الرد على المبتدعة واجب، ولكن

منذ 2019-06-24

قد حث سلفنا الصالح، رحمهم الله تعالى، على التمسك بالسنة، والدفاع عنها، وواجهوا المبتدعة مواجهة قوية، وصاحوا بهم من كل جهة، وذلك حتى لايُمحى الإسلام، ولا تذهب السنة، ولا يظهر الباطل، وهذا شيء معلوم من الدين بالضرورة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون، اعلموا -بارك الله فيكم- أن الدفاع عن الإسلام، والذب عن السنة، واجب وفرض، وهو من الجهاد في سبيل الله، وبه يُحفظ الدين من الدخيل، وتُرد البدع، وتُبعد الخرافات، التي تشوه جمال الإسلام، والتي تَخلط الدين على الناس، قال الله تعالى:
{وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم.


وقد حث سلفنا الصالح، رحمهم الله تعالى، على التمسك بالسنة، والدفاع عنها، وواجهوا المبتدعة مواجهة قوية، وصاحوا بهم من كل جهة، وذلك حتى لايُمحى الإسلام، ولا تذهب السنة، ولا يظهر الباطل، وهذا شيء معلوم من الدين بالضرورة.


ولكن يجب على أهل السنة والجماعة في كل عصر ومصر، أن يعرفوا الظروف والأحوال المناسبة للقيام بذلك الجهاد العظيم، وهذا الأمر ليس ميدانا لكل أهل السنة والجماعة، بل هو لعلمائهم الثقات المعتدلين، الذين يعرفون كيف يُنزلون الدواء على الداء، أولئك العلماء الذين يعرفون الفتن إذا أقبلت، وليس مثل العوام وطلاب العلم الذين لا يعرفون الفتن إلا بعد أن تَذهب، وتُولي بما أخذت معها من ضحايا وبلبلة.


إن المنهج السلفي، معناه: أن يفهم المسلم المسائل القديمة، بفهم العلماء القدامى الذين درسوها، وأعطوا الحلول لها، وكذلك المسائل التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، فمثلا: لو أن مسلما توضأ ونسي غسل وجهه، فجوابه يؤخذ من أي مُفت، سواء كان في بلده أو خارجه، وسواء كان في الماضي أو الحاضر، أما المسائل التي يتغير التعامل بها، ويتنوع التصرف معها، بحسب الظروف، وبحسب قوة المسلمين وضعفهم، وبحسب ظهور السنة من عدمه، فهذا أمر يرجع فيه السني إلى علماء أهل السنة والجماعة المعاصرين له ولتلك المسائل، ولايصح منه أن يأخذ أسلوب التعامل من تعاملات السلف الأقدمين في وقتهم. من لم يفعل ذلك وقع في التخبط، وسقط في الفتن، وصار يضع الأشياء في غير أماكنها، ولذلك ذكر علماؤنا أنه يجب على المسلم إذا أراد أن يدرس العقيدة والمنهج مثلا، ان لا يدرسها من كتب الأقدمين، حتى يدرس ضوابط ذلك من كتب المحققين في ذلك الميدان، مثل الأئمة ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، ونحوهم، هذا لكي يعرف الضوابط أوَلاَ. أما ثانيا: لكي يعرف الأسلوب الصحيح للتعامل مع المخطئين والمبتدعة والكفار، بأنواع الجهاد: الجهاد بالكلمة، الجهاد بالقوة، التغيير بالقلب فقط، ونحو ذلك، فهذا لابد من أخذ التعليمات، والتنور بالإرشادات التي يدعوا بها، ويتعامل بها العلماء الثقات، المعاصرون لتلك المسائل، والعائشون لتلك التحولات.


إذن: نقول: إن الدفاع عن الإسلام، وعن السنة، والتحذير ممن لابد من التحذير منه، وكيفية ذلك، لابد فيه من الرجوع إلى العلماء الثقات المعتدلين الذين يمتازون بالوسط، فهم يعرفون ضوابط البدع، ويعرفون من هو المبتدع، ويراعون ظروف الزمان والمكان. وعلى طلاب العلم، والعوام، أن يسيروا بتوجيهاتهم، وأن لايخرجوا عن إرشاداتهم القولية والعملية. وأما من كان من علماء السنة، لكنه متشدد في ذلك، فإنه يُحترم، ولكن لايُؤخذ بأحكامه، حتى يوافقه عليها العلماء الثقات المعتدلون. فيا أتباع السلف الصالح، هذه هي السلفية الحقيقية، إن شاء الله تعالى، بها نسلم من التعصب المذهبي، والتقليد الأعمى، كما نسلم من التسيب، والتفلت، والاجتهاد غير المنضبط الذي انتشر انتشارا مخيفا.


إننا نشاهد كثيرا من الأحكام التي تصدر من بعض الناس ظلما، فيحكمون على بعض إخوانهم السنيين بانهم مبتدعة، ويُنزلون الأحكام عليهم من الهجر والتحذير والبراء، وغير ذلك، فإذا سُئلوا: هذا الذي تقولون فيه إنه مبتدع، ماهي بدعته؟

ماهي الفرقة المبتدِعة التي ينتمي إليها، هل هو من الخوارج؟ هل هو من الروافض الشيعة؟ هل هو من المرجئة؟ هل هو من المعتزلة؟ هل هو من الأشاعرة؟ هل هو من الإخوان المسلمين؟ هل هو من جماعة التبليغ؟ هل… ؟ هل…؟ فيقف أولئك المحذِرون حيارى، مضطربين. وأفضلهم من يقول لك: إن المردود عليه سلفي، لكنه يَرُدُ على شيخنا، أو لايزور شيخنا، أو لايحضر دروس شيخنا، وهذا أمر عجيب!، وهو دليل على حيرتهم، واضطرابهم، وعدم انضباطهم بفهم العلماء المعتدلين المعاصرين لهم. ألا يعلمون أن من منهج أهل السنة والجماعة، عدم التبديع في المسائل الاجتهادية، وأن السني لايخرج من السنة بخلافه في المسائل الفرعية، وإنما يخرج إذا خالف أهل السنة والجماعة في الأصول والمسائل الكلية، وإذا خالف أهل السنة والجماعة في المسائل التي اتفقوا على تبديع من وقع فيها، وكانت شعارا للفِرق الضالة، وكان ذلك منهجا له، كما ذكر ذلك ابن تيمية، والشاطبي، وغيرهما، رحمهم الله تعالى. نسأل الله تعالى أن يجمع المسلمين على الحق المبين، وعلى السنة البيضاء، على فهم السلف الصالح الأقدمين، والمعاصرين. والحمد لله رب العالمين.

كتبه أبو سعيد بلعيد بن أحمد الجزائري
 

أبو سعيد الجزائري

ليسانس فى الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة