عمرُ بنُ الخطاب يعزلُ وزراءَ الثقافةِ والإعلام!
ولا أظنُّ أبا حفص سينتظرُ لحظةً واحدةً أمامَ الإعلام في بلدان المسلمين؛ فقد تجاوز البلاءُ الشعرَ الفاحش والغناءَ الماجن والرقصَ والإغراء إلى إشاعةِ الفاحشة بانواعها صُراحاً بلا مواربة
في السيرة العمرية الراشدة أنَّه-رضي الله عنه- استعملَ النعمانَ بنَ عدي بنِ نضلة العدوي القرشي -رضي الله عنه- على ولاية ” مَيسان “- الواقعة بين البصرة وواسط-؛ فلما خرج إليها طائعاً ممتثلاً أبتْ زوجُه مرافقَته ومفارقةَ بيئتها؛ وحين وصل ميسان وحيداً من غيرِ أنيسٍ تذكرَ حبيبته فقالَ شعراً:
ألا هل أتى الحسناءَ أنَّ حـلـيلها بميسان يُسقى في زجاجٍ وحنتمِ
إذا شئتُ غنـتني دهاقيـن ُقريـةٍ ورقاصة ٌتجثو على كلِّ منسـمِ
فإن كنتَ نـدماني فبالأكبرِ اسقـني ولا تسقني بالأصغرِ المتثلِّــمِ
لـعـلَّ أميـرَ المـؤمنين يسـوؤه تنادمنا في الجوسقِ المتهـــدمِ
وهذا الشعرُ معناه مختصراً: شرب الخمر بميسان بأوانٍ زجاجية وجرارٍ خضر، وقد يكونُ مع الشرابِ غناءٌ ورقصُ نساء؛ وهو قولٌ فاحش ولا جرم. وبلغت هذه الأبياتُ الفاروقَ – رضوان الله عليه- فكتب للنعمان يعزله ويستدعيه قائلاً: ” وأيم الله إنه ليسوؤني “. ولما مَثُل النعمان بين يدي عمر –رضي الله عنهما- قال له:” والله ما صنعتُ شيئاً مما قلت، ولكن كنتُ امرءاً شاعراً وجدتُ فضلاً من قول؛ فقلتُ فيه الشعر “. فقال عمر: ” أظنُّ ذاك ولكن لا تعمل لي على عملٍ أبداً ” وفي رواية أخرى: ” وقد قلتَ ما قلتَ “. والعزل ُمن المناصبِ الكُبرى شديدُ الوقع على النفوس حتى سماه بعضُ الحكماء ” حيض الرجال “، وقد عرف عمر المحزَّ فقطع!
ونلحظ ُمن هذه الرواية أنَّ أبا حفصٍ كان يتابعُ عمالَه بدقةٍ وقد عاقبَ مَنْ تكلَّم بفُحشٍ وإن كانت الدلائلُ تشيرُ لحسن نيته؛ ولم يلتفت عمر لكونه من السابقين الأولين وممن هاجروا للحبشة؛ ولم يأبَه بانتماء النعمان لبني عدي قومِ عمرَ وأهلِه.
ولو حضر الفاروق ما يقترفه وزراء الثقافة ووزراء الإعلام في أكثرِ البلدان الإسلامية لما تردد في عزلهم وعرضهم على القضاء. فلا زال وزير الثقافة المصري يتجرأ على الإسلام بازدراء آدابه وأحكامه؛ والمسلمون في الرباط وتونس وصنعاء والرياض يجأرون إلى الله بالشكوى من سوء عناوين بعض كتب معارض الكتاب من جهة ومن منعِ بعض الكتب الإسلامية ودور النشر الملتزمة بمنهج الخير والدعوة والعلم من جهةٍ أخرى.
ولا أظنُّ أبا حفص سينتظرُ لحظةً واحدةً أمامَ الإعلام في بلدان المسلمين؛ فقد تجاوز البلاءُ الشعرَ الفاحش والغناءَ الماجن والرقصَ والإغراء إلى إشاعةِ الفاحشة بانواعها صُراحاً بلا مواربة أو تحايل وكذلك نشر البدع وضلالات الطرقية وأكاذيب الروافض وكفريات الباطنية والدعوة إلى الشرك وسبِّ الذات الإلهية المقدسة والاعتداء على الجناب الكريمِ – صلى الله عليه وسلم – والمصحف الشريف إلى غير ذلك من خزايا التبعية والفجور.
لقد كان في الدرة العمرية علاجاً لشبهات صبيغ بن عسيل؛ وأصلحت أوامره بالعزل والإعفاء كثيراً من أرباب المناصب؛ وأسهمت العقوبات المناسبة تحقيقاً لسياسته ” حتى يفَرَقوا إن لم يفقهوا ” في القضاء على التجاوزات والتحزبات على أُسسٍ غير شرعية. وإن كثيراً من الشعوب المسلمة اليوم ناقمةٌ على وزراء ثقافتها وغاضبة ٌمن وزراء إعلامها؛ فمتى يكون للثقافة في العالم الإسلامي وزيرٌ يحترمُ البلدَ وسكانَه وثقافتهم المبنية على الدين واللغة والتاريخ؟ ومتى يُدار الإعلام في بلدان المسلمين من قبلِ أناسٍ ليس في دينهم مغمز ولا في تاريخهم شائنة؟ ومتى يُقطع على المجرمين السبيلُ حتى لا يكون لهم أَيْدٌ ولا نفوذ؟
إنَّا منتظرون ……
أحمد بن عبد المحسن العساف – الرياض
مدونة أحمد بن عبد المحسن العساف
- التصنيف: