرامته.. أخلاقه.. الاهتمام بحقوقه.. وربط ذلك كله بحياته الحقيقية في الآخرة.. وأن المعمار يكون لوظيفة وهدف لتيسير حياة الناس لا التباهي وخلود زائف !

و سبحان الله فمن تأمل ذكر الآثار العظيمة في القرآن يجد أن لها مدلول مختلف تماماااا.. "أنها دليل على فناء أصحابها لا خلودهم"..

والسخرية من غباء من عمّر الفانية و ترك الآخرة الخالدة خرابا!

و نجد الآن من انتكس و يريد أن يحول مساكن صالح من العبرة والعظة للفخر بآثار الأجداد!! ففي [صحيح مسلم] عن عبد الله بن عمر قال «مَرَرْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الحِجْرِ، فَقالَ لَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ حَذَرًا، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصَابَهُمْ » "

إن الحضارة التي تُسَخِّر الإنسان لبناء مباني وأحجار على حساب حقوقه وكرامته حضارة فانية مزيفة.. خلودها المؤقت هو شاهد على حالة الاستنزاف، كطاحونة لا تدور إلا بدماء الناس.

رابط المقال الأول:

https://ar.islamway.net/article/77829/%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%AF%D8%A8%D8%A7%D8%B1-1-2

ريهام فوزي

كاتبة إسلامية