كن أبا ضمضم رضي الله عنه

منذ 2019-06-03

عن قتادة رضي الله عنه قال:" أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضيغم أو ضمضم- شك بن عبيد-- كان إذا أصبح قال:" اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك"

 

خديجة رابعة


عندما يثار مفهوم العطاء في الإسلام - هذه القيمة الأصيلة- نستحضر كرم وسخاء رسول الله صلى الله عليه و سلم، الذي شهد به ذوو القربى كابن عمه ابن عباس رضي الله عنهما الذي قال:" «كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس» " جزء من حديث أخرجه الشيخان، والخصوم كذلك شهدوا بسعة جوده وكرمه، حتى كان من بين أسباب إسلام الكثير منهم٠ يقول أنس رضي الله عنه: ً ما سئل رسول الله على الإسلام شيئا إلا أعطاه٠ فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع لقومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة٠(رواه مسلم)
وعلى طريقه صلى الله عليه و سلم سار صحابته الكرام٠ لقد انجذبوا لأناقته الأخلاقية فاقتدوا به، فالأغنياء منهم إجتهدوا في مقاربة سقفه العالي في البذل والسخاء، وأما الفقراء من المؤمنين فقد تفطرت قلوبهم ألا يجدوا ما ينفقون. فباحوا بذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم. جاء في مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا:" «ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى و النعيم المقيم". فقال :"و ما ذاك؟ ". قالوا:" يصلون كما نصلي و يصومون كما نصوم و يتصدقون و لا نتصدق و يعتقون و لا نعتق. فقال رسول الله: " أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم و تسبقون به من بعدكم؟ و لا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم" قالوا:" بلى يا رسول الله" قالوا: " تسبحون و تكبرون و تحمدون دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين مرة"٠ قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله فقالوا :"سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلناه ففعلوا مثله فقال رسول الله:" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» ".
فأغنياء و فقراء الصحابة على حد سواء يتسابقون في مضمار العطاء، فكانت الوصية النبوية لهم أن طرقه متعددة، وسبله عديدة: فالذكر صدقة، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر صدقة ، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، والابتسامة صدقة...، حتى تصير لكل واحد منهم، يد بيضاء في موطن من مواطن العطاء. ولقد فقه الصحابة ذلك، فطرقوا أبواب العطاء على تنوعها، أدرك الفقراء منهم أنهم و إن لم يملكوا المال، فقد حازوا غنى النفس وصفاء المشاعر و نقاء القلب٠
فعن علبة بن زيد رضي الله عنه « أنه قام من الليل يصلي فتهجد ما شاء، ثم بكى، و قال:"اللهم إنك أمرت بالجهاد و رغبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به، و لم تجعل في يد رسولك صلى الله عليه و سلم ما يحملني عليه، و إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو عرض. و أصبح الرجل من الناس، فقال رسول الله:" أين المتصدق هذه الليلة؟" فلم يقم أحد، ثم قال:" أين المتصدق ؟ فليقم" فقام فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" أبشر فو الذي نفسي بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة» ."
و عن قتادة رضي الله عنه قال:" أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضيغم أو ضمضم- شك بن عبيد-- كان إذا أصبح قال:" اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك".
أبو ضمضم رضي الله عنه كان فقيرا، لا يملك حفنة من التمر، دعاه صلى الله عليه إلى الصدقة فالتمس في البيت دراهم أو دنانير، فما وجد شيئا فقام فصلى ركعتين في الليل، و قال : يا رب يا الله، إن أهل الأموال تصدقوا بأموالهم، و أهل الخيول جهزوا خيولهم، و أهل الجمال جهزوا جمالهم. اللهم إنه لا مال لي، و لا جمال و لا خيول. اللهم إني أتصدق إليك بصدقة فاقبلها: اللهم كل من ظلمني، أو سبني أو شتمني، أو اغتابني من المسلمين فاجعلهم في عافية و في حل و في عفو. 
يا لها من صدقة فريدة! صاحبها فقير، لكنه مخموم القلب، حاز غنى النفس بين أضلعه، ففاضت عاطفته عفوا و تسامحا و تغاضيا.
أيعجز أحدنا- و قد لا يملك ما يتصدق به- أن يطرق أبواب العطاء الخفي من عفو و صفح و تغافل...
أيعجز أحدنا و نحن نعيش في أيام العفو من رمضان الكريم،أن نسأل الله بإلحاح و نقسم عليه:" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا". 
نسأله سبحانه العفو عنا، و العفو: إزالة الذنوب بالكلية، يمحوها الله من ديوان الكاتبين، و لا يطالب بها يوم القيامة، و ينسيها من قلوبهم، و يثبت مكان كل سيئة حسنة. 
أنعجز أن نتمثل اسم الله " العفو" فنعفو، نغفر و نمحو، نصفح و نتغاضى، فنستحق بذلك عفو رب العالمين.
أنعجز أن نكون مثل أبي ضمضم رضي الله عنه؟!! 
( {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم} )
اللهم اجعلنا من أهله.