الحجب العشرة بين العبد وبين الله - (4) الكبائر الظاهرة
إخوتاه .. ينبغي أن نفقه في هذا المقام .. أنه لا صغيرة مع الإصرار .. ولا كبيرة مع الاستغفار .. والإصرار هو الثبات على المخالفة .. والعزم على المعاودة .. وقد تكن هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وسيتم ذكرها.
كالسرقة .. وشرب الخمر .. وسائر الكبائر ..
إخوتاه .. ينبغي أن نفقه في هذا المقام .. أنه لا صغيرة مع الإصرار .. ولا كبيرة مع الاستغفار .. والإصرار هو الثبات على المخالفة .. والعزم على المعاودة .. وقد تكن هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وهي ستة:
كيف تكبر الصغائر
أولا: الإصرار والمواظبة:
مثاله: رجل نظر الى النساء .. والعين تزني وزناها النظر .. لكن زنا النظر أصغر من زنا الفرج .. لكن .. مع الاصرار والمواظبة تصبح كبيرة ..
إنه مصر على ألا يغض بصره وأن يواظب على إطلاق بصره في المحرمات .. فلا صغيرة مع الإصرار ..
ثانيا: استصغار الذنب:
قلت لأحد المدخنين ـ ذات مرة ـ اتق الله .. أنت تعلم أن التدخين حرام .. ولقد كبرت سنك .. وفيك خصال عديدة لو تدبرتها لكان خيرا لك:
أولها: جاءك نذير الشيب ينذرك قرب لقاء ربك.
ثانيا: أنت ملتح .. فالناس تعتبرك قدوة وتعتبرك صورة الدين.
ثالثا: أنت فقير .. فلو تدبرت فيم تنفق ما يرزقك الله به.
إن هذه الأسباب كلها يجب أن تردعك عن التدخين ..
فقال: هذه معصية صغيرة .. آه لو تدبرت قولك .. إن كونك تقول: هذه صغيرة فإنها تكون عند الله كبيرة .. بالضبط كما لو أخطأ ابنك خطئا .. فإذا قلت: عيب عليك يا ولدي .. قال لك: وما في ذلك .. وأي شيء يعني ذلك .. ؟! إنه خطأ صغير .. مستصغرا في ذلك من مخالفتك فيما تطلبه منه .. مستهينا بأمرك .. أفلا تغضب من صنيعه .. ؟! أفلا تتهمه بالجحود .. ؟! أفلا يكبر غضبك عليه .. ؟!
كذلك حين تعصي ثم تقول لله: وماذا في ذلك .. ؟! ما هي المشكلة ..
فترى المدخن يقول: أنا أفضل حالا ممن يتعاطى هيروين .. ومن يدريك .. ربما لو أنك استطعت لكنت تعاطيت .. أحق أم لا .. ؟! أو ربما أنك ما تركت الهيروين لله .. وإنما خوفا على صحتك .. خوفا من أن تدمن ثم لا تجد مالا تشتري به المخدر .. ربما لغلو سعر المخدر .. وربما لكيلا يتندر الناس أنك لا تحتمله .. أو خوفا من الفضيحة لنفسك أو لأهلك .. أليس ذلك كله ممكنا .. وإنما عليك أن تفهم .. أنك لو كنت صادقا في ترك الهيروين ابتغاء مرضاة الله .. لكان من الأولى تركك التدخين .. وأن تصدق مع الله الذي يعلم السر وأخفى .. فإنه إن علم منك صدقا أنجاك .. وإن علم منك غير ذلك ابتلاك بما تفخر بأنك تركته من أجله ..
ثالثا: السرور بالذنب:
إنك ترى المرء يذنب ويسعد بالذنب .. لا يتقطع قلبه .. ولا تذهب نفسه حسرات أن خلّى الله بينه وبين الذنب .. بل تراه يفاخر بسوء صنيعه .. يفاخر بمبارزته لله بالمعاصي ..
والله إن هذا السرور بالذنب لأكبر من الذنب .. فبم تسر .. أتسر بأنك قد شهرت بأخيك وفضحته وتتبعت عورته .. أتسر بانتصارك لنفسك من اخيك .. ؟! أتسر بان شفيت نفسه بقتاله .. ؟! ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
أتفرح بغواية فتاة شريفة .. أتفرح إن شهرت بها .. ؟! ألم تتدبر قول الله سبحانه وتعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} [النور: 18].
نعم؛ انتبه .. إن سرورك بالذنب أعظم من الذنب ..
فمثلا قد يقوم أحدهم بعمل خطة لأكل أموال الناس بالباطل .. خطة محكمة مدبرة .. يجمع كل قرش من أموال الناس .. ثم يقول: لقد أخذت كل أموالهم .. سرورك بالذنب أعظم من ذنبك .. وترى أحدهم يكذب .. لينجو من مصيبة ثم يقول الحمد لله على ما اقترفه .. (بالكذب) .. اتق الله .. واعلم يقينا أن الذنب يكبر عند السرور به.
رابعا: أن يتهاون بستر الله عليه:
اللهم استرنا ولا تفضحنا .. ادم علينا يا رب سترك وعافيتك .. اشملنا يا رب بسترك الجميل .. واجعل تحت الستر ما ترضى به عنا ..
والله لولا ستر الله علينا لما زل لسان بذكر خير أبدا .. والله لولا ستر الله علينا لبصق الناس علينا ..
إذا رأيت الناس يبعجبون بك .. فاعلم أنهم يعجبون بستر الله عليك .. لكن لو اطلعوا على حقيقتك .. آه لو اطلعوا على ما تحت ستر الله .. أخشى أن أقول إنهم قد يضربونك بالنعال .. فالحمد لله ...
نعم .. إن الذي يتهاون بستر الله عليه فإنه جاهل مغرور .. لا يعرف قيمة ما أنعم الله عليه به .. وقد يستبطئ غضبه .. وفضيحته ..
أرأيت الرجل الذي أراد أن يزني بإمرأة فقال لها: ما عاد يرانا إلا الكواكب .. فقالت: فأين مكوكبها .. ؟!!
ورجل قال لامرأة حين خلي بها: أغلقت كل الأبواب .. ؟؟ فقالت:
نعم أغلقتها جميعا .. إلا الباب الذي بيننا وبين الله .. فهذا لا ينغلق ..
وفي معنى الاستهانة بستر الله يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:" يا صاحب الذنب، لا تأمن سوء عاقبته .. ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته .. قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال ـ وأنت على الذنب ـ أعظم من الذنب .. وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب .. وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب .. وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب .. وخوفك من الريح إذا حرّكت ستر بابك ـ وأنت على الذنب ـ ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب .. "
كيف لا يوجل قلبك من الله ويوجل أن يراك البشر في معصية .. ؟! هذا والله لظلم عظيم .. واعلم أن التهاون بستر الله أكبر من الذنوب لكونه يكاد يكون شركا ..
خامسا: المجاهرة:
أن يبيت الرجل يعصي .. والله يستره .. فيصبح ليحدث بالذنب .. ويهتك ستر الله عليه .. تراه يأتي فيحدث بما فعل وفعل .. فالله يستره وهو يهتك ستر الله عليه.
قال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين .. وإنّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا .. وقد بات يستره ربه ويكشف ستر الله عنه».
سادسا: أن يكون رأسا يقتدى به:
فهذا مدير مصنع .. أو مدير مدرسة .. أو في كلية .. أو شخصية عامة .. ثم يبدأ في التدخين .. فيبدأ باقي المجموعة في التدخين مثله .. ثم بعدها يتحول الى المخدر .. فيحذو الآخرين حذوه ..
وهكذا ..
فتاة قد تبدأ في لبس البنطلون الضيق [استريتش] .. يتحول بعدها الموضوع الى اتجاه عام ..
حتى إن هذه الظواهر قد انتشرت في مجتمع الملتزمين .. فقد تجد إنسانا يقابل أختا واقفة على الطريق .. فيعرض خدماته عليها .. مالك بها .. ؟ لماذا تعرض خدماتك عليها .. ؟ إن ما فعلته ولو فرضنا أنه كان بنيّة حسنة فإنه قد يفتح بابا للشيطان .. وقد تحوّل الى سنة في الإخوة .. وتكون أنت من سنّ هذه السنة وكنت مثلا يقتدى به.
وعندها ينطبق عليك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سنّ في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزراهم شيء».
محمد حسين يعقوب
داعية إسلامي مصري، حاصل على إجازتين في الكتب الستة وله العديد من المؤلفات
- التصنيف:
- المصدر: