من الذي يناديك كل يوم (1-2)

منذ 2019-04-20

ولعظم أمر الصلاة عند الله -عز وجل- شرع لها الآذان ليسمع هذا النداء كل إنسان. ومع ذلك فإن كثيرا من الناس يتقاعسون عن الاستجابة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

هناك أشياء من مخلوقات الله تعالى كلفها الله عز وجل أن تناديك وتدعوك إلى الخير كل يوم، ولكنها فوق مستوى سمعك فلا تقوى على سماعها أنت ولا أحد من الثقلين. ولعل سائلا يقول: ما الحكمة أن تنادي هذه الأشياء وتخص بخطابها ابن آدم وهي تعلم أن صوتها لا يبلغ مستوى سمعه؟ أقول لعل الحكمة في ذلك ليعلم الله من يؤمن بالغيب. فطالما أخبرنا الشارع الحكيم بندائها فلا يلزم من سماعها، وإنما يكفي الإيمان بذلك.

أما النداء الأول فهو يدعونا إلى الصلاة: فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« «إِنَّ لِلَّهِ مَلِكًا يُنَادِي عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: يَا بَنِي آدَمَ، قُومُوا إِلَى نِيرَانِكُمُ الَّتِي أَوْقَدْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَأَطْفِئُوهَا» » رواه الطبراني (حسن لغيره 358).

 ولعظم أمر الصلاة عند الله -عز وجل- شرع لها الآذان ليسمع هذا النداء كل إنسان. ومع ذلك فإن كثيرا من الناس يتقاعسون عن الاستجابة لهذا النداء وهو يقول لهم خمس مرات في اليوم حي على الصلاة حي على الفلاح فيأبون السجود لله -عز وجل-، وما علموا أنه سيكون هناك نداء مشابه يوم القيامة حيث قال تعالى {يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون} ، فمن لم يسجد لله ويخضع له في الدنيا فلن يقوى على السجود في الآخرة.

أما النداء الثاني فهو يدعوك لمناجاة الله -عز وجل- وسؤاله في آخر الليل حيث روى عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «تُفْتَحُ أبْوابُ السَّماءِ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيُنادِي مُنادٍ: هَلْ مِنْ دَاعٍ فَيُسْتَجابَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سائِلٍ فَيُعْطَى؟ هَلْ مِنْ مَكْرُوبٍ فَيُفَرَّجَ عَنْهُ؟ فَلَا يَبْقَى مُسْلِمٌ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ إلاَّ اسْتَجابَ الله تَعَالَى لَهُ إِلَّا زَانِيَةٌ تَسْعَى بِفَرْجِها أو عشارا » " [رواه الطبراني] .

 ‌ومعنى عشارا أي الذي يأخذ ضرائب على التجار عند مرورهم.

وروى أبو سعيد وأبو هريرة معا رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «إِنَّ اللهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ» ". [رواه الإمام أحمد ومسلم] . ‌

فإنها لفرصة عظيمة أن نستجيب لهذا النداء طالما أن معظمنا في الإجازة يسهر طوال الليل مع أولاده ولا ينام إلا في الصباح.

أما النداء الثالث: فهو مناشدة أعضاء الجسم للسان أن يقول خيرا، فقد روى أ بو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا»  " [رواه الترمذي وابن خزيمة] .

 ‌إن أعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، وإن أكثر خطايا بني آدم في لسانه، وهل يَكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟  فمن أرخى العنان للسانه سلك به الشيطان كل ميدان وأوقعه في آفات اللسان وهي كثيرة معلومة، ومن حفظ لسانه سائر يومه وألجمه بلجام الشرع فقد أمضى يومه في مرضاة ربه.

أما النداء الرابع: فيدعوك أخي المسلم إلى عدم الركون إلى الدنيا وشهواتها فتنسيك الآخرة حيث روى أبو الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " «مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ، يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى، وَلَا آبَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلَّا بُعِثَ بِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الْأَرْضِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا مَالًا تَلَفًا» " [رواه الإمام أحمد] .

 فهل نعي قول الله تعالى لنا ) تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة وقوله عز وجل {وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} .

إن غفلة كثير من الناس عن الآخرة جعلتهم لا يفكرون إلا في متاع الدنيا فألهتهم بمتاعها وزخرفها عما وجب عليهم وجمعوا الحلال والحرام متغافلين عن حساب عسير وكرب ستشيب لها الولدان وعقبة كؤود لا يجوزها إلا المخفون.