أقلية الإيغور المسلمة

منذ 2019-07-16

أقلية الإيغور المسلمة تواجه أسوأ أشكال الاضطهاد والمعاملة السيئة داخل ما يُعرف بمعسكرات التثقيف في الصين، بالرغم من التقارير الأممية والحقوقية المتعددة التي تندد بهذه المعسكرات التي سجونًا جماعية تكرس لديكتاتورية الحزب الشيوعي الحاكم وعنصرية مقيتة ضد المسلمين.

مازالت أقلية الإيغور المسلمة تواجه أسوأ أشكال الاضطهاد والمعاملة السيئة داخل ما يُعرف بمعسكرات التثقيف في الصين، بالرغم من التقارير الأممية والحقوقية المتعددة التي تندد بهذه المعسكرات التي سجونًا جماعية تكرس لديكتاتورية الحزب الشيوعي الحاكم وعنصرية مقيتة ضد المسلمين،

لكن من الرجل المسؤول عن هذه العملية برمتها؟، إنه المسؤول البارز في الحزب الشيوعي الصيني "تشين تشوانغو"، والذي يعدّ مهندس المشروع الصيني لاضطهاد مسلمي الإيغور.

وُلِدَ "تشين تشوانغو" عام 1956م في إقليم هنان الداخلي، فكانت نشأته خلال الثورة الثقافية التي أطلقها الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ"، وأراد منها سحق المعارضة، حيث قام بإطلاق ملايين الطلبة من المدارس العليا والجامعات ليخدموا كحرس حمر، ولكنهم سببوا الفوضى في البلاد، ودافعوا بها نحو حافة الحرب الأهلية. في سن الـ 18، انضم تشوانغو للجيش، ثم أصبح عضوًا بالحزب الشيوعي الصيني والتحق بالجامعة، وبعد تخرجه انضم لبلدية ريفية في إقليم هنان، ومنها بدأ رحلة صعوده داخل الحزب حتى أصبح عضوًا بالمكتب السياسي.

في عام 2011؛ حدث تحول غير متوقع في حياة تشوانغو، عندما تم تعيينه كأكبر مسؤول حزبي في إقليم التبت، وفي ذلك الوقت كان التبت لا يزال يعاني من الاضطرابات، فعمل على فرض حزمة من الإجراءات الصارمة تجاه سكان الإقليم، زرع كوادره في كل القرى والمعابد، كما إخترق ما كان مقدسًا في البوذية التبتية، وعمل على تكييفها مع الحضارة الاشتراكية، وأجبر معابدها على رفع الأعلام الصينية وتعليق صور قادة الحزب الشيوعي.

 

في غرب الصين، حيث يقع إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية سابقًا)، الذي يسكنه أغلبية مسلمة من قومية الإيغور، وهو أحد الأقاليم الصينية الخمسة التي تتمتع بحكم ذاتي، قام الإيغور بعدة ثورات خلال سنوات القرن العشرين للاستقلال عن الحكومة المركزية في بكين، كانت أبرزها ثورة 1944م، التي نجحوا على إثرها في إعلان دولة تركستان الشرقية المستقلة، لكن سرعان ما ضمتها الصين الشيوعية عام 1949م، ومعها بدأ تاريخ القمع للإيغور، وممارسة العنف ضدهم، والتهميش في كل مناحي الحياة، مع وصول الرئيس الصيني "شي جينبينغ" إلى الحكم، وجد نفسه مضطرًا للسير على خطى أسلافه في قمع الإيغور، هذا الإرث الشيطاني الذي يمارسه قادة النظام بحق 10 ملايين من الإيغور المسلمين في هذا الإقليم، بالرغم من كونهم مواطنين صينيين بحكم الانتماء إلى الأرض الصينية، لكن النظام دأب على وصفهم بأنهم متشددون وانفصاليون ولا يستحقون الحياة.

وفي أغسطس من العام 2016، تم إسناد إدارة الإقليم إلى "تشين تشوانغو"، ليمارس هواية القمع والعنف والترهيب التي يجيدها، وعلى الفور شرع في تطبيق نفس سياساته التي طبقها في التبت، فأرسل كوادر الحزب الشيوعي إلى قرى الإيغور، ونشر نقاط التفتيش وكاميرات التعرف على الوجه على نطاق واسع، كما وصل عدد محطات الشرطة في الاقليم إلى 7500، وبدأ في مصادرة كافة الحقوق المدنية والإنسانية لسكان الإقليم، حيث يتم التضييق عليهم في استخدام الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وحرمانهم من السفر، وأخذ عينات من الحمض النووي لتسهيل متابعة المعارضين، وتزويد السيارات بشرائح تتيح ملاحقة تنقلها عبر الأقمار الاصطناعية، إلى جانب التمييز ضدهم في الحصول على وظائف حكومية، ولم يكتفِ تشوانغو بذلك، بل طبَّقَ ما أسماه سياسة "التأخي والتعايش السلمي بين القوميات"، ففتح باب الهجرة والاستقدام لعائلات من قومية الهان كي يأتوا ويستوطنوا قرى ومدن الإيغور، حتي أصبحت نسبتهم اليوم 42% من سكان الإقليم، في إطار تغيير ديموغرافي واضح للإقليم.

لم يكتفِ تشوانغو بذلك فحسب، بل يمارس رقابة صارمة على أداء الشعائر الدينية لمسلمي الإيغور، إذ أغلق المساجد ومنع تداول المصاحف، وحذف كل النصوص الدينية من المناهج الدراسية، ومنع كافة الاحتفالات الدينية للإيغور أو تطبيق شريعتهم الإسلامية فيما يخص الزواج أو الميراث، وأجبرهم على الإفطار خلال نهار رمضان الماضي، كما منع ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة، وزادت السلطات المحلية في بعض مدن الإقليم على هذا القرار بمنع الحجات أيضا، مثلما فعلت السلطات في مدينة كاراماي، كما مُنِعَ الرجال من إطلاق اللحى، أو إظهار الدين الإسلامي في أي مظهر شخصي، كما تحظر السلطات المحلية تعدد الزوجات، أو تصنيع وإرتداء اللباس الشرعي للنساء، أو أية ملابس تحمل رمز الهلال والنجمة، كما تقوم بحظر الطعام الحلال، ويُجبر الطلاب في المدارس على تناول لحم الخنزير.

لكن أكثر الإجراءات التي إتخذها إثارة للجدل، كانت إقامة معسكرات إعادة التثقيف الجماعي، التي هي في حقيقتها سجون جماعية، يُحتجز فيها ما يقارب المليون مسلم إيغوري، وهم مسجونون لأجَل غير مسمى، دون توجيه تهم إليهم، كما يُجبَرون على ترديد شعارات الحزب الشيوعي، وأداء قسم الولاء للرئيس شي جينبينغ، هذا بخلاف المعاناة من سوء التغذية، والتعذيب على نطاق واسع، كما أن الاطفال يفصلون عن عائلاتهم ويُكرَهون على رفض هويتهم الايغورية، وتعمل السلطات أيضا على شر الانحلال والإباحية ومحلات بيع الخمور في مدن الإقليم، مما يسهم بشكل متسارع في إنتشار الانحلال الأخلاقي والفساد الاجتماعي.

بعض المنظمات الحقوقية قد وصفت الحملة ضد مسلمي الإيغور بأنها أكبر جرائم حقوق الانسان فظاعة في عصرنا الحديث، وتأتي بالترتيب الثاني بعد المذابح التي يرتكبها بشار الأسد بحق الشعب السوري، ولعل هذا ما قد يدفع الولايات المتحدة ـ بحسب محللين ـ إلى تطبيق قانون ماغنتسكي ضد تشوانغو، لكن هذا القانون الذي يشكل أداة لمكافحة انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها حكومات أخرى، أو ضد أي شخص في العالم يكون مسؤولًا عن أو مشاركًا في اعتداءات حقوقية خطيرة، هو مجرد أداة قد تستعملها واشنطن كجزء من حربها التجارية المشتعلة حاليا مع الصين، وليس القصد من ذلك هو الحفاظ على حقوق الانسان أو منع الانتهاكات ضد مسلمي الإيغور، فالقضية الإيغورية تحتاج تكاتف كل الدول الإسلامية ومراجعة حساباتها، لمواجهة أشرس موجات العداء للإسلام والمسلمين في إقليم شينجيانغ.