بعض مواقف الحداثيين من الإسلام وقيمه

منذ 2019-04-14

ثم نشرت في اليمامة في العدد 887 صفحة 60ـ61 ثم نشرت في الشرق الأوسط، الصفحة 13 وهذه القصيدة مليئة بالثورة والتبرم من كل شيء، وفيـها غمز ولمز في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي القرآن

 


بعـد أن تأكد لدينا من خلال ما تقدم، أن الحداثة منهج فكري متميز يسعى لتغيير واقع الحياة ليتـفق مع ما يطرحه ذلك الفكر من مفاهيم وأساليب للحياة، ومن نظرات خاصة لصياغة الإنسان وفق معطيات ذلك الفكر، فإن ما يـهمنا ـ نحن المسلمين ـ هو معرفة موقف هؤلاء الحداثيين من الإسلام، باعتباره ديننا ونظام حياتـنا، ومنهجنا الذي نعتـز به في هذا الوجود، ولا نرى الحق في شيء سواه في شتى مناحي الحياة الفردية والجماعية والعامة والخاصة، ونرى ألا سعادة للبشرية ولا نجاة لها في الدنيا والآخرة إلا في اعتـناق هذا الدين وأخذه تاما غير ناقص، كما بلّغه محمد صلى الله عليه وسلم. وإنني أحب لفت الانتباه إلى أن موقفهم المعلن - ولا أقول موقفهم فقط ـ من الإسلام يختلف من بلد إلى آخر حسب ظروف ذلك البلد، ومقدار قوة التدين فيه وضعفه، ولو أردنا أن نتحدث عن مواقفهم جميعاً من الإسلام لاحتاج ذلك إلى أسفار ضخمة، لكنني في هذا المبحث أعرضُ عن مواقف الحداثيين من خارج هذه البلاد، وأذكر بعض مواقف الحداثيين عندنا من الدين، وهم وإن كانوا ـ ولله الحمد ـ لا يستطيعون أن يجاهروا هنا بما يجاهر به إخوانـهم في الغي هناك، إلاّ أن الإسلام لم يسلم من أذاهم، ولو لم يكن من حربـهم له إلا إعلانـهم عن مبدأ جديد اسمه الظاهر الحداثة، وحقيقته الباطنة يعلم الله بها، وتصريحهم بأن هذا المبدأ له رؤية خاصة للكون والحياة والإنسان، وأنه يمنح الحياة بعداً جديداً يـهزها هزا؛ أقول لو لم يكن إلا هذا لكفى به حرباً للإسلام عقيدة وشريعة وعبادة ونظام حياة، ومع هذا ففي أقوالهم وكتاباتـهم من الحرب لدين الله الكثير غير هذا مما يمكننا أن نستعرض بعضه هنا. وهذه الحرب لـها مظاهر شتى منها : الاستهزاء بالإسلام كدين، ومنـها النيل من رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه الكريم، أو الحط من التاريخ الإسلامي، أو نشر الرذيلة وسوء الأخلاق مما يتـنافى مع ديننا، أو الترويج لبعض الأفكار التي الأخذ بـها يؤدي إلى ضياع أمتـنا، وإهدار تـميزها وتـفردها الذي كرمها الله به.
 ولذلك أمثلة كثيرة منها قصيدة حداثية من الشعر الحر لـمحمد جبر الحربي الشاعر الحداثي المبدع كما يسمونه، وهذه القصيدة ألقيت في مهرجان المربد بالعراق بعنوان (المفردات), ثم نشرت في اليمامة في العدد 887 صفحة 60ـ61 ثم نشرت في الشرق الأوسط، الصفحة 13 وهذه القصيدة مليئة بالثورة والتبرم من كل شيء، وفيـها غمز ولمز في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي القرآن، فمن غموض هذه القصيدة قوله :
"قلت لا ليل في الليل ولا صبح في الصبح 
منهمر من سفوح الجحيم 
وقعت صريع جحيم الذرى 
سألك جسد الوقت معتمر بالنبوءة والمفردات المياه 
أيـها الغضب المستتب اشتعل 
شاغل خطاك البال منحرف للسؤال 
أقول كما قال جدي الذي ما انتهى 
رأيت المدينة قانية 
أحمر كان وقت النبوءة 
منسكبا أحمر كأن أشعلتها"
 من هو يا ترى جده الذي ما انتهى والذي كان أحمر وقت النبوءة، وما هي المدينة القانية، وما هو الأحمر المنسكب الذي أشعله الحربي أو جده.
 أما مواطن الغمز واللمز في هذه القصيدة فمنها قوله : 
"أرضنا البيد غارقة 
طوف الليل أرجاءها 
وكساها بعسجده الـهاشمي 
فدانت لعاداته معبدا"
أسئلة نوجهها للحربي ليجيب عليـها وليجلب بخيله ورجله، ويستعين بالمبدعين والنجوم المتجاوزين للسائد والنمطي كما يسميهم : لماذا أرضنا بيد قاحلة لا نبات فيه ولا ماء ؟ وما الذي أغرقها ؟ وفي أي شيء هي غارقة ؟ وما هو الليل والظلام الذي عم أرجاءها ولم يترك منها زاوية ؟ ومن هو الهاشمي الذي كساها بعسجده فدانت لعادته معبدا وحولها إلى أرض قاحلة غارقة في الظلام.
أيقال هذا الكلام في حق محمد صلى الله عليه وسلم الذي شرفت به هذه البلاد بل كرمت به البشرية، وهل كان صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه سبحانه وتعالى، أم أنـها عاداته ألزم الناس بـها حتى تحولت البلاد إلى معبد لعاداته فأصبحت بيداً غارقة ؟! 
إنني أتحدى الحربي أن يخرج لنا هاشميا يمكن أن يقال إن عاداته أصبحت عبادة للناس غير محمد صلى الله عليه وسلم.
 ثم يقول داعياً إلى الثورة والتمرد على كل شيء ومستهزئاً بالقرآن وتعاليمه :
"بعض طفل نبي على شفتي ويدي 
بعض طفل من حدود القبيلة
حتى حدود الدخيلة
حتى حدود القتيلة 
حتى الفضاء المشاع من رجال الجوازات 
حتى رجال الجمارك 
حتى النخاع يـهجم الخوف أنى ارتحلنا 
وأنى حللنا 
وأنى رسمنا منازلنا في الهواء البديل 
وفي فجوات النـزاع باسمنا 
باسم رمح الخلافة 
باسم الدروع المتاع 
اخرجوا فالشوارع غارقة والملوحة في لقمة العيش 
في الماء 
في شفة الطفل في نظرة المرأة السلعة 
الأفق متسع والنساء سواسية منذ تبّـت وحتى ظهور القناع 
تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع"
وما يهـمني أن أقوله هنا هو التـنبيه إلى إفكه الذي افتراه بأن النساء كلهن أصبحن سلعاً تشترى وتباع منذ تَبَّت, وهذا لا شك إشارة إلى نـزول القرآن، وخاصة سورة المسد التي تحدثت عن امرأة أبي لهب المشركة التي يرى الشاعر الحداثي أن حديث هذه السورة الكريمة عن تلك المرأة، امتهان لكرامة المرأة وتحويل لـها إلى سلعة تشترى وتباع. 
أما السبب الثاني الذي حول المرأة في نظرة إلى سلعة فهو ظهور القناع، وهذا إشارة واضحة للحجاب الذي أمر الله به المؤمنات :
"منذ تبت وحتى ظهور القناع 
تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع" 
إن الحربي يريد من بناتـنا ونسائنا أن يخرجن متبرجات ملقيات للحجاب الذي فرضه الله، يختلطن بالأجانب من الفساق ويجلسن بينهم في الصفوف، وبـجانبـهم على المقاعد.
ومن صور الاستهزاء بـهذا الدين ما كتبه محمد العلي في مجلة الشرق عدد 362 الصفحة 38 عن المغني معبد، وعن أزمة الفن كما يقول في بلادنا، والتي أورد فيها فكرته بأسلوب ساخر بطريقة المسلمين في حفظ السنة النبوية الكريمة حين قال :
"حدثنا الشيخ إمام 
عن صالح بن عبد الحي 
عن سيد ابن درويش"
عن أبيه، عن جده قال : 
"يأتي على هذه البلاد زمان 
إذا رأيتم فيه أن الفن أصبح جثة هامدة فلا تلوموه 
ولا تعذلوا أهله 
بل لوموا أنفسكم 
قالـها وهو ينتحب 
فتغمده الله برحمته
وغفر له ذنوبه"
هذا الحديث الذي نسجه خيال العلي، ألم يـجد طريقة يتحدث بـها عن الغناء والمغنين، إلا أن يقلد سند حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بل يقلد الحديث الشريف ذاته في ألفاظه.
وأنت أيـنما اتجهت للبحث والقراءة في أدب الحداثة، ترى التجرؤ على الله ورسوله ودينه.
 يقول السريحي في كتابه (الكتابة خارج الأقواس) (ص 37) : "من شأن البعد الإنساني الحر الذي تتسم به رؤيا الفنان أن يجعل انفصاله عن الجماعة أمراً قدريا لا مندوحة عنه بحيث يصبح الفنان مصدر حيرة، لا يحلها إلا مثل ذلك الحل الذي يرى أن للفنان شيطاناً يلقي على لسانه ما يقول، وهو حل مع سذاجته إلا أنه واضح الدلالة على حيرة الجماعة وعجزها, حيرة وعجزا يبلغ بـهما حد الخروج عن المنطق، كون الفنان يعيش بين الناس ويأكل في الأسواق".
 إننا نعلم أن الذي استغرب الناس أكله الطعام ومشيه في الأسواق هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهل أصبح الأنبياء في نظر السريحي مجرد فنانين أتوا بما يخالفون به السائد ـ كما يقول ـ ؟؟!! وهل يريد السريحي أن يقول : إنه ما دام النبي فنانا، فإنه يجوز للفنان الذي يجيء بعده أن ينقض ما أبرمه النبي ويلغي ما بلـّـغه ؟؟! 

من كتاب : الحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني