عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله (1-2)
لا أريدك أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك فحسب، وإنما أريدك أن ترتقي قليلا فتعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله -جل جلاله- به
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، عبارة دارجة، وحكمة يكررها الناس، وهي ليست حديثا عن النبي –صلى الله عليه وسلم- وإنما قاعدة من القواعد المهمة في السلوك المحمود، ولكن دعوني أعطيكم قاعدة أخرى لا تقل في الرقي والسمو من هذه القاعدة، بل هي أفضل منها، أتدرون ما هذه القاعدة؟
"عامل الناس بما تحب أن يعاملك الله"
لا أريدك أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك فحسب، وإنما أريدك أن ترتقي قليلا فتعامل الناس بما تحب أن يعاملك الله -جل جلاله- به، فالذي تريده من الله -عز وجل- افعله للناس كي يمنحك الله إياه. وإليكم بعض الأمثلة:
أتريدُ يا عبد الله الرزق؟ وأن يعطيك الله؟ أنفق في وجوه الخير يُنفقُ اللهُ عليك، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ:( «قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» ) [متفق عليه] .
فهذا وعد من الله عز وجل بِالْخُلْفِ لمن أنفق في وجوه الخير، قال -عز وجل- {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفهُ} .
أتريد أن يرحمكَ الله عز وجل؟ فارحم الناس ولا تَشُقَ عليهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: ( «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» ) [رواه الترمذي] .
وأما إذا قصدت إدخال الضرر عليهم بلا حق وشققت عليهم فسيشق الله عليك، والجزاء من جنس العمل، قال –صلى الله عليه وسلم-: ( «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» ) [رواه ابن ماجه والترمذي] ، فالذي ستعامل به الناس سيعاملك الله به، ولا يظلم ربك أحدا.
إذا مرت عليك أزمةٌ ومشكلةٌ وتريد أن تنكشف عنك، فيسر على معسر، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: ( «وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» ) [رواه مسلم] .
وإذا أردت أن يسترك الله ولا يفضح عيبك، فاستر على الناس ولا تتبع عوراتهم، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: ( «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» )، وأما من تتبع عورات الناس كما يحدث من بعض الناس في تصوير أخطاء الغير دون علمهم ثم يقوموا بنشرها عبر الانترنت ليشاهدها العامة، فهو نوع من تتبع العورات، وعاقبة ذلك وخيمة، فقد روى عبد اللهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: ( «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» ) [الترمذي] .
أتريد من رب العالمين أن يعفوَ عنك ويصفحَ ويتجاوزَ عن ذنوبك؟
فاعفُ أنت عن الناس إذا أخطأوا عليك، قال تعالى {وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
وقصة ذلك أن أبا بكر الصديق –رضي الله عنه- َكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ، فلما تكلم مسطح مع من تكلم في حادثة الإفك قال أبو بكر: وَاللَّهِ لا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
وإذا أردت يا عبد الله العون من الله -عز وجل- فأعن مسلما على حوائجه، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: ( «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ).
هكذا يتعامل الله معنا بحسب تعاملنا مع الناس.
أتريد أن يرد الله عن وجهك النار يوم القيامة؟ فرد عن أخيك الغيبة حين يغتابه الناس وأنت بينهم، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: ( «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) رواه الترمذي.
- التصنيف: