التتار من البداية إلى عين جالوت - تحالف قوى الكفر ضد الإسلام سنة ماضية
من سنة الله عز وجل كذلك أن الحرب بين الحق والباطل لا بد أن تستمر إلى يوم القيامة.
من سنة الله عز وجل أن يحدث الصراع بين القوى المختلفة، ويحدث التدافع بين الفرق المتعددة.
ومن سنة الله عز وجل كذلك أن الأقوياء المفتقرين إلى الدين لا يقبلون أبداً بوجود الضعفاء إلى جوارهم، ولا يرحمونهم مطلقاً.
ومن سنة الله عز وجل أيضاً أن الباطل مهما تعددت صوره، فلا بد أن يجتمع لحرب الحق مهما كانت الأيدولوجيات والتوجهات مختلفة.
ومن سنة الله عز وجل كذلك أن الحرب بين الحق والباطل لا بد أن تستمر إلى يوم القيامة.
فإذا وضعنا كل هذه السنن في أذهاننا، فإننا يجب أن نتوقع تعاوناً بين التتار والصليبيين -على اختلاف توجهاتهم وسياساتهم ونظرياتهم- لحرب المسلمين، وهذا ما حدث بالضبط.
فقد أرسل الصليبيون وفداً رفيع المستوى من أوروبا إلى منغوليا -والمسافة بينهما مسافة تزيد على اثني عشر ألف كيلو متر ذهاباً فقط-؛ ليحفزوا التتار على غزو بلاد المسلمين، وإسقاط الخلافة العباسية، واقتحام بغداد درة العالم الإسلامي في ذلك الوقت،
فقد كان الصليبيون غير قادرين على دخول العالم الإسلامي، فقد كانوا ضعفاء حال خروجهم من معركة حطين ومعركة الأرك، ويريدون أن يدمروا أمة الإسلام، فنظروا إلى هذه القوة الجديدة الناشئة، فأرسلوا إليها، يعرضون عليها التعاون معها، وعظموا لهم جداً من شأن الخلافة الإسلامية، وذكروا لهم أنهم سيكونون عوناً لهم في بلاد المسلمين، وعيناً لهم هناك، وبذلك تم إغراء التتار إغراء كاملاً، وحدث ما توقعه الصليبيون، فقد سال لعاب التتار لأملاك الخلافة العباسية، وقرروا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية جداً بثرواتها، والمليئة بالخيرات، هذا مع عدم توافق التتار مع الصليبيين في أمور كثيرة، حتى إنه دارت بينهم بعد ذلك حروب في أماكن متفرقة من العالم، فقد حارب التتار الصليبيين في كل مكان، ولكنهم عندما يواجهون أمة الإسلام، فإنهم يوحدون صفوفهم لحرب الإسلام والمسلمين.
وهذا الكلام ليس غريباً، بل هو من السنن الثابتة لأهل الباطل في حربهم على المسلمين، فقد تعاون قبل ذلك اليهود مع المشركين لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم، مع الاختلاف الكبير جداً بين عقائد اليهود وعقائد المشركين، وتعاون بعدهم الفرس مع الرومان في حرب المسلمين، مع شدة الكراهية بين الدولتين الكبيرتين: فارس، والروم، ومع الثارات القديمة والخلافات المستمرة والحروب الطويلة بينهما، وتعاون أيضاً الإنجليز مع اليهود لإسقاط الخلافة العثمانية، واحتلال فلسطين، وزرع إسرائيل في داخل هذه الأرض المباركة، مع شدة العداء بين اليهود والنصارى، واليوم نرى التعاون بين الروس مع الأمريكان للقضاء على ما يسمونه بالإرهاب الإسلامي، فروسيا تسهل مهمة أمريكا في حروبها مع أفغانستان والعراق وفلسطين، وأمريكا تسهل مهمة روسيا في حربها ضد الشيشان، والضحية في الحالتين من المسلمين.
فاتحاد أهل الباطل في حربهم ضد المسلمين أمر متكرر، وسنة ماضية؛ ولأجل ذلك لا يستقيم أن يتعامل المسلمون بالمبدأ القائل: عدو عدوي صديقي.
بل لا بد أن يعرف المسلمون أعداءهم، وأن عدو عدوهم قد يكون أيضاً عدوهم، وقد يتحالف المسلمون أحياناً مع أعدائهم لهدف خاص، وإلى أجل معين، ولكن لا يصح أن يكون ذلك بتفريط في الدين، أو بتساهل في الحقوق، بل لا بد أن يكون بحذر كاف، وإلى أجل معلوم، ولا يصل الأمر إلى الولاء والصداقة ونسيان الحقائق التي ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حين قال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
والمهم في كل ذلك أن التتار بدءوا يفكرون جدياً في غزو بلاد العالم الإسلامي، ويخططون بحماسة لإسقاط الخلافة العباسية، ودخول بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية منذ خمسة قرون، فبدءوا في التفكير في التمركز في منطقة أفغانستان وأوزباكستان، وهذه الأحداث تتكرر اليوم بحذافيرها؛ لأن الله عز وجل يريد أن يرسخ في أذهاننا أن سننه سبحانه وتعالى ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.
راغب السرجاني
أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.
- التصنيف: