آية الله بشار ووكر الجواسيس

منذ 2011-07-19

الولايات المتحدة ترى في الأسد عميلاً وفياً، لكنها لا ترى أنها مضطرة لمساندته حتى النهاية، وأنها لا تقطع في المقابل الأمل فيه في الإصلاح بعد هذه الجرائم، ولا تعتبره قد تجاوز نقطة اللاعودة بعد، وما زالت تنتظر منه "إصلاحات"...


"هيهات منا الذلة"
"كلا كلا فرنسا"
هذه ليست شعارات تهدر في قلب طهران ولا الضاحية الجنوبية إنها كلمات كتبت على لافتات رفعت في تجمع لأنصار بشار الأسد الذي "كافح" هو ووالده للتأكيد على علمانيته، وعلى عدم تبعيته لإيران ديناً ومذهباً، ولا تعبيره عن طائفة بعينها فضلاً عن أن تكون طائفة مغايرة له فيما هو معلن.

 
شعارات كتبت بالعربية والانجليزية والفرنسية أمام السفارتين الأمريكية والفرنسية ليصل للعالم كله أن سوريا ـ النظام يمكنها أن تقذف السفارتين بالطماطم والبيض فيما تمطر أبناء "شعبها" بالرصاص الحي وتسحق أجسادهم تحت جنازير الدبابات وتقتلع حنجرة من ملأ سماء سوريا الحرة، سوريا الغد، بأهازيج الإباء والصمود (كما إبراهيم قاشوش)، وتعذب الأطفال تحريقاً وتشويهاً (كما حمزة الخطيب وأقرانه) وتقليعاً للأظافر (بدرعا) وتسميلاً للعيون وتقتيلاً.
 
الخطاب الرسمي يتحدث عن "مظلمة" أمريكية فرنسية، من دون أن يعلي "سقفه الطائفي" للصراخ "يا لثارات الحسين"؛ فهو يترك الخطاب الإيراني الصرف للغوغاء أمام السفارتين التي أبدت دولتيهما أكبر درجات "التفهم" للجرائم السورية حيث تتفاعل الدولتان مع النظام السوري بالمستوى ذاته من الإجراءات التي اتخذت لمنع المشروع النووي الإيراني فنفذته دون أن تدري!! (أو هكذا يتصور بعض "الخبراء").
 
والخطاب الإيراني الصفوي الذي ساد تظاهرات القتلة من الميليشيات الإجرامية في دمشق، إما أنه يؤشر إلى زحف "إمامي" واضح على "البعثية العلمانية ـ العلوية المذهبية" أو أنه نابع من ميليشيات إيرانية بالفعل، وكلا التصورين موحٍ بدرجة أو بأخرى بمدى هيمنة صانع القرار الإيراني على المزاج السياسي لحكام دمشق.
 
• جانب من المشهد يعيدنا إلى عقود خلت، حين استحضر الأسد الأب فتوى من موسى الصدر تثبت أن "العلوية" ليست خارجة عن الملة وفقاً للعقيدة الإمامية الشيعية، ما مهد لحافظ الإعلان عن "إسلامه" بشكل رسمي في وسائل الإعلام السورية ليتسنى له رئاسة الدولة التي تشترط في رئيسها الإسلام، ولما ورث الابن أباه كان "إسلامه" بالوراثة ـ كما الحكم ـ الذي "هندسته" وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت مع ترزية الدستور في دمشق وأعطت الضوء الأخضر للتوريث وسط قناعة بأن "الحكم العلوي في دمشق لابد أن يبقى، وأن يتم ضمان عدم خروج السلطة السياسية والعسكرية والأمنية من يد الطائفة"، وهي القناعة عينها التي منعت اتخاذ أي إجراء فعال بحق النظام الفاشي في دمشق حتى الآن، والاكتساء بعبارات من قبيل "الرئيس السوري بشار الأسد أضاع الفرصة تلو الأخرى لإجراء إصلاحات وأنه فقد شرعيته في نظر شعبه"، كما قال أوباما، أو من قبيل ما قالته وزيرة خارجيته كلينتون: "الرئيس الأسد ليس شخصا لا يمكن الاستغناء عنه وإن الولايات المتحدة ليست معنية ببقاء نظامه في السلطة ولو اعتقد أحد بمن في ذلك الرئيس الأسد أن الولايات المتحدة تأمل سرا أن يخرج ذلك النظام من هذه الفوضى كي يواصل وحشيته وقمعه.. فهو مخطئ"، إذ إن هذه التصريحات الفارغة وما تلاها من القول بأن مصير سوريا يحدده شعبها، كلها تعبير دبلوماسي واحد عن حقيقة مساندة أمريكية مبطنة لنظام بشار "الممانع" بأكثر مما فعلته مع مبارك "المعتدل" بكثير جداً؛ فلم نسمع "عليه التنحي اليوم يعني أمس" مثلما قيل لمبارك، ولم نرَ تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي مثلما حصل في اليمن وليبيا، وإنما جملة من التصريحات يستشف منها ما يلي:
 

1 ـ محاولة تعويم لنظام غارق عن طريق الإيهام بوجود مساندة أمريكية للثوار عبر زيارة السفير الأمريكي لحماة، ثم مسرحية السفارتين الأمريكية والفرنسية التي لو حصلت في دولة أخرى "معتدلة" لأرغى الأمريكيون وأزبدوا، وما اقتصروا على تصريح كلينتون الهزيل بأن الأسد "لن ينجح في صرف انتباه العالم من خلال الهجوم على السفارة".
 
2 ـ أن الولايات المتحدة ترى في الأسد عميلاً وفياً، لكنها لا ترى أنها مضطرة لمساندته حتى النهاية، وأنها لا تقطع في المقابل الأمل فيه في الإصلاح بعد هذه الجرائم، ولا تعتبره قد تجاوز نقطة اللاعودة بعد، وما زالت تنتظر منه "إصلاحات"، بعكس غيره من مجرمي الإنسانية الباقين كالقذافي مثلاً.
 
3 ـ أن واشنطن تستشعر الحرج الذي أوقعها فيه الحليف السوري، ومن ثم تحاول أن تدفع عنها تهمة ثابتة عليها بتركه يمارس جرائمه على مدى أربعة أشهر، لم تتحمل سدسها من مبارك رغم قلة فاتورته الوحشية قياساً ببشار.
 
4 ـ اهتمام أمريكي بالإبقاء على حصر المشكلة السورية في شخص "الأسد"، لا نظامه، بحيث يمكنها التدخل في الوقت المناسب حال تدهور الأوضاع أكثر، للتوافق مع قوى من داخل طائفة بشار على تقديم بديل آخر منها يضمن بقاء السلطة في أيدي الأقلية العلوية. ويعني هذا أن قانون "اجتثاث البعث" الذي طبق في العراق لتغييب السنة عن المشهد السياسي لن يكون مناسباً في التقدير الأمريكي لاستنساخ مثله في سوريا حال سقوط بشار وحده، ما دام سيقفز بالغالبية إلى صدارة الحكم السوري القادم.
 
5 ـ أن الدولة التي لم تزل تحتل العراق يمكنها أن تمارس تغاضيها ذاته عن الجرائم الطائفية التي ترتكب تحت نظرها وسمعها ما دامت تستهدف الغالبية السنية في البلدين، ضماناً لأمن الكيان الصهيوني، وأن مثل هذه التصريحات الجوفاء التي سمع نظيرها إبان مجازر الأعوام من 2004 وحتى 2006 الطائفية في العراق التي حصدت نحو مليون عراقي سني ورملت مثلهم ويتمت ثلاثة أضعافهم وشردت مثلهم، لا تعني إلا الرضا التام عن تلك المجازر إلا إذا أخفق الجزار في ذبح الضحية وانتفضت عليه، ونجحت في إيقافه عند حده.
 
 
• وجانب من المشهد يقودنا إلى تلمس الطغيان الإيراني على السياسة الداخلية السورية كما الخارجية، والتدخل السافر في الصعيدين الأمني والسياسي؛ حيث لا يقتصر هنا التدخل على تلك الميليشيات الطائفية التي تجوب البلاد طولاً وعرضاً لممارسة القمع بشكل مباشر للحؤول دون تفكك الجيش السوري الذي يرفض في معظمه قتل شعبه السوري (باستثناء الفرقة الرابعة الطائفية فيه التي تمارس جرائمها الوحشية بلا وجل)، وإنما يمتد ليشمل قيادة المظاهرات المؤيدة لبشار، وبالأخص تلك المسرحية المبتذلة التي افتعلت على أسوار سفارتي واشنطن وباريس، والتي ارتفعت فيها شعارات إيرانية بحتة سبقت الإشارة إليها، والتي هي قريبة الشبه جداً بمسرحية "وكر الجواسيس" (حادثة احتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران 1979) التي أفضت إلى منح الخميني في مستهل ثورته وحكمه "شرعية" الكفاح ضد "الشيطان الأكبر"/الولايات المتحدة، الحليف الأوثق لطهران في الخليج العربي وباكستان وأفغانستان والقرن الإفريقي..
 
 
لقد ارتفعت تلك العبارات لتشي بمدى سيادة هذه الثقافة لدى مؤيدي بشار، وتبرهن على أن رئيس سوريا العلوي قد تجاوز التحالف السياسي مع طهران إلى التقارب المذهبي وربما الذوبان المذهبي لطائفته التي كانت الإمامية يوماً تخرجها من ملة الإسلام.. وتؤكد أن "علمانية البعث" ليست إلا قشرة تخبئ خلفها حكماً طائفياً يقوده آية الله بشار الأسد!!
17/8/1432 هـ
المصدر: موقع المسلم