اثار في اطلاقِ التاويلِ على التفسيرِ

منذ 2019-05-19

أوَّلتُ هذا القول تأويلاً، وأصله من آل الأمر إلى كذا، إذا رجع إليه، ثمَّ قيل: أوَّل فلان له كذا على كذا، إذا حملها على وجْهٍ جعل مَرجعها إليها تأويلاً.

كثُرَ في كلامِ العلماءِ إطلاقُ التَّأويلِ على التَّفسيرِ من لدن عهد الصَّحابةِ، ومن الآثارِ الواردةِ في ذلك:


قول الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم في ابن عباس (ت:68): «اللهمَّ فقِّهُ في الدِّينِ، وعلِّمْهُ التَّأويلَ»؛ أي: تفسيرَ القرآنِ الكريمِ.
قال الطَّبريُّ (ت:310): «وأمَّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وعلِّمهُ التَّأويل»، فإنَّه عَنَى بالتَّأويل: ما يؤولُ إليه معنى ما أنزل الله تعالى ذكره على نبيه صلّى الله عليه وسلّم من التَّنْزيلِ، وآي الفرقان، وهو

مصدر من قول القائل: أوَّلتُ هذا القول تأويلاً، وأصله من آل الأمر إلى كذا، إذا رجع إليه، ثمَّ قيل: أوَّل فلان له كذا على كذا، إذا حملها على وجْهٍ جعل مَرجعها إليها تأويلاً.
ومن قولهم: أوَّل فلانٌ له كذا على كذا، قولُ أعشى بني قيس بن ثعلبة، لعلقمة بن عُلاثَة العامريِّ:
                           وأوِّلِ الحُكْمَ على وَجْهِهِ     ليسَ قَضَائِي بِالهَوَى الجَائرِ
يعني بقوله: وأوِّلِ الحُكمَ على وجهِه: وجِّهْهُ إلى وَجْهِهِ الذي هو وجه الصَّوابِ» (1).
*وفي تفسير قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، قال أبو عِمران التُّجِيبيِّ (2): «كنا بمدينة الرُّومِ (3)، فأخرجوا إلينا صفًّا عظيماً من الرُّومِ، فخرجَ إليهم من المسلمين مثلُهم أو أكثرُ، وعلى أهلِ مصرَ عقبةُ بن عامرٍ، وعلى الجماعةِ فضالةُ بن عبيدٍ، فحملَ رجلٌ من المسلمينَ على صفِّ الرُّومِ حتَّى دخلَ فيهم، فصاح النَّاسُ، وقالوا: سبحانَ اللهِ يُلقي بيدِه إلى التَّهلُكةِ.
فقامَ أبو أيوبَ، فقال: أيُّها النَّاس، إنَّكم تتأوَّلون هذه الآيةَ هذا التَّأويلَ، وإنما أنزلت هذه الآيةُ فينا معشرَ الأنصارِ لما أعزَّ اللهُ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصروه، فقال بعضنا لبعضٍ سرًّا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنَّ أموالنا قد ضاعت، وإنَّ الله قد أعزَّ الإسلامَ، وكَثُرَ ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها.
فأنزل اللهُ على نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم يردُّ علينا ما قلنا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، فكانت التَّهلُكةُ الإقامةَ على الأموالِ وإصلاحِها، وترْكَنا الغَزْوَ» (1).
*ومنه قول الشَّافعيِّ (ت:204) في أكثر من موطن من كتاب الأمِّ: «وذلك ـواللهُ أعلمُـ بيِّنٌ في التَّنْزيل، مُستغنًى به عن التَّأويل ...» (2).
*وفي قوله: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، قال الأخفشُ (ت:215): «فزعم أهلُ التَّأويلِ أنَّه في معنى: {سفَّهَ نفسَه} (1).
*وقال ابن الأعرابيِّ (ت:231): «التَّفسيرُ والتَّأويلُ والمعنى واحدٌ» (2).


*وأسندَ النَّحَّاسُ (ت:338) إلى أحمد بن حنبل (ت:242)، قال: «بمصر كتابُ التَّأويلِ عن معاويةَ بنِ صالحٍ، لو جاء رجلٌ إلى مصرَ، فكتبهُ، ثمَّ انصرفَ به، ما كانت رحلتُه عندي ذهبت باطلاً» (3).


*وعنْ شَمِرِ بن حَمْدُويَه (ت:255) (4) أنه قال: «ورُوِيَ لنا عنِ ابنِ المُظَفَّرِ (5) ـ ولم أسمعْه لغيرِهِ ـ ذَكَرَ أَنَّه يقال:

 

أدركَ الشيءُ: إذا فَنِيَ (1). وإن صحَّ، فهو في التأويل (2): فَنِيَ عِلمُهم في معرفةِ الآخرةِ» (3).
*وأشهرُ من أطلقَه على التَّفسيرِ، محمدُ بن جريرٍ الطَّبريُّ (ت:310) في كتابِه جامع البيانِ عن تأويلِ آي القرآنِ، وقد كان يطلق مصطلح «أهل التَّأويل»، ويصدِّرُ تفسيرَه للآي بقوله: «القول في تأويلِ قوله تعالى».
*وجاء التَّأويلُ في تسمياتِ كثيرٍ من كتبِ التَّفسيرِ مراداً به التَّفسيرَ، كتفسيرِ ابن جرير الطبريِّ (ت:310).
ونصوص العلماء في إطلاقِ التَّأويلِ مراداً به التَّفسيرُ كثيرةٌ جدًّا، لا تكادُ تنحصرُ، وما ذكرته، فإنه على سبيلِ المثالِ، واللهُ الموفِّقُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر

المؤلف\ مساعد بن سليمان الطيار

مساعد بن سليمان الطيار

دكتور في علوم القرآن بكلية المعلمين في الرياض