تحسين صورة الإسلام وسمعته ودواعي الاهتمام
إنّ من أعرق المشكلات التي تُواجه المسلمين؛ وجود حالة من التصرفات المذمومة، والأفكار المنحرفة التي تلتصق بالإسلام أو تنسب نفسها للإسلام؛ والإسلام منها براء.
قبل مُدّة أسلم "كريستوفر مورغان" وقد كان محلل الشؤون الدينية في صحيفة (صانداي تايمز) وكان مِمّا قال: "إن البروباغاندا المسلمة والعربية عاجزة عن وضع صورة إيجابية والمطلوب أن نصنع صورة صحيحة وسليمة عن أنفسنا"، وختم مستشهداً بقول لأحد الذين اعتنقوا الإسلام من مواطنيه: "أشكر الله أنى اكتشفت الإسلام قبل ان اكتشف المسلمين"[1]
إنّ من أعرق المشكلات التي تُواجه المسلمين؛ وجود حالة من التصرفات المذمومة، والأفكار المنحرفة التي تلتصق بالإسلام أو تنسب نفسها للإسلام؛ والإسلام منها براء.
لهذا نشطت حركات الإصلاح في العالم الإسلامي التي تُحاول تتبع الاهتراء في التفكير؛ وتنقية الإسلام من الدواخل المُغايرة لمنهجه؛ أو الأفكار الخارجيّة التي تُحاول أن تسود فيه؛ فضلاً عن استثمار العدو للخلل في نفسية بعض المنتسبين إليه وتحريك أفكارهم وتصرفاتهم نحو ما يخدم مصالحهم.
ومن هنا نرى كيف وقف علماء الإسلام بوضوحٍ وقوّة ضدّ الخوارج الذين فهموا الدين بطريقة ملتوية وأسباب باطلة؛ وحرّفوا مُراد الله، واجتهدوا في فهم الدين بعيداً عن السنّة النبوية؛ ثمّ قاموا بتكفير ولاة المسلمين وعلى رأسهم علي بن أبي طالب؛ وخرجوا على جماعة المسلمين، وأمعنوا فيهم القتل وسفك الدماء واستحلال الأعراض بدون حق.
وقد وقف علماء الإسلام ضدّ حركات الشيعة والرافضة والفِرق الباطنيّة التي كفّرت غالب الصحابة؛ وادّعوا العصمة في أئمتهم، وقاموا بتأويل القرآن على غير تأويله الصحيح؛ وصرفوا نصوصه لما يعكس نظرتهم للأحداث السياسيّة، وضخّموا من قضايا اجتهاديّة أو فقهيّة؛ لتكون في منصب الاعتقاد ونصب الولاء والبراء؛ وخاصّة في اعتقاد الإمامة، أو الولاية التكوينيّة، وانقسموا أقساماً كثيرة، وقاموا بأعمال وخرافات وطقوسٍ ما أنزل الله بها من سلطان؛ في لطمياتهم وبكائياتهم في الحسينيات التي يلتقون فيها وينوحون على مقتل الشهيد الحسين بن علي – عليهما السلام – وما يعتمل في أذهانهم ونفسياتهم من تحريك الأحقاد، وتثوير النفوس ضدّ مخالفيهم من أهل السنة؛ فضلاً عمّا يعرضه الإسلام في ضرب الرؤوس بالفؤوس، والأجسام بالموس.
ومع أنّ علماء الإسلام كانوا يوصون بالزهد والروع وحسن التعبد والتقلل من الدنيا، والسعي لمكاسب الآخرة؛ إلاّ أنّهم وجدوا فئة شطحت عن الطريق وغلت في دينها؛ واستخدمت الخرافات والتواشيح الشعرية؛ والرقص أثناء الذكر؛ واستخدام أدوات الطرب وقت قراءة القرآن والأناشيد؛ فضلاً عن مبالغةٍ شديدةٍ يقومون بها في الاستغاثة بالأموات، وقصدهم بطلب الحوائج؛ مِما يُخشى فيه الوقوع في الشرك وعبادة القبور، وعودة الوثنيّة من جديد في الأمّة.
وفي الوقت المُعاصر يسعى كثيرٌ من الناس لاستخدام الدين بما يروق له من طُرقٍ تسعى لإيصاله لمنصبٍ وجاهٍ وسلطانٍ؛ فيستخدمون الدين طِبقاً لمصالحهم، ويتدثّرون به لتلبية رغباتهم ومنافعهم الخاصة، ويكون دينهم سبباً لما يرون أنّه يعطيهم الشيء الذي يرغبونه؛ فإن خالف الدين قناعاتهم تركوه خلفهم ظهرياً؛ فأخذوا من الدين ما يُريدون، وتركوا منه ما لا يريدون؛ باستخدام قوانين وضعية، واستعمال الدين لتكريس استبدادهم وظلمهم وفسادهم؛ وليس لإصلاح الواقع؛ والعودة بالناس نحو التدين الحقيقي؛ بل إنّهم يُحاربونه وقتما يكون مُخالفاً لهم؛ ويسمحون به حالما يحقق مصالحهم.
يتبيّن مما سبق أنّ علماء الإسلام تحدّثوا عن جميع هذه الفرق والطرق التي تدّعي أنّها على طريق التديُّن، غير أنّها خالفت الشريعة السمحة، والوسطيّة التي أرادها الإسلام، وحيث قاموا بتركيبات من الهوى ألبسوها لباس الدين؛ فكان علماء الإسلام من أسبق الناي في فضحها وجرحها ودحضها؛ لئلاً يلتصق بالإسلام ما ليس منه؛ ويتشوّه بأفكار وممارسات المنحرفين؛ فيظنّ ظانٌ أنّ الدين هو ما تعتقده تلك الفرقة أو الطريقة وليس الدين كذلك.
يسأل المسلمون ربّهم في كل صلاة أن يُبعدهم عن طرق المغضوب عليهم والضالين، وطريق المغضوب عليهم هم من عرفوا الحق ولم يعملوا به، وطريق الضالين من عملوا بغير علم ولا هدى. وإنّنا إذ نستذكر تلك الفِرق والمذاهب المنحرفة؛ نؤكد أنّ في واقعنا اليوم ما يكون مثيلها ويزيد عليها من انحرافات عن الطريق الصحيح؛ ويغتنمه الأعداء للصد عن سبيل الله، وابتغاء الدين عِوجاً؛ فالأعداء يُمكن أن يسمحوا لدين معوج وهو الدين المُبدّل؛ وقد يسعون لإيجاده إذا قام بتحقيق مصالحهم؛ ثمّ يُحاربوا من يقوموا به؛ ويفرضوا قناعاتهم التي يريدون؛ بأساليب التدرج والطرق غير المباشرة والقيام بوسائل الضغط والتسلط، أو أن يقوموا باستخدام بعض من التزم في دينه؛ لكن لا تزال تلتصق به زعارة وطيش وخفّة؛ فيقومون باستخدامهم بالقيام بجرائم باسم الدين؛ ومن ثمّ تتسلّط وسائل الإعلام ليُقال: ألم نحدثكم عن هؤلاء المنتسبين للإسلام، كم كانوا قتلة، وإرهابيين، ومتطرفين؟!
إنّ واجب الوقت كشف الألاعيب التي يصنعها العدو الماكر بالمسلمين، ومن أسباب ذلك:
1. وجود بذور فكريّة منحرفة أصلاً بين المسلمين تحمل الفكر اللاديني والمادي تريد أن تلبس الدين لباس التجديد الديني للإسلام؛ وهو في الحقيقة يسعى في الخفاء لإرضاء التوجه الغربي سواء باتفاقات خفيّة سريّة بينهم تحت الطاولة، أو بدون معرفة بل بتوجيه غير مباشر؛ إذ يُراد منهم التركيز على قضايا يقومون بنشرها باعتبارها من أسس الدين الإسلامي؛ وفي الحقيقة لا يُسمح لها أن تكون مُقامة في الناس إلاّ إذا وافقت الهوى الغربي؛ أو توافقت مع الرؤية الفكرية معهم؛ فجرى تنقيح في جوهر المضمون الإسلامي؛ ليتوافق مع الفكر الغربي؛ كما نرى اليوم الكثير من العبارات الدارجة في الواقع مثل: الحرية، السلام، المساواة، المجتمع المدني، الإسلام الحضاري، وكلها يُسمح لها كشعارات تحت مظلة الإسلام على النمط الغربي، وقد صرّحوا بذلك فقالوا:(أهم مبادرة منفردة يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة لمكافحة التطرف الإسلامي تتمثل في مساندة التجديد الإسلامي) عن تقرير معهد السلام الأمريكي[2].
ويقول فرانسيس فوكوياما "فالواضح أنّه بات ممكناً اختراق العالم الإسلامي – على المدى الطويل- بالأفكار التحرّرية."[3] وهذا لا يعني أنّهم كذلك حريصون على إبقاء هذا الاستنبات الفكري الغربي ضمن منهجيات بعض المسلمين الذين يصفونهم بالمعتدلين؛ بل إنّ هذه مرحلة لهم للانقضاض أصلاً على الإسلام بذاته؛ وقد قال داعية العولمة الأمريكي صامويل هنتنجتون: "المشكلة المهمّة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام"[4].
2. إنعاش القوى المنتسبة للإسلام والتي تزعم القيام بالجهاد والدفاع عن المسلمين؛ وفي أصل تفكيرها تطرف وتشدد، وضلالات تتسق مع فكر الخوارج؛ وتزيد عليه بجهل فهم الواقع، والغباء في التعاطي مع العدو بدون علم كثير من قواعدهم؛ وبعلم بعض قياداتهم كونهم قد اخترقوا لتحقيق مصالح ومكاسب تنفع الغرب؛ وتحول الناس عن المجاهدين الصادقين؛ فيحصل من جرّاء ذلك الفتن، والاقتتال الداخلي، وصرف المعارك عن طرد المحتل الغازي للاقتتال بينهم أنفسهم، وذلك برعاية من الأمم الكبرى، ودول المركز...
هذا لا يُعفينا كذلك من القول بصراحة أنّ فئة كبيرة منهم ليس بشرطٍ أن تكون متفقة مع العدو؛ لكن لعدم معرفتها لمقاصد الشريعة في تحرير العباد والبلاد من الأعداء؛ يقومون بأعمالٍ وتصرفات تظهر وحشيةَ وغدراً ونقضاً للعهود وقتل المسلمين الأبرياء مع مزيد من التفجيرات في مناطق الآهلين بالسكان، والتفجير بالكنائس والحسينيات، وذلك كله يعود بالضرر على سمعة المسلمين، ويقوم اللوبي الصهيوني بإظهار هؤلاء هم الذين يدافعون عن دينهم وبلادهم؛ وماهم إلا قتلة يفتنون الناس عن دينهم؛ ويقومون بالفتن والقلاقل في بلاد المسلمين.
3. غياب الدولة الإسلاميّة الراشدة التي تحكم المسلمين وتكون أنموذجاً للآخرين في التطبيق السليم للشريعة.
4. وجود الممارسات الخاطئة والمنحرفة من الأقليات الإسلامية في دولٍ غير إسلاميّة، أو انطباعات عدد من السُّيّاح والزائرين للدول الإسلامية من خلال تعامل أو مظاهر تلك الدول.
5. تقدم الإسلام في الغرب مما يُشعرهم بالتخوف العميق من الإسلام؛ وهم كذلك يرون أنّهم محتاجين لهم؛ لأنهم مندمجون في العمل العام؛ لهذا يحاولون تشويه الإسلام.
6. وجود أنظمة تحول عن تطبيق الاسلام وتظهر للآخرين أن تطبيقه يؤدي إلى التضييق والتشدد!
7. الأصل في أعداء الدين أنّهم لا يريدون للمسلمين أن يبقوا على إسلامهم ودينهم، بل يقومون بشنِّ حملة هوجاء للقضاء عليهم كما قال تعالى:{ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} وقال تبارك وتعالى: {ودَّ الذين كفروا لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبيَّن لهم الحق} وقد وجدنا حملة شرسة من أعداء الدين سابقاً ولاحقا للقضاء على الإسلام.
وهم يُحاولون تشويه الإسلام والتنفير منه بعدّة جوانب:
1. التركيز على إسقاط القداسة والعصمة لكتاب الله تعالى؛ بإثارة الشبهات والشكوك تجاهه، مع دعاوى احترامه كتراث قديم، وإمكانية الاستفادة مما فيه بحسب مُعطيات العصر، أمّا أن يُهيمن بأحكامه على الواقع؛ فدون ذلك خرط القتاد.
2. الطعن في الاحتجاج بالسنّة من حيث الأصل التشريعي، واستخدام مقولات منكري السنّة ؛ للطعن في حُجّيتها ومصدرية التشريع فيها، واستهداف غير المتخصصين بالطعن والإسقاط لأصحّ الكتب فيها وهما صحيح البخاري وصحيح مسلم.
3. استغلال الخصومات والمنازعات والشقاقات الإثنية/ البينيّة، وتسليط الضوء على الحروب الأهلية الطاحنة، والتوترات الطائفيّة بين السنّة والشيعة، مما يجعلهم يتحكّمون في مفاصل الدول، ويحتلون بعضها، ويُهيمنون عليها بحجّة ضبط الأمن ونشر قوات السلام وبعث الديموقراطية!
4. نزع الاحترام لمكانة علماء الشريعة، والسخرية والاستهزاء بهم، والتركيز على بعض فتاويهم التي قيلت في سياقات محددة، وتضخيمها، أو الافتراء عليهم وتشويه صورتهم بنسبة فتاوى وأقوال لم يقولوها.
5. حسدا وعدوانا، لهذا قال الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}، وقد جاء في مقررات أكبر وأخطر مؤتمرات الكنائس الغربية لتنصير المسلمين الذي عقد في كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية عام1978م: "إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية.. وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة دينياً واجتماعياً وسياسياً.. إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مخططة تخطيطاً يفوق قدرات البشر.. ولابد من مئات المراكز، التي تؤسس حول العالم، بواسطة النصارى، للتركيز على الإسلام، لفهمه، والتعامل معه، واختراقه في صدق ودهاء"[5].
6. عدم معرفة حقيقة الإسلام من الداخل؛ وأخذه من خلال كلام المستشرقين، أو أفعال المسلمين من ذوي العنف والتطرف، أو عدم مخالطتهم لواقع المسلمين، أو سماعهم الحروب والكوارث والاقتتال بين المسلمين فيظن ظانهم أنّ المسلمين هكذا.
- التصنيف:
- المصدر: